كانت الروضة ثلاث سنوات، والابتدائية أربع سنوات، أما الثانوية فكانت خمس سنوات، ولم تكن المرحلة الإعدادية قد ظهرت بعد.
كان ذلك فى ثلاثينيات القرن الماضى حين كان عمنا صلاح جاهين تلميذا فى المدرسة، وقد قضى جاهين هذه السنوات متنقلا بين محافظة أسيوط التى التحق فيها بالروضة وعمره أربع سنوات ومحافظة الفيوم التى ذهب إليها مع والده واستكمل فيها سنوات الروضة والقاهرة التى عاد إليها مرة أخرى ليذهب لمدرسة الناصرية الابتدائية.
تلك المدرسة التى كانت عبارة عن قصر كبير أبوابه شاهقة الارتفاع ونوافذه ضخمة ومرتفعة لدرجة أن طولها يتجاوز بوابات بعض المدارس المنتشرة هذه الأيام، وتلك المدرسة تقع فى منطقة وسط البلد، أى أنها تبعد أمتارًا قليلة عن ميدان التحرير، وتطل على أربعة شوارع، أهمها وأكبرها شارع شامبليون الذى لا يعرف أحد من القاطنين فيه قصة هذا القصر؛ إذ عندما ذهبت إلى تلك المنطقة وجدت أن الناس لا يعرفون سوى أن هذه كانت مدرسة جاهين رغم أن سور المدرسة هو نفسه سور «مقهى التكعيبة» الذى يجلس عليه المبدعون الشباب، ويتم تعريف المدرسة بين رواد المقهى باعتبارها «المدرسة اللى جنب التكعيبة».
ولكن وزارة الثقافة حصلت عليها بعد أن كسبت قضية ضد وزارة التربية والتعليم منذ عامين باعتبار أنها مكان أثرى، وسيقوم المجلس الأعلى للآثار بترميمه، ولكن حتى الآن لم يطرأ أى تغيير على المبنى الذى ترك الزمن بصمة واضحة عليه، فالأسوار لم يبق منها سوى أطلال، خاصة أن السادة مرشحى المجالس النيابية يضعون لافتاتهم على هذا المكان الأثرى، أما الأبواب والشبابيك فقد أصبحت متهالكة وبعضها سقط، لكن الحارس الذى تركه المجلس الأعلى للآثار والذى يدعى «النجار» لم يقل له أحد ما يجب أن يفعله إذا سقطت بعض النوافذ أو حتى متى سيتم ترميم هذا المبنى!
هذا علاوة على أن حديقة المدرسة التى تقترب مساحتها من مساحات المدارس فى القرن الواحد والعشرين لم يعد بها سوى بقايا أعشاب وأشجار كأنها بقيت لتنعى ذكرى أيام مضت، تدخل بها دائرة اهتمامات وزارة الثقافة التى اكتشفت أن «مدرسة الناصرية» كانت قصرا لأحد أحفاد محمد على باشا، وهو الأمير «سعيد حليم»، وذلك رغم تأكيد شقيقة جاهين أنها كانت بيت «كليبر» أحد قادة الحملة الفرنسية على مصر.
تلك المدرسة التحق بها صلاح جاهين، وهو فى سن السادسة، أى عام 1936م، عندما وقعت مصر معاهدة التحالف مع بريطانيا، والتى كانت تقضى بين بنودها بالسماح بزيادة أعداد الضباط المصريين فى الجيش بعد أن كان مقصورا على الشركس وأبناء الطبقات الراقية، ليدخل إلى الكلية الحربية الزعيم «جمال عبدالناصر» ورفاقه قادة ثورة يوليو فى الوقت الذى يدخل فى جاهين مدرسة «الناصرية»، ويظل بها لمدة ثلاث سنوات، ولم يكن أحد يتخيل وقتها أنه بعد 20 عاما بالتمام والكمال أن هذه الدفعة هى التى ستكون على يديها نهاية الاحتلال البريطانى لمصر، وستكون أشعار تلميذ مدرسة الناصرية وقودا «لناصر 56»، كما تنبأ جده الصحفى الكبير أحمد حلمى الذى قال: «هذا الولد سيخرج الإنجليز من مصر»!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عادل سماحه
ماهذا الجهل؟
عدد الردود 0
بواسطة:
دراسات
العصر العربي العجيب