تحاول منظمة غير حكومية أمريكية ترميم بابل التى كانت حدائقها المعلقة واحدة من عجائب الدنيا السبع، بعدما تضررت بالحرب وقبلها بعمليات البناء التى قام بها صدام حسين لتستعيد مكانتها فى تراث البشرية.
وبالمطرقة والمنشار والأزميل، ينهمك عمال عراقيون عند بوابة عشتار فى إزالة وتفتيت البلاط الخرسانى فى إطار عملية ترميم هذه البوابة التى تبدو صعبة.
وتغطى ألواح الأسمنت التى صبت فى عهد الرئيس العراقى الراحل صدام حسين (1979-2003) المسافة بين جدارين شاهقين مزينين بمواكب الثيران والتنين.
وهذا التدخل اضر بالصرح الذى شيد منذ 2500 عام "وسرع من تدهور الموقع"، على حد قول جيف الن المدير الميدانى للمشروع.
وأضاف "نحاول وقف أو على الأقل إبطاء الآليات التى تجعل البوابة تضعف".
وبابل واحدة من أكثر المدن التاريخية الأثرية شهرة فى العالم. وقد تعرضت على مدى التاريخ لأضرار وأذى.
ومشروع "مستقبل بابل" جهد مشترك بين المنظمة غير الحكومية الأميركية الصندوق العالمى للآثار التى تعمل على حفظ المواقع التراث والثقافية الرئيسية، والهيئة الوطنية للآثار العراقية.
والهدف الأساسى من المشروع كان استكمال خطة لإدارة المواقع فى بابل لكنها توسعت لتشمل الترميم وإعادة صيانة أجزاء مختلفة من الموقع أيضا.
وقال جيف ألن "فى 1980 كان هناك تدخل كبير فى البناء الحديث أضيف على واجهات بوابة عشتار وتغييرات فى التضاريس الخلفية إضافة إلى تسطيح قاعدة البوابة بخرسانة".
وأضاف أن "كل هذه الأشياء تساهم الى حد كبير فى زيادة حجم الأضرار فى الموقع واضمحلاله وما نقوم به فى بوابة عشتار هو محاولة إيقاف أو على الأقل الإبطاء فى انهيار البوابة".
ويعد إزالة الخرسانة من الجدران أمرا جوهريا للحفاظ على بوابة عشتار فى بابل التى كانت قاعدة لبوابة أخرى تحمل الاسم نفسه وتعرض فى برلين.
وإلى جانب مشاكل الترميم الحديث الذى يغطى الجدران الأصلية لبوابة عشتار فإن المياه الجوفية تحت البناء تشكل خطرا آخر يهدد بتآكل أسسه.
وقال المصدر نفسه إن إزالة الأسمنت "ستسمح للأرض بالتنفس وبتبخر الماء، لأنه فى الوقت الحاضر المياه لا يمكنها الخروج والطريق الحالى الوحيد لها هو التسرب إلى الجدران".
إلى ذلك، صبت طبقة من الاسمنت على عجل فوق البوابة وتحولت إلى مجرى لمياه الأمطار على الجدران.
وتغطى أجزاء من البوابة كميات من الآجر الحديث التى سيتعين إزالتها واستبدالها بأخريات تحمل مواصفات تاريخية بصورة دقيقة.
كما انتزع سكان القرى المجاورة فى الماضى الكثير من الآجر الأصلى من مدينة بابل الأثرية واستخدموه فى بناء منازلهم الفقيرة.
وشيد جدار من طوب حديث نوعيته رديئة ليرمز لبناء قديم يمتد على ما تبقى من طريق سلكه الإسكندر الأكبر.
وقال ألن "إنه عمل فظيع لأنه شيد على أطلال البناء الأصلى".
وشيد كذلك عدد من الأبنية ذات طراز حديث على أطلال المواقع الأثرية.
وبدأ البناء فى بابل عام 1970، لكنه تسارع فى زمن حكم الرئيس السابق صدام حسين، بحسب ألن.
ويقول ألن بهذا الصدد إن "صدام حسين أعطى أوامر لجعل بابل باحلى حلة أمام زوارها المشاركين فى المهرجان الذى كان يقام سنويا فيها".
وأضاف أن "ذلك يعد كارثة لسلامة الموقع وكارثة لأعمال الصيانة".
وقد شيد صدام كذلك عددا من التلال والبحيرات الصناعية فى الموقع الأثرى.
وشيد قصر على سفح إحدى التلال الصناعية التى أقيمت، يحمل توقيعه وصوره ويتعرض حاليا للتشويه من الداخل بواسطة الكتابة على جدرانه.
وشبه الدكتاتور السابق نفسه بنبوخذ نصر الثانى الذى وسع سلطة بابل وأعاد بناء المدينة، لكن انتهى به المطاف مثل داريوس الثالث الذى أشرف على سلسلة من الكوارث العسكرية وهرب، أو على الأرجح قتل على يد رجال من مواطنيه.
لكن الإساءة إلى موقع بابل القديمة لم تقتصر على عصر حكم الرئيس صدام حسين.
فقد أنشا البريطانيون خلال فترة استعمارهم للعراق خطا للسكك الحديد يمر عبر الموقع حسبما يقول ألن، فيما أنجزت الحكومة العراقية لاحقا ثلاثة أنابيب لنقل النفط عبر المدينة القديمة.
إلى ذلك، شيد موقف للسيارات من الأسفلت داخل المدينة التى استخدمتها القوات الأميركية والبولندية أيضا قاعدة عسكرية بعد الغزو الذى قادته الولايات المتحدة عام 2003 وأطاح بصدام حسين. وقد سبب ذلك مزيدا من الأضرار.
ويقول ألن "لقد أسىء لهذا الموقع لعقود عقود من الزمن، ويجب أن يتوقف ذلك".
ويوضح ألن أن "المشكلة الآن لا تكمن بصدام أو الاحتلال العسكرى الذى كان هنا، بل فى الناس الذين بنوا منازل حول الموقع" مشيرا إلى أنه "لا أحد يفعل شيئا لأن الحكومة لا يمكنها أن تتعاون داخل نفسها لفرض القانون".
ويشاهد عدد كبير من المنازل التى شيدت من الآجر والأسمنت من الموقع القديم فى مدينة بابل، بينما هناك قرية اسمها سنجار يقيم بها ألف نسمة داخل حدود الموقع وقرب بوابة عشتار.
ويعد بناء منازل حديثة فى على أرض بابل مشكلة إذ أن نظام المياه الثقيلة لهذه المنازل يعرض الموقع للخطر وقد يسبب تسرب المياه إلى الأرض أضرارا كبيرة لبقايا المدينة.
وسعى العراق دون جدوى لإدراج مدينة بابل من قبل منظمة اليونسكو على قائمة التراث العالمى، لكنه يخطط للمحاولة مرة أخرى.
ويقول حسين العمارى أرفع مسئول فى هيئة الآثار فى محافظة بابل لفرانس برس "عملنا اليوم هو إعادة بابل واستكمال ملفات المدينة لإدراجها ضمن قائمة التراث العالمى، ولكن هذا يتطلب مبالغ كبيرة من المال".
ويبدو أن الحكومة العراقية لا تمول الأعمال الجارية فى بابل بسخاء.
ويقول ألن "هناك نقص فى تمويل المواقع التراثية".
من جانبه، أعرب العمارى عن أمله أن "تكون بابل مصدرا رئيسيا للدخل العراق ومكانا لاستقبال السياح".
لكن مع صعوبات لا تعد ولا تحصى يجب التغلب عليها فى الموقع والمخاوف الأمنية المستمرة فى العراق تبقى هذه الأهداف بعيدة المنال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة