الحديث كله يدور عما سيحدث فى ٣٠ يونيه، وما سوف يؤدى إليه الحشد من أعمال عنف، تنبئ بأن هذا التاريخ وما سوف يليه من آحداث، سوف يكون علامة فاصلة فى كتابة مستقبل مصر الاجتماعى، قبل مستقبلها السياسى.
وفى كل الأحداث التى شهدت عنفا ومصابين وضحايا، فى مشاهد تاريخية مررنا بها بعد الثورة، كأحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، أثبت القادة السياسيون بصفة عامة فشلاً ذريعاً فى التعامل الإنسانى السليم المدعوم بخطط دعم وإغاثة إنسانية، لمصلحة من يدفعون الثمن الباهظ من أبناء وبنات الشعب المصرى فى نضالهم، دفاعاً عن حقوق أضاعها "كبراؤهم" من أباطرة الحشد، داخل الدهاليز والأروقة السياسة.
ولن أنسى فى غمرة مواقف وأحداث الثورة، أحد ليالى أحداث وزارة الداخلية، والتى اطلعت فيها على بعد من حقيقة المواقف داخل الغرف المغلقة، حين شاركت فى جلسة استماع داخل مجلس الشعب أمام لجنتى الشباب والأمن القومى، طَرَحْتُ فيها مبادرة آنية بأساليب عملية، تعمل على تقليل تدريجى للعنف، بغرض وقف نزيف الدم المهدر أمام الوزارة.
وعلى الرغم من أن كل دقيقة تمضى كانت تعنى ازدياد عدد الضحايا، فقد أضاع ملامح القول، انغماس سواد الجمع من السياسيين والنيابيين فى خطب بيزنطية، تهدف لتبرير مواقف سياسية، بصورة يندى لها جبين الضمير الإنسانى، والذى عادة ما يؤلمه سقوط جرحى وضحايا.
كما أثبت تعدد المشاهد والأحداث المتشابهة، عدم جاهزيتهم للتعامل بآليات إنسانية مفترضة فى تلك الظروف؛ ذلك لأن السياسة والمصلحة والحسابات الحزبية الضيقة، فى وطننا، ما زالت مُقَدَمَةٌ عن الإنسان وقيمته وحرمته، فيتحول بذلك المصابون والضحايا من الجموع إلى مجرد محروقات هباء ينثر رمادها فى أركان متحف العجز.
وإذا كانت بذور الاحتراب النفسى الذى تعرض له الشعب منذ أول يوم فى الثورة قد أثمرت هذا التحريض والتهديد المتبادل، والتلويح بالدماء، وذلك فى أجواء فاشية مقيتة، تمثل نتاجاً للإستبداد وثقافة القمع، فإن مسؤوليات منظمات المجتمع المدنى، والتيارات المنادية برفض العنف وحماية حقوق الإنسان، تتعاظم بشكل قياسى أمام الأحداث القادمة.
أوجه لقادة الإغاثة والخدمة المجتمعية هذا النداء، راجياً الشروع الفورى بالمبادرة فى التنسيق، والعمل على إعداد خطط وتجهيزات لوجستية متكاملة للإمداد والإغاثة فى حالات الاشتباك.
ويجدر بالمستجيبين لهذا النداء منهم أن يُراعوا فى تخطيطهم، تحديد مواقع المستشفيات الميدانية بعناية، وتخصيص شبكة إدارة محكمة للمتطوعين من الأطباء وطلبة كليات الطب، تراعى تنوع التخصصات الأساسية، وتصمم الجداول للعمل التطوعى، وتشرف على تنفيذها.
كما يلزم تكوين إدارة مركزية محايدة للمعونات الطبية والغذائية، تعمل على ترشيد التعامل مع المعونات وحمايتها، إضافة إلى تكوين شبكة مناديب مركزية من ممثلى منظمات حقوق الإنسان، لاستقبال المصابين فى المستشفيات، وتوفير السبل القانونية لحمايتهم، فكم من مصاب تدهورت حالته، لامتناعه وذويه عن السماح بنقله للمستشفيات الحكومية القريبة؛ خشية تعرضه للاعتقال بعدها من الأجهزة الأمنية.
الهتافات، واللافتات، وشكل التظاهر، وتجهيز المنصات الحزبية للخطب الثورية العصماء والمزايدات السياسية، تمثل مظاهر تعودنا عليها، وتشكل ثقافة "تظاهر" عامة فى مجتمعنا، وتكشف عن بعداً نفسياً هاماً لإفراغ طاقات الحقد السياسى المتبادل، أو الشعور المبرر بالظلم وضياع العدل والعدالة.
لكنها فى هذا السياق لا علاقة لها "بحماية حياة الإنسان والحفاظ عليها".
ولا أستثنى من هذا الأمر التنسيق مع منظمات المجتمع المدنى والهيئات ذات الصبغة الدينية مسلمة كانت أو مسيحية، فالإغاثة الإنسانية، لم ينبغ لها أبداً أن تكون انتقائية.
وإن لم تستجب لهذا النداء مؤسسات إغاثة "إنسانية"، لها صبغة "إسلامية"، وهى تمتلك القدرات المادية والبشرية، لهوى سياسى، أو يقيناً منها، بأن المتظاهرين من أجل انتخابات رئاسية مبكرة، هم مجرد مجموعات من الخارجين عن الشرع والشرعية، فليوصِ القائمون عليها، بأن تدفن لافتات مؤسساتهم الخيرية معهم فى قبورهم، بعد عمر طويل من حملها، علها تشفع لهم أمام الخالق فيما قصروا تجاه حق إنسانى أصيل، قبل كونه حقاً وطنياً ملزماً.
فبعد كل حدث دام، تنفض "المآتم" المجتمعية والسياسية، بنفس السيناريو الممل المتكرر، والذى يتم فيه تقاذف المسؤولية عن العنف، وإسقاط مسبباته على الآخر السياسى أو العقدى، دون التوصل إلى ميثاق أخلاقى ملزم، أو نية عدالة خالصة، من أجل مستقبل الشباب والصغار.
إن سيناريوهات المشاهد والأحداث لا تتكرر ..
مهما تشابهت..تلك مُسَلَّمة يعيشها كل صانعى المشاهد والأحداث فى مسارح الفن..
ومسارح الحياة..لكن الجالسين فى مقاعد المشاهدين..يخصصون الوقت..ويدفعون المال..
من أجل أن يعيشوا:"وهم المشاهد المتكررة"..وياله من وهم!
فهو يستلب الإرادة..كالتنويم بالإيحاء..ويُضًَيِّعُ على الإنسان فرصة صناعة ..مشهده القادم
بنفسه..
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد العزيز
و لماذا لا تطالب الحمقى الذين يحاولون الخروج على الشرعية بالإلتزام بالصناديق و تنتهي المشك
.