تاريخ العالم هو تاريخ السلطة؛ لأن التاريخ لا يهتم بالشعوب، ولا يحترم الضعفاء، ولا يتعقب المغمورين، ولهذا السبب أيضا، فالتاريخ أكثره مزوّر، وأغلبه أكاذيب؛ لأن الذى يكتب التاريخ هو السلطة.
هكذا يعلمنا عمنا محمود السعدنى فى كتابه الأبدع «مصر من تانى» هذا الكتاب الذى يجب تدريسه لطلاب المدارس والجامعات، فلا يصح أن يحصل الطالب على مؤهل عال دون أن يكون قد قرأ هذا الكتاب وخاصة فى ظل ما نعيشه فى هذه الأيام؛ فنحن الآن فى حاجة ماسة لمعرفة تاريخ مصر أكثر من أى وقت مضى، فالتاريخ فى هذه اللحظة يجعلنا ننظر بتفاؤل إلى المستقبل حين نعرف كم من الثورات قام بها الشعب المصرى واستطاع من خلالها إسقاط عدد هائل من الطغاة والبغاة الذين تعاقبوا على حكم مصر. التاريخ ليس مجرد أخبار قديمة، ولكنها قد تتطابق أحيانا مع ما يجرى اليوم من أحداث، أو قد تكون هى السبب فيما يدور اليوم من أمور، وهذا هو الفرق الوحيد بين الحيوان والإنسان، فالإنسان -على رأى أحمد بهاء الدين- حيوان له تاريخ، ولكى يكون الإنسان إنسانا بحق ينبغى أن يعرف تاريخه بلا «تزويق» ولا رتوش، ولعل هذا هو السبب الذى جعل منا نحن العرب أقل مرتبة من بعض الناس، فالإنجليز مثلا يعرفون تاريخهم بالضبط، ويعرفون خباياه بالتحديد، ولكن تاريخ العرب فى مجمله يقف عند خبر أن السلاطين فى غاية العدل، وكل الأمراء فى غاية الأدب، وكل الحكام على حق وكل الشعب فى منتهى الوقاحة والإجرام!
إن أجمل ما فى كتاب عمنا محمود السعدنى هو أنه رغم قيمته وأهميته الكبيرة فإن حجمه صغير، فعدد صفحاته 165 صفحة فقط لكنه بألف مما تعدون، فهو يحوى تاريخ مصر، ولكن من خلال نظرة رجل من الشارع غير متخصص وغير كمسارى وعلى غير علاقة رسمية بالتاريخ - هذا على حد وصف السعدنى لنفسه - وسيعيد النظر من جديد وفى هدوء على التاريخ كله، بعد أن مات الخلفاء والسلاطين والأمراء والكمسارية والبصاصون، وسيجرد التاريخ من السلطة ومن أبهة الحكم ومن أجهزة المباحث والمخابرات!
إن عظمة هذا الكتاب تكمن فى أن كاتبه ليس باحثا فى التاريخ وليس باحثا عن نفوذ، فالتاريخ فى نظر المحترفين هو سلسلة طويلة من الأمراء والملوك والسلاطين، ولكنه فى نظر عمنا محمود السعدنى مجموعة متصلة من الأجيال و«الصياع» وأصحاب الحاجات والمتشردين، مصر فى زمن السلاطين لم تكن قلاوون أو قطز أو عز الدين أيبك التركمانى أو على بك الكبير، ولكنها كانت الزعر والحرافيش والحشاشين ومصر أيام عبد الناصر لم تكن هى الرئيس ونوابه، ومدير المخابرات وأجهزة الاتحاد الاشتراكى، ولكنها كانت العمال والفلاحين والرأسمالية الوطنية والجنود والمثقفين ومصر فى عهد السادات لم تكن هى الرئيس أو زعماء المنابر، أو تجار الشنطة وأصحاب بوتيكات شارع الشواربى وأصحاب الكباريهات ورواد الحانات، ولكنها كانت أيضا هى ملايين الشحاتين والمتسولين، والذين يعانون المرض وخيبة الأمل والجوع.
أعتقد أن هذا الكتاب فيه الجواب الفصل على كل الأسئلة التى يمكن أن تجول بخاطرك فى هذه الأيام، ويكشف لك أهمية 30 يونيو وما يجب أن نفعله بعدها!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
مصر !!.......................لم تغب !!...........................لتعود من تانى !!.......بس