قال حمدين صباحى، مؤسس التيار الشعبى، عضو جبهة الإنقاذ، إن الرئيس محمد مرسى الذى كان يستعد قبل عام لخوض دورة الإعادة من الرئاسة عجز عن الإجابة عن سؤال وجهه إليه، وهو هل ستكون رئيساً مستقلاً فى حال فوزك؟
وكشف صباحى، فى الحلقة الثانية من حواره لصحيفة "الحياة اللندنية" اليوم الأربعاء "أن مرسى قال له فى الاجتماع "أريدك معى نائباً للرئيس" واعترف بأن شعار "يسقط يسقط حكم العسكر" أضر بالثورة لأنه سمح للإخوان بمغازلة الجيش والاقتراب منه.
وهنا نص الحلقة الثانية:
* من اللافت أن الولايات المتحدة لم تدافع عن النظام المصرى (السابق) الحليف أو التابع لها.. هل تعتقد أن الرأى الأمريكى كان له حساب لدى المؤسسة العسكرية؟
– يمكن أن أحدد العوامل الرئيسة المحرّكة للمؤسسة العسكرية فى مصر على النحو الآتي: الأول هو العامل الشعبى، إذ يجب أن تكون المؤسسة منسجمة مع تيار واضح ينسجم مع المطلب الشعبى والمزاج الشعبى المصرى، والثانى ألاّ يكون تحرّكها مندرجاً فى خانة المحظور الأمريكى، أى لا بد من أن تجد عدم ممانعة أمريكية، وليس موافقة بالضرورة.. منذ سنوات يقتصر تسليح الجيش المصرى على أمريكا، وجزء رئيسى من المعونة الأمريكية معونة عسكرية، لذلك يستبعد أن يضحى بمصدر تسليحه الوحيد وبمصدر مهم من مصادر تمويله، ولهذا أتوقع أن يأتى قرار الجيش فى المرتبة الثانية بعد العامل الشعبى، أى ألا يكون فى تناقض مع القرار الأمريكى، إذ يجب أن يكون هناك ضوء أخضر ما.
الجيش فى ثورة 25 يناير، مارس الحياد الإيجابى، قال «لن أضرب الناس، ولن أعلن خلع مبارك»، نزلَ إلى الشارع فى 28 (يناير)، ويومها عرفنا النبأ من التلفزيون، وكان السؤال فى الميدان: كيف سنتصرف مع الجيش؟ كانت إجابتى للناس الذين طلبوا منى أن أخطب فى الجماهير فى الميدان «حين يأتى أفراد الجيش نلوّح لهم، ونأخذهم بالأحضان، ومن يستطيع، يُلقى عليهم الورود»، أنا رأيت الجيش فى تظاهرات 1977 وخلال أحداث الأمن المركزى فى العام 1986، فى كل الأحوال هو تعامل مع الشعب بهذه الطريقة المنضبطة، وهو بالغ الحرص على ألاّ تهتز صورته عند الشعب، هذا يفسر تصريحات (وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي) هذه الأيام التى قال فيها إن الجيش مع الشعب المصرى، هو مضطر لقول هذا الكلام لأنه وريث تقاليد فى الحياة العسكرية المصرية يحاول الحفاظ عليها، الجيش لم تكن عنده فرصة ليخوض معركة ضد سمعته وعلاقته الوطيدة بالشعب، أو ضد التقاليد العسكرية ذات الطابع الوطنى الأصيل، أو ضد توازن قوى، هو يعلم أنه فى حال دخل فى صدام مع هذه الملايين سيخسر، ماذا كان سيفعل مع الملايين فى ميدان التحرير؟ هل يضرب بالدبابات؟ هو أصلاً ليس قوة مكافحة شغب.
* تعرف المشير طنطاوى؟
- شخصياً لا أعرفه.
* وعمر سليمان؟
– ولا عمر سليمان، لا أعرف أياً منهما، لكن المشير طنطاوى التقيته فى سياقات عامة، أيام كنت نائباً فى البرلمان، وفى القصر الجمهورى عند حسنى مبارك، حين كان يذهب النواب إليه، أما عمر سليمان فلم التَقِه أبداً.
* كيف كانت علاقتك بمبارك؟
- رأيى السياسى كان واضحاً، أنا مؤسس لحركة «كفاية»، كنت أراه كل سنة مرة فى البرلمان، أما لقاءات شخصية، فلا، ومرة كان يفتتح مصنعاً فى دائرتى، ومن الطبيعى أن يحضر نواب الدائرة.
* كيف كان تعامله معك؟
- كان بالغ اللطف، يحرص على مناداتى باسمى، يقول «إزيك يا حمدين وعامل آيه، آيه صلاح سلامة عامل فيك آيه ويضحك، طب والكارفته دى أخبارها آيه»، هو إنسانياً رجل مقبول، ويتعامل بطريقة ودية، لكن مشكلته فى سياساته، لم يكن هناك أى شيء على المستوى الشخصى يمكن أن يُحسب عليه، ولم تكن هناك علاقة تسمح بأن أُشكل انطباعات أكثر من حيز حسن النية فى إنسان يتعامل بشكل جيد، لكن كل سياساته من وجهة نظرى المعلنة، كانت خاطئة.
* من صلاح سلامة؟
– كان محافظ كفر الشيخ، وقبلها رئيساً لجهاز مباحث أمن الدولة، وكانت علاقتنا متوترة على اعتبار أنه المحافظ وأنا نائب معارض.
* أيام الثورة كانت ممتعة لك كناصرى.. شىء ممتع أن يكون المرء زعيماً وله أنصار.
– أنا تقريباً لم أفرح فى حياتى بمقدار ما فرحت بين 25 يناير و11 فبراير، خصوصاً 11 أنا مقتنع بأن لا فرحة أكبر من ذلك إلا تحرير فلسطين.
* تحرير فلسطين لن يكون على أيامنا؟
- على الأقل طالما بقى «الإخوان» فى الحكم.
* كيف تشعر حين ترى مبارك آتياً إلى المحاكمة على حمّالة؟
– مبارك لم يعد يأخذ اهتماماً منى.. ليس مصدراً للاستهجان ولا للتعاطف، إنه موضوع ثانوى الآن.. جدول الأعمال المصرى حافل جداً وصعب جداً. مبارك سقط، وبسقوطه من السلطة التشفى به ليس ذا معنى على المستوى الأخلاقى.. ومنذ كان فى السلطة كنا ضده، وبالتالى لا يستحق الانتصار له، خصوصاً من الذين سعوا إلى إسقاطه، وأسقطوه.. أعتبره موضوعاً خارج التاريخ الآن، مشكلتنا أننا قمنا بثورة وأسقطنا رأس النظام لكننا ما زلنا نحصد المرّ الذى كان مبارك يسقينا إياه فى الديمقراطية وفى العدالة الاجتماعية.
* انتقلت مصر من مبارك إلى جنرالات الجيش.. كيف تقيِّم أداء العسكر فى هذه المرحلة؟
– أعتقد أن العسكر أساؤوا إدارة المرحلة الانتقالية.. هناك فرق بين مَنْ صنعوا الثورة ومَنْ تركوها تحقق هدفها.. نحن أدركنا الخطأ الفادح، وهو جزء من الدروس المستفادة، أن الثوار الذين صنعوا الثورة وقدموا شهداءها، عادوا إلى منازلهم بمجرد أن سقط مبارك.. كانوا بالغى الرقى، لم يطلبوا سلطة، لكنهم كانوا بالغى السذاجة، لأن الثورة سلَّمت السلطة لمَنْ لم يصنعها.. نظفنا الميدان، وذهبنا إلى منازلنا، وتركنا الثورة فى يد المجلس العسكرى.. والمجلس خطأه الرئيسى أنه أقدم على ممارسات أسالت دماً وأسقطت شهداء، فبدأ يصنع خصومة مع القوى الثورية الشابة التى كانت تطلب القصاص لشهدائها الذين سقطوا فى ظل نظام مبارك، فاكتشفَت أن مزيداً منهم يسقطون فى ظل المجلس العسكرى.
* وهل هذا بمبادرات منه، أم سوء تصرف، أم استدراك؟
– ظنى أن الجيش لم تكن له أى مصلحة فى أن تسيل نقطة دم، وهذا جزء من إدراك لبنية هذه المؤسسة وطريقة (اتخاذ) القرار فيها.. فى النهاية حصلت هذه الأخطاء، بالتالى هو يتحمّل مسئولية سياسية عنها، بصرف النظر عن المسئولية الجنائية، كأن يظهر أن هذه الأحداث خدعة أو أن جهازاً آخر مسئول عنها.. نحن أيضاً كثوار، كنا من السذاجة بحيث صنعنا لأنفسنا فخاً، هو: «يسقط يسقط حكم العسكر».. هذا كان شعاراً بالغ البراءة والمنطقية، ومن أهم الأخطاء التكتيكية التى ارتكبها الثوار، لأن هذا الشعار خلق المناخ الذى حرث الأرض لـ«الإخوان» كى يتوافقوا مع المجلس العسكرى.
* هل تشعر بأن لـ«الإخوان» أحياناً دوراً فى الوقيعة بين قوى الثورة والعسكر، وأنهم استغلوا ضيق أفق العسكر واندفاع الثوار للوقيعة، فى بعض الأحداث؟
– ليس لدى ما يجعلنى أتهم «الإخوان» بأنهم دعوا إلى تلك الوقيعة، لكن لدى ما يجعلنى أتهم نفسى والثوار بأننا كنا أبرياء وطيبين ومخلصين للفكرة الثورية.. نحن أضررنا جداً بقضية الثورة بهذا الشعار، فكلما كان ينتشر شعار «يسقط يسقط حكم العسكر»، كان «الإخوان» يقدّمون أنفسهم بديلاً شعبياً مؤازراً للمؤسسة العسكرية فى مواجهة الثوار الذين يعتزمون تحطيمها والانقضاض على قادتها والاقتصاص منهم.
* مصر صارت فى يد المجلس العسكرى، هل راود طنطاوى وزملاءه أن يحكموا؟ هل هربوا من السلطة؟ هل أساؤوا التصرف فوصلت السلطة إلى «الإخوان»؟ سلوك طنطاوى يوحى بأنه كان يعتقد أن الطاولة ستنقلب عليه.
– سلوك طنطاوى سلوك رجل لو كان يريد أن يحكم، لما سمح لهذا المقدار من الأخطاء الحمقاء أن يحدث.. لا أعرف نيته، لكن سلوكه لا يدل على نية فى الحكم.. هذا سلوك رجل يريد أن ينهى مرحلة انتقالية ويسلِّم السلطة، وهو أدار هذه المرحلة بكفاءة سياسية بالغة المحدودية.. فى لحظة ما، اعتقدتُ بأن المسئول عن تسليم البلد لـ«الإخوان المسلمين» هو المجلس العسكرى، وطريقته فى الأداء.
* تقول إن المجلس العسكرى وطريقة أدائه كانا السبب فى تسليم البلد لـ«الإخوان»؟
– كانا سبباً رئيسياً.. حين كنا فى الشارع نهتف، كان «الإخوان» يجلسون مع المجلس العسكرى ليتفقوا، حين كان الشباب يذهبون إلى شارع محمد محمود، كان «الإخوان» يدينون المتظاهرين لمصلحة المجلس، وبالتالى كان على المجلس العسكرى أن يختار بين من يشتمونه ويقولون «يسقط»، و«الإخوان» الذين يدافعون عنه، فمن الطبيعى أن يقترب ممن يدافعون عنه.. ثانياً المجلس العسكرى يحكم سياسياً، وهو ليس حزباً سياسياً ولا يملك تنظيماً، ووجد تنظيماً جاهزاً بالغ الانضباط، يطبق السمع والطاعة، اسمه «الإخوان»، يعرض عليه خدماته فى أن يؤازره، فيقول اسْتَخْدِمه، بصرف النظر عمن نجح فى استخدام الآخر.. هذه اللحظة كان السبب الرئيسى فيها هو افتقاد رؤية ذات طابع تكتيكى، فيها من ذكاء الإدارة لدى قوى الثورة الحقيقية، ما سبّب تقسيم البلد إلى نوع من أنواع وفاق إخوانى - عسكرى لدى طرفيه احتياجات متبادلة، واستطاعا أن يخدما بعضهما بعضاً.. هذا ملمح رئيسى من ملامح الفترة الانتقالية.
* هل هناك رأى أمريكى للتشجيع على مجىء «الإخوان»، إذا كان يعتبر أن لهم تمثيلاً فى الشارع، ويمكن أن يساهم ذلك فى وقف الإرهاب؟
– هذا الرأى الأمريكى موجود منذ فترة، وهو جزء من الأفكار المتداولة والتى تناقش فى وسائل الإعلام ومراكز البحوث.. لكن السؤال: هل تبنت أمريكا هذه الرؤية أم لا؟ ألاحظ أن الأمريكيين ناصروا مبارك، لكنهم وجدوا أن ثمن إبقائه باهظ، وبالتالى ستكون الصفقة خاسرة مع نظام حاز كل هذه الكراهية الشعبية.. أصبح رهانهم أن يجدوا بديلاً يظهرون معه أنهم يناصرون الديمقراطية، وفى الوقت نفسه يحمى مصالحهم.. هم يتحدثون كثيراً عن قيم أمريكية، وهذا أصدقه عند المثقفين وحركة المجتمع الأهلى الأمريكية ووسائل الإعلام يمكن أن تنتصر لها، لكن هذه القيم تتناقض مع مصالح أمريكية، الإدارة معبّر رئيسى عنها ومسئولة أمام القوى النافذة لضمانها.. مصالح أمريكا تتحقق إذا وجدت خادماً ديمقراطياً أفضل من الخادم المستبد.. الترتيب واضح، أن يكون خادماً للمصالح الأمريكية.
حين أدركت الولايات المتحدة أن الثورة المصرية ستنتصر، لم تدفع كلفة الحفاظ على خادم فَقَدَ أوراقه الداخلية.. أما هل ساعد الأمريكيون فى وصول مرسى إلى الحكم، فهذا سؤال لا أدعى أننى أملك قرائن عليه.. لكن هناك سياقاً يجعل هذه المقولة مقبولة منطقياً، بصرف النظر عما إذا كانت تمت البرهنة عليها أم لا.. هذا السياق يبدأ من أن هناك بدائل فى التفكير الأمريكى لفكرة العداء مع الإسلام، وهى فكرة مقلقة ومولّدة لكثير من العنف ضد المصالح الأمريكية، لأشكال الإرهاب الذى راح ضحاياه مدنيون.. دعم الإسلام المعتدل يمكن أن يحقق ميزتين، أن يضمن اعتدالاً إسلامياً فى الحكم ويصون مصالح أمريكا من حيث جوهرها بصرف النظر عن الأسلوب، وفى الوقت نفسه ينزع مشروعية العداء لأمريكا من أيدى الواقفين على أرض الإسلام السياسى.. يقدم إسلاماً موالياً لا معادياً، وأكثر جماعة جاهزة بحكم وجودها فى مصر يمكن أن يكون لها نصيب، إذا تمت آليات ديمقراطية مثل الصندوق (الانتخابات)، هى جماعة «الإخوان المسلمين». هم أقلية بامتياز فى مصر وليسوا غالبية على أى نحو، لكنهم يملكون أقوى تنظيم سياسي.
إذا كانت هناك تفاهمات أمريكية - إخوانية، فهذا يمكن أن يحقق هذه المصالح بكلفة أقل. ثانياً، الأولويات فى المصالح الأمريكية فى الوطن العربى تبدأ بضمان أمن إسرائيل وضمان إمدادات النفط، وبالطبع ضمان أن تكون مصر مع أمن إسرائيل والحفاظ على الاتفاقات بين الجانبين، إضافة إلى العبور فى قناة السويس.
الآن، «الإخوان» جاؤوا، هناك دور مركب سيلعبونه فى مصر، كخليفة لمبارك يحافظ على مصالح الأمريكيين ولا يدخل فى صدام معهم، ولكن له قوة إضافية بحكم أنهم ليسوا جماعة مصرية بل دولية وإن كان مرشدها مصرياً. معنى هذا أن «الإخوان» إذا دخلوا فى اتفاق مع أمريكا، سيؤمّنون حماية لمصالحها خارج حدود مصر، بقدر اتساع التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، خصوصاً ارتباطهم بـ «حماس» فى غزة كجزء مهم فى معادلة الصراع العربى - الصهيوني.
هناك تحليل يقول ان الإدارة الأمريكية تريد أن تغلق ملفاً فُتح فى العام 1948 اسمه الصراع العربى – الصهيوني، ثم النزاع العربى - الإسرائيلى فى خفض للمصطلح لتهوين الأمر. يريدون الآن طى هذا الموضوع وأفضل طريقة هى التوصل إلى دولة فلسطينية منزوعة القدرات على المنافسة، ودولة يهودية فى إسرائيل. فإذا أتيت لتقول أنا إسلامي، فهذا مبرر ليقول الآخر وأنا يهودي... دولة إسلامية تقدم تبريراً منطقياً، بمبدأ المعاملة بالمثل، لأن تنشأ دولة يهودية. ومن جهة أخرى، إذا كان لـ «الإخوان» نفوذ أو دالة على «حماس» أو أى طرف، ويؤثرون فى آخرين منتمين إلى فكرة الإسلام بالمعنى الواسع والتوظيف السياسى له، فأفضل شريك لى يوقع صك طى هذا الملف يمكن أن يكون «الإخوان». أنا لا أتحدث عن حقائق، بل عن تحليل له منطق، وفيه مؤشرات.
الأمريكيون لا يساندون محمد مرسى لأنهم يريدون «الإخوان» أو يحافظون على مصالح «الإخوان». إذا كانوا ساندوه فلأنهم وجدوه ملائماً للحفاظ على الرؤية الأمريكية، أى المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة فى الوطن العربى والمنطقة.
* مَنْ الرجل الأساسى لـ «الإخوان» فى مصر؟
– هناك مكتب الإرشاد، وهو صاحب القرار، وأعتقد بأن الحزب السياسى ذراع سياسية ولا يأخذ موقفاً.. «الحرية والعدالة» كحزب كان ببنية الجماعة وإمكاناتها وهياكلها وكوادرها وسمعتها. لا أرى استقلالاً للحزب عن الجماعة إلا فى حدود التفاصيل، على رغم أنه يملك هياكل مستقلة. هو حزب يعمل فى السياسة لكنه لا يصنع سياسته.
* هل يَصدُق هذا على الرئيس؟
– هذا يصدق أكثر على الرئيس.
* هل يمكن القول إن المرشد هو رئيس الرئيس؟
– يمكن القول إن مكتب الإرشاد هو رئيس الرئيس. يمكن نظرياً أن يكون المرشد، ولكن عليك أن تمتلك تفاصيل للأفكار النسبية أو الأوزان النسبية داخل مكتب الإرشاد، فالشائع هو أن (النائب الأول لمرشد الإخوان المهندس) خيرت الشاطر قد يكون نفوذه فى القرار أكثر من المرشد، وهذا أيضاً كلام ليس له دليل لكنه شائع.
* نفوذ الشاطر أكبر من المرشد، هل نفوذه أكبر من الرئيس؟
– الرئيس لم يكن مرشحاً (الانتخابات الرئاسية)، المرشح كان خيرت الشاطر، وسياق إجرائى دفع به (مرسي) لأن يكون المرشح. وهو يعرف أن ملكاته الشخصية فى حال تقدمه كمرشح لم تكن تؤهله للمنافسة، قدرات التنظيم (الإخوان) هى التى أوصلته إلى الرئاسة، ولديه الوفاء الطبيعى والالتزام الطبيعى، تكوينه الشخصى ليس التكوين المبادر الخلاق، ونحن نعرفه منذ سنوات: تكوينه (مرسى) انضباطى أقرب الى أن يكون جزءاً من جهاز بيروقراطي، أكثر من أن يكون طاقة تملك الخيال والرؤية والمبادرة. كل هذا يتيح القول إن محمد مرسى يعود إلى مكتب الإرشاد "الهيئة العليا للإخوان".
عندما وصلنا إلى انتخابات (جولة) الإعادة، كان مرسى يريد الحصول على أصوات مِن التى حصلتُ عليها (فى الجولة الأولى)، ويريد ملايين الأصوات التى حصل عليها عبدالمنعم أبو الفتوح، وأنا أعلنت عقب النتيجة (الجولة الأولى) أن مَنْ انتخبونى أحرار، ولم ألزمهم بالتصويت لـ (أحمد) شفيق أو مرسي. وبدأت مفاوضات لأنهما يريدان الحصول منى على تأييد معلن. جلستُ وعبدالمنعم أبو الفتوح مع مرسي، كان اتفاقنا أنا وأبو الفتوح اننا كنا نعتبر محمد مرسى شريكاً فى الثورة، وأحمد شفيق تعبيراً عن النظام الذى أسقطته الثورة، فالأكيد أننا لن نؤيد أحمد شفيق. جلسنا مع محمد مرسى وكان اتفاقنا مع عبدالمنعم أن السؤال الجوهرى الذى سنقرر على أساسه هو: عندما يأتى (مرسي) رئيساً فى حال دعمناه، هل سيدير مصر مستقلاً، مع حقه فى أن يحترم الجماعة ويعاملها معاملة لائقة بوصفها مكوناً رئيسياً فى الحياة السياسية، أم سيدير مصر باعتباره واحداً من «الإخوان»؟ كان السؤال حول استقلالية مرسى عن الجماعة، المحك فى حوارنا معه. جلسنا معه لكننا لم نحصل على إجابة تطمئننا، اللحظة كانت حرجة جداً، والفارق (فى الأصوات) ضيقاً جداً بينه وبين شفيق، ولو أعلنتُ دعمى له فغالبية من صوّتوا لمصلحتى سيعطون أصواتهم لمصلحته. يفترض فى هذه اللحظة الحرجة أن يكون لديه (مرسي) شغف الوصول إلى الرئاسة، حتى وإن كان ليس مستقلاً سيقول: لا، أنا مستقل تماماً ولن أخضع لهم (الإخوان)، لكنه لم ينطقها. قال: «كدا يا عبدالمنعم أنت تسألنى هذا السؤال... يعنى يا حمدين أنت بعد العمر ده تسألنى أنا تبع الجماعة ولا لأ، إحنا طبعاً سنعمل لمصلحة مصر». كانت إجاباته خارج النص، فكررنا التساؤل ولم ينطقها.
الأمر الثانى أن وصول مرسى إلى قصر الرئاسة، جاء على تراث من الصراع بين أجهزة الدولة، ومع الجماعة الآتى من قلبها، ما يعنى أن ثقته بالدولة وأجهزتها إن لم تكن مفقودة، فستكون مهتزة بحكم التجارب، لذلك يستعين بالجماعة. إحدى المشاكل الرئيسية فى البلد أن يجعل رئيس الجمهورية أجهزة الدولة، التى هو على رأسها، عاملاً ثانوياً، والجماعة الجهاز الرئيسى لإدارة الدولة، وهذه معضلة.
* هل تلقيت عرضاً من «الإخوان» بالحصول على دور فى حال تأييدك مرسى؟
- نعم، مرسى عرض على منصب نائب رئيس الجمهورية، فى الجلسة ذاتها، قال لي: «أريدك معى نائباً للرئيس»، وكان عبدالمنعم حاضراً، إضافة إلى (رئيس حزب الوسط) أبو العلا ماضي.. وقال لى: «سأعلن هذا الحديث»، فأجبت: "أرفض الإعلان، لأنك ستضع نفسك فى حرج، ففى حال أعلنتَ ترشيحى نائباً، سأخرج وأعلن رفضي، وهذا لن يفيدك".
* هل اتفقَ معك على سياسات إضافة إلى منصب النائب؟
- لا، لم نتوافق حتى نصل إلى الحديث عن سياسات.. كان (مرسى) عرَضَ نائب الرئيس على وعبدالمنعم أبو الفتوح، على أن نؤيده، وخرجت من الاجتماع الذى عقد فى فندق «كمبنسكي» القريب من ميدان التحرير (قلب العاصمة)، متفقاً مع عبدالمنعم على عدم حصولنا على إجابة شافية حول استقلالية مرسى عن الجماعة إذا أصبح رئيساً.. دارت الأيام وتمسّكتُ بموقفى بعدم تأييده، لكن عبدالمنعم أبو الفتوح أعلن تأييده، ولم يعطِه شيئاً.
وعرض من احمد شفيق.
* هل جلستَ مع شفيق؟
- رأيت شفيق حين كنت نائباً (دورة 2005 – 2010)، ولم أره فى الثورة.
* قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، هل جلستَ معه؟
- لا.
* ألا يعذّبك ضميرك أنك كنتَ سبباً فى وصول «الإخوان» إلى الحكم؟ فى حال تأييدك لشفيق، ألم يكن ممكناً حصول إصلاحات من داخل النظام؟
- لا أحب أن أدعى الحكمة بأثر رجعى.. أيدتُ «الإخوان» قبل الثورة ولست نادماً، لأنهم كانوا محل اضطهاد مثل باقى القوى السياسية، وشاركوا معنا فى الميدان ولهم حق أن نظل شركاء.. وهذا يعطى مشروعية لمعارضتى الآن لمحمد مرسى، موقفى ليس أيديولوجياً أو ثابتاً، وأحاول أن أكون منصفاً فى مواجهة ما تم فضحه فيهم، كما أننى لا أتنبأ بالغيب.. شفيق عرض على عبر وسيط محترم هو (وزير الإعلام فى عهد السادات) الراحل الدكتور منصور حسن، والذى كان هناك اتفاق بين المجلس العسكرى و «الإخوان» على أن يطرح رئيساً للجمهورية، اتصل بى وقال: «أرى ضرورة حصول تفاهم مع شفيق» وأنه كان يدعمه، على أن أحصل على منصب النائب، ومن الممكن أن أكون «النائب الذى يدير أكثر الملفات، وبمعايير العمر فإنه (شفيق) لن يستمر سوى دورة واحدة (4 سنوات)، ما يعطيك فرصة التمرس مع جهاز الدولة وتؤهل للعمل».. لكننى لم أكن مؤهلاً على الإطلاق لقبول مثل هذا العرض، وهذا ليس موقفاً شخصياً من أحمد شفيق الذى أقدّره وأكنّ له مودة، وكنتُ ذهبت لتعزيته (بوفاة زوجته) فى منزله، وهى المرة الأولى التى أجلس معه.. كان ذلك قبل إعلان نيته الترشح.
قلت لمنصور حسن: «لا أستطيع أن أقبل هذا العرض»، لكنه طلب منى التفكير فى الأمر، قائلاً إٍنه سيعتبر هذا الرد غير نهائى، ولم أتصل به بعدها، لأن السياق فى هذه اللحظة كان: إما الثورة وإما النظام القديم.. موقفى من أحمد شفيق ليست له علاقة بشخصه، وإنما بما يمثله، إنه جزء من سلطة ثار الشعب عليها، فإذا أعدنا إنتاجها، كان الأجدى القبول باستمراره (شفيق) فى منصب رئيس الوزراء أو ترقيته إلى منصب نائب رئيس الجمهورية.
صباحى لـ"الحياة اللندنية": مرسى قال لى "أريدك معى نائباً للرئيس".. وشعار "يسقط يسقط حكم العسكر" أضر الثورة وقرب بين الجيش والإخوان.. ومقتنع بأن لا فرحة أكبر من يناير إلا تحرير فلسطين
الأربعاء، 26 يونيو 2013 04:47 ص