يرى الخبير الأمريكى جون إيسبوسيتو، المحاضر بجامعة جورج تاون، أن الدعوات للتعبئة الجماهيرية يوم 30 يونيو تهدد العملية الديمقراطية ومستقبلها فى مصر، وأن محاولة إسقاط الحكومة والمخاطرة بأعمال عنف وفوضى فى حال عدم حدوث ذلك إنما يعكس عمق وخطورة "الحرب الثقافية" بين الإسلاميين "المنتخبين" ومما يسمون بالمعارضة العلمانية.
إيسبوسيتو قال فى تصريحات خاصة لليوم السابع عبر البريد الإلكترونى، إنه "بدلاً من أن يكون يوم 30 يونيو نذيرا بالتغيير الديمقراطى، أصبح تهديدا لمستقبل الديمقراطية فى مصر، بل ويقدم عذراً للتدخل العسكرى والعودة إلى الاستبداد فى صورة استرجاع مستقبل علمانى آمن"، مشيراً إلى أنه برغم أن الحركة بدأت ولا تزال تشمل الكثير من أطياف المجتمع الذين يشعرون بالقلق البالغ حيال بلدهم، إلا أنها تحولت الآن ليس من قبل الإصلاحيين المصريين، بل ولكن من قبل العلمانيين "غير الليبراليين"، الذين يهتمون قليلاً بالديمقراطية وكثيراً بسلطتهم وامتيازاتهم، والكثير منهم أفراد ومؤسسات تمثل الدولة العميقة، ذلك الإرث الذى خلفه مبارك- ويريدون الإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطياً.
ومضى الخبير الأمريكى يقول: "حقيقة الأمر، الرئيس مرسى والحكومة الحالية فعلوا الكثير من الأخطاء، وأساءوا التصرف عندما سنحت لهم الفرص للتواصل بشكل أكثر فاعلية، وبناء حكومة ائتلافية أكثر تمثيلا لأبناء الشعب، لكنهم طبقوا سياسات أثارت غضب إن لم تكن همشت وأبعدت قطاعات من المجتمع"، لافتاً إلى أن استجابة المعارضة الغاضبة ينبغى أن تكون باللجوء إلى العملية الديمقراطية وليس إلى الدعوى إلى إسقاط حكومة انتخبت ديمقراطيا من خلال أول انتخابات حرة ونزيهة، وقال إنه فى الوقت الذى تصر فيه المعارضة على أنها تمثل الشعب، إلا أن الحقيقة هى أن الإخوان المسلمين فازوا فى عدة انتخابات جميعها حرة وعادلة ومن ثم لديهم الحق السياسى والديمقراطى للحكم حتى تنتهى فترة ولايتهم.
وأوضح إيسبوسيتو، أنه فى ظل الضبابية التى تفرضها هذه الحرب الثقافية، أو ما يدعوه البعض تمرد، هناك فشل فى الاعتراف بالإنجازات حتى وإن كانت منقوصة، التى حققتها الحكومة الجديدة فى ظل العقبات الهائلة الموروثة منذ عهد مبارك وأبرزها الاقتصاد المتردى والمجلس العسكرى، والنظام القضائى، ووزارة الداخلية ووسائل الإعلام، مشيرا إلى أنه بعد عودة العسكر إلى "ثكناتهم"، حاول القضاء أن يقوم بـ"انقلاب ناعم"، وبدلا من أن تقوم المؤسسة بعملها بوضع الضوابط والتوازنات، كان من السهل التنبؤ برغبة القضاة فى التأكيد على سلطتهم على الحكومة والعملية الانتخابية، وظهر ذلك فى محاولتهم لإبطال الانتخابات والجمعية التأسيسية وصياغة الدستور.
أما وسائل الإعلام أو معظمها، فرأى الخبير الأمريكى أنها ثابرت على معارضتها للحكومة، وبدلاً من توفير معلومات قدمت معلومات مضللة، وفى الوقت الذى شكت فيه من الضغط الحكومى، تناست حقيقة أن وسائل الإعلام والمصريين أكثر حرية مما كانوا عليه فى أى وقت فى تاريخهم الحديث، مؤكداً "من يستطيع أن ينكر أن الخطاب الإعلامى المستخدم اليوم والذى يتسم بكونه انتقاديا ويقدم دعاية مناهضة للحكومة، لم يكن ليسمح به فى عهد مبارك وكان لينتج عنه قمع حكومى".
وأعرب إيسبوسيتو عن أمله أن يستمر منتقدو حكومة الرئيس مرسى فى الاستفادة من حقهم وحريتهم للتحدث بكل قوة وجراءة فى انتقادهم، ومطالبتهم بالإصلاح وألا يتم إغراؤهم من قبل هؤلاء الذين هدفهم الإطاحة ليس فقط برئيس منتخب، وإنما الأكثر أهمية وخطورة، بالعملية الديمقراطية نفسها، وقال إن هذه فرصة لكل المصريين لتبنى مفهوم المعارضة الوفية، أحد دعامات الحكومة الديمقراطية، والمتمثل فى أن يكون المرء شرسا فى معارضته للمسئولين المنتخبين، ولكنه يبقى وفيا فى الوقت نفسه لنظام الدولة الحكومى، ومصر لديها آلية لإبعاد مرسى وأى رئيس مستقبلى أو أعضاء البرلمان وذلك من خلال جولة جديدة من الانتخابات.
وعما إذا كانت المعارضة قادرة على التنافس فى الانتخابات البرلمانية المقبلة حال إجرائها، قال إيسبوسيتو "بالرغم من أن الرئيس مرسى تمكن من التعامل مع الجيش، وبرغم تأكيده على الحكم المدنى، إلا أن أداءه فى الحكم أثار العديد من التساؤلات ليس فقط من جانب المصريين وإنما أيضا صناع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى، فالعديد من السياسات والقرارات الحكومية التى تبناها خلقت هوة متزايدة من عدم الثقة بين الحكومة وأحزاب المعارضة المتعددة، كما تزايد الشعور بالإحباط الطائفى، وتعددت الاحتجاجات والعنف، وكنتيجة لذلك، أبعد مرسى حلفاء محتملين وعناصر ديمقراطية من الفصائل الثورية للربيع العربى، فضلاً عن العديد من هؤلاء الذين صوتوا لصالحه، ولم يحصل مرسى على مساعدة قيادة الإخوان المسلمين، تلك القيادة التى ينظر إليها باعتبار أنها محافظة بلا خبرة أو فاعلية فى بناء الشراكات الإيديولوجية أو إقامة التحالفات وتقديم التنازلات".
وأضاف بالقول: "مع ذلك، جماعة الإخوان المسلمين ليست بالضرورة القوة السياسية الوحيدة التى من المحتمل أن تحتفظ بالسلطة فى مصر، وفشل حكومة الرئيس مرسى فى الاستجابة للمطالب الشعبية "غير الواقعية" بإحداث تحول سريع فى المشكلات الاقتصادية المعقدة، وتحسين نوعية الحياة اليومية، سيقوض من مصداقيتها ويدفع الناخبون إلى التصويت من أجل حزب أو ائتلاف بديل"، واستطرد قائلاً أن "الصراع فى مصر ليس فقط بين الإسلاميين والعلمانيين، فالمعارضة العلمانية تتكون من علمانيين ليبراليين، هؤلاء الملتزمون بالديمقراطية، ومن علمانيين غير ليبراليين، وهؤلاء الذين يريدون الحصول على السلطة بأى طريقة مثل بقايا نظام مبارك من الفلول والبيروقراطية السياسية، والقوى الأمنية وقادة الكثير من الأحزاب السياسية التى تشكلت بعد الثورة، وغالباً ما أثبت زعماء المعارضة وأحزابها ضعفهم ومدى تقسيمهم، فالأحزاب السياسية دائما ما تدور حول شخصية واحدة، لديها القليل من المقترحات الفعلية لحل أكبر مشكلات البلاد الاقتصادية والسياسية، والقليل من هذه الأحزاب يتسم بالتنظيم القوى ووجود قيادة أو عضوية كبيرة، بينما لا تملك قاعدة شعبية قوية وشبكة للحزب، وعدم قدرة أحزاب المعارضة على تشكيل ائتلافات مؤثرة كان عاملا هاما فى انتخاب مرسى ولا يزال يعيق تقدمها".
وعن الانتقادات المتزايدة الموجهة لحكومة الرئيس مرسى بسبب وضع المرأة والأقباط وحقوق الإنسان بوجه عام، قال المحاضر الأمريكى: "علينا أن نعترف أن مصر فى العقود الأخيرة فى ظل عهد حكومة الرئيس مبارك وحتى قبلها، عانت من مشكلات كبيرة فى ملف حقوق الإنسان، كما أن الأقباط المسيحيين كانوا فى بعض الأوقات يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، وكانوا ضحايا للتمييز والعنف، فضلاً عن حقوقهم المحدودة فى بناء أو تجديد كنيسة، ورغم أن معظم المصريين المسلمين لطالما آمنوا بالتعددية واتسموا بالتسامح، ويعيشون جنبا إلى جنب مع جيرانهم من المسيحيين، إلا أنه يوجد أقلية غير متسامحة سياسيا ودينيا، ومن ضمن هؤلاء الذين يهاجمون الكنائس ويصيبون ويقتلون المسيحيين".
أما عن وضع المرأة، فأشار إيسبوسيتو إلى أن التحرش بها فى الشوارع والأتوبيسات والأماكن العامة الأخرى كان مشكلة شائعة، وحقيقة أن هذه المشكلات لا تزال موجودة بالطبع أمر غير مقبول، وإذا كانت حكومة الإخوان مسئولة عن سياسات تنتهك حقوق المرأة والأقباط وغيرهم فينبغى محاسبتهم، ولكن مدى تواجد هذه المشكلات لا ينبغى أن يعزى ببساطة إلى الإخوان، فهى مشكلات موجودة منذ عقود، على حد قول الخبير، الذى أشار إلى أن حكومة الرئيس مرسى شأنها شأن أى حكومة مصرية أخرى تواجه تحديا ليس فقط لإدانة وإنما لمواجهة وبفاعلية هذه المشكلات من خلال تغيرات قانونية إذا استدعى الأمر، ومن خلال إشراك المرأة والأقباط وغيرهم فى الحكومة، ومن خلال فرض المزيد من الضغط على الشرطة، وإصلاح النظام التعليمى.
وعن تزايد الود الود بين السلفيين والولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة الأخيرة، وظهور ذلك فى زيارة بعض السلفيين إلى السفارة الأمريكية بالقاهرة، فى الوقت الذى أثير فيه جدلا حول زيارة ياسر برهامى إلى واشنطن، قال إيسبويسيتو "فى الساحة السياسية، تتنافس الأحزاب بين بعضها البعض ليس فقط على الصعيد المحلى وإنما على الصعيد الدولى، ومن المتوقع أن يعملوا شراكات أو ائتلافات عندما تسنح لهم الفرصة، ولكن هدفهم الرئيسى سيكون الفوز بالرئاسة".
خبير أمريكى: مظاهرات 30 يونيو تهدد مستقبل الديمقراطية وتمنح العسكر عذراً للعودة.. ومرسى أخطأ كثيراً لكن من حقه إكمال فترته القانونية
الخميس، 27 يونيو 2013 10:33 ص
صورة أرشيفية