محمود البدرى يكتب: ثورة التصحيح

الخميس، 27 يونيو 2013 08:48 م
محمود البدرى يكتب: ثورة التصحيح صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو أن هذا هو قدر الرؤساء المتعاقبين على الدولة المصرية، حيث لم يستتب الأمر لهم إلاً بعد القيام بثورة للتصحيح والتطهير لإزالة ما علق من الحكم السابق والذى لم ولن يتوانى فى عرقلة مسيرة من خلًفه، غير أن تجربتنا الحالية فاقت مرحلة العرقلة إلى محاولة الهدم والحراق وإسقاط دولة .

عمد عبد الناصر إلى التخلص من خصومه السياسيين وإزاحتهم من طريقه فبدأ بالتخلص من نجيب ثم من الإخوان لا لعرقلتهم طريقه أو لمشاركتهم فى حكم بل للقضاء على كل معارضة يمكن أن تواجهه وهو ما يختلف معه الكثيرون فى ذلك التوجه وتلك الممارسات التى إن خلت من حكمه لكان أثمن العهود قاطبة .

ثم شرع السادات فى التخلص من بقايا أجنحة الحكم الناصرى وهى ما عرف بمراكز القوى، والذين حاولوا تقويضه فتقييده ثم الانقلاب عليه، وبرغم امتلاك مراكز القوى لزمام الأمور فى البلاد من جيش وداخلية وإعلام ومؤسسات وهيئات حيوية إلاً أنه وبذكائه الفطرى استطاع أن يستثمر غباءهم السياسى وقادهم إلى السجون وهو ما عرف بثورة التصحيح حتى استتب له الحكم فشرع فى تشكيل معارضة مروضة بعدما صنعها بيديه وعلى أعينه، بتشكيل أجنحة تهاجم بعضها فانقلب السحر على الساحر.

لا شك أن ما تشهده البلاد من فوضى وتسيب وانفلات أمنى واحترافية فى أعمال البلطجة التى اتخذت شكلاً ممنهجاً، ومحاولات الانقضاض على كرسى الحكم وإزاحة من عليه، هى استدعاءً لأحداث التاريخ نفسها، فالخطأ كل الخطأ من يعتقد أن التاريخ لا يكرر نفسه، وإنما الخطأ فى عدم الاستفادة من أحداثه والاستفادة من دروس الماضى.

بدأ مرسى ولايته فى ظل مشاركة من المجلس العسكرى له فى الحكم فكان أشبه بالرئيس منقوص الصلاحية والخالى من الدسم، غير أنه إستطاع أن يُنحى العسكرى جانباً لينفرد بالسلطة بذكاء يحسب له، ونال استحسان الجميع برغم من أدراك الجميع من أن ذلك لم يكن ليحدث إلاً بتوافق بين الطرفين، ورغبة فى اختلطت ما بين التنحى والتحديث.

لم ينته الأمر عند هذا الحد، حيث مازالت فصول المسرحية القديمة الجديدة نعيش أحداثها بعدما شرعت تلك المسرحية فى استعراض فصولها فاختارت الشارع المصرى مسرحاً للعرض، فأسندت أدوار البطولة لهيئات وجهات ومؤسسات فى الدولة كانت ومازالت أركان الدولة القديمة - والتى نزلت عليها الثورة المصرية كالصاعقة - إلى جانب قيادات حزبية وسياسية وإعلامية علق بعضها بالوطنية والقيم والمبادئ الثورية بعدما تفننوا فى وضع توصيفاً كاملاً لماهية الديمقراطية فما لبثوا أن سقطت أقنعة كانت تغطى وجوههم بعدما أخفوا ورائها زيفاً زاع صيته، بعدما عكفت على إبرازه أبواق إعلامية وقنوات فضائية خصصت لذلك الغرض.

تفننت تلك المسرحية بأبطالها فى محاولة هدم كل أركان الثورة المصرية، فتباينت الوسائل والأساليب والخطط والتدابير والتى تتكشف يوماً بعد يوم بعدما تحولت محاولات الهدم من مجرد هدم لثورة الى هدم لدولة، فتحولت المظاهرات إلى صدامات واقتحامات لمقرات أحزاب وقصور الرئاسة مستهدفة من ذلك فرض شعوراً بهوان الدولة وضعفها واقتراب سقوطها بل وضرورة سقوطها.

غاب عن مؤسسة الرئاسة ذكاؤها فى مواجهة تلك المؤامرات كيفما تفاعلت مع تنحية المجلس العسكرى، ويبدو أن ذلك يرجع إلى نزاهة وشرف الخصم حيث شتان الفارق والفرق بين المجلس العسكرى مهما كانت مساوئه والخصوم السياسيين الحاليين، فالأول وضع مصلحة مصر فى المقام الأول حتى لو كان ذلك على حسابه بينما الثانى يفضل سياسة الأرض المحروقة ومن عليها فى ظل رغبة مسمومة محمومة لتحقيق رغباته الصبيانية فى ظل مراهقة سياسية. تباينت ردود المؤسسة الرئاسية حيث نوهت من قبل إلى تلك المؤامرات من غير أن تسدى لنا أى دليل قاطع على ذلك، فيما أفادت تقارير إلى احتجابها عن ذلك للحفاظ على المصلحة العليا والتى يمكن أن تتأثر بشدة لو تم الإفصاح عنها، غير أن ما آلت إليه أحوال البلاد يستوجب أن تسارع الرئاسة بإتخاذ إجراءات حازمة حاسمة صارمة بالكشف عن تلك المؤامرات بأدلة ثبوت قاطعة لا تقبل مجالاً للشك، إيقافاً للزحف التتارى نحو الثورة المصرية حماية وإنقاذاً للدولة المصرية ولتكن ثورةً للتصحيح والتطهير، غير أن تلك الثورة تأخرت كثيراً وقد بات الأمر وقد فات ميعادها أو اقترب، وإن كان فلابد أن تشمل ثورة التصحيح تصحيحاً لأخطاء جمًة وقعت فيها مؤسسة الرئاسة وجب أن تقوم بتطهيرها وتصحيحهاً لها.

غير أن ثورة التصحيح لا يجب أن تقتصر على الخصوم وفقط، بل يجب أن تشمل :
• ثورة تصحيح لأخطاء المؤسسة الرئاسية التى اتسمت بالتخبط والرعونة وقلة الخبرة والحنكة السياسية.
• ثورة تصحيح فى عدم اتباع سياسة تطييب الخواطر وإرضاء الجميع لأنها بالفعل الفشل بعينه.
• ثورة تصحيح فى وجوب اقتراب الرئيس من الجميع ومحاولة التجميع لا التفريق.
• ثورة تصحيح المفاهيم والسلوكيات الخاطئة فى فهم المجتمع المصرى للديمقراطية والحرية التى أصبحت سداح مداح دون رابط أو ضابط.
• ثورة تصحيح المفاهيم فى وجوب فرض القانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء والضرب بيد من حديد على من يخالفه حماية له ولغيره.
• ثورة تصحيح فى وجود تفاهمات بين كل التيارات باختلاف أيدلوجياتها مع ضورة تقويم مسارات الأحزاب والتيارات المختلفة لتتخلى عن المصلحة الحزبية الضيقة لتتسع لمصلحة وطن.
• ثورة تصحيح فى ردع الأفاعى التى خرجت من جحورها وأطلت برؤوسها على أمل عودتها إلى ماضيها القذر.
• ثورة تصحيح لتعيد طريقة واسلوب التعامل مع مصابى الثورة وشهدائها وأهاليهم بما يعيد لهم ولاءهم للثورة ووحقوهم التى لن تعوضهم عن ما فقدوه.
• ثورة تصحيح فى الارتقاء المستوى المعيشى للمواطن العادى من محدودى ومعدومى الدخل.
قد يتبادر إلى الذهن أنى أدعو إلى الديكتاتورية للتخلص من المعارضة بيد أنى أدعو لإرساء قواعد وأسس الديمقراطية والتى لا يمكن أن تتحق إلاً بعد تمهيداً لواقع يمكن تطبيقها عليه.





مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد مرسي

اصبت ورب الكعبة

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد العزيز

مقالك محترم و متزن و بنَّاء و يتطابق مع الفكر الواعي و المنطق السليم... شكراً لك و لكل شري

.

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة