دقت طبول الحرب، ونفخ فى الصور ليعلن عن بدء الاستعداد للنزال العظيم، فبعد أن تواعدت وتوعدت الأطراف المتنافرة المتنازعة المتصارعة المتناحرة المتقاتلة المقتتِلة المقتتَلة للمقابلة فى 30 يونيو، فقد جرى الاستعداد على قدم وساق لتجهيز كل عدة وعتاد، فكان استخدام كل وسائل ممكنة وغير ممكنة، مشروعة وغير مشروعة من الطرفين المتناحرين فى حملات تخويف وإرهاب كل منهما للآخر وللمصريين على وجه العموم، أضف إلى ذلك إشاعات لمن ينزل أو لا ينزل وغلاء فى الأسعار واختلاق للأزمات كجزء من الحرب النفسية والتى تسخدم عادة فى الحروب.
فقد توعد وتعهد الطرف الأول الداعى الى 30 يونيو بالنزول وملأ الشوارع والميادين بعد اصطفاف تاريخى أكيد من الشعب المصرى حوله والمؤيد لأهدافه والتى هى محققة لا محالة والمتلخصة فى إسقاط مرسى ونظامه، وسحق كل مؤيديه، والضرب بيد من حديد على كل من يعارض تلك الخطوات أو حتى لا يباركها، فهل يدرك هؤلاء أن بسقوط مرسى دون صندوق الانتخابات سيسقط لنا رئيساً كل شهر أو شهرين؟.
تواترت الأخبار والأنباء عن مدى استعداد ذلك الطرف لتلك الموقعة والتى قيل فيما قيل عن تدشين حملات دعائية مقروءة ومسموعة ومرئية، وعن كميات أسلحة تخزن، وخطط تعد، واتفاقيات بين أجنحة ذلك الفصيل على حرق وتدمير واقتحام وعصف بكل من يقف فى طريقهم، بل إن الأمر قد تعدى مرحلة سقوط النظام وسحق مؤيديه إلى ما بعد 30 يونيو والذى سوف تسلم البلاد لأيادى بيضاء سيبارك لها وفيها الرب، ليشهد على بداية العهد المنشود حتى لو كان الوصول إلى القصر باعتلاء جدرانه على جماجم المصريين.
لقد خططوا لإسقاط النظام دون أن يتفقوا فيما بينهم على أى شىء يمكن أن يكون محل إجماع، فدائماً ما كانت أطراف ذلك الطرف لا تلتقى على هدف غير إسقاط مرسى، وما دون ذلك فجميعهم متفرقون مختلفون، لم يتفقوا إلاً على كره مرسى ونظامه وتياره، لم يفكروا فى حال البلاد فيما بعد السقوط – أن حدث – أو عن البدائل المطروحة لوطن هو عظيم عظم التاريخ ولا يمكن أن يترك تحت البحث والدراسة ونظرية الاحتمالات.
أما الطرف الثانى فقد أمن البيوت وحصن المقرات وجمع الأعداد وأعد خطط الانتشار للانطلاق حين يدعوا الداعى الى الجهاد، أضف الى ذلك ما هددت به بعض أجنحة ذلك الطرف من أنهم وضعوا أرواحهم على أكفهم، وأنهم بذلوا الغالى والنفيس لمنع سقوط النظام أو سقوط الشرعية مع أنهم هم من حاولوا هدم شرعية مماثلة، حين تم اغتيال السادات وأن اعترف بعضهم بخطئه، كما تلاقت بعض أجنحة الفصيل على ضرورة إعلان ثورة إسلامية تقتلع من يقف فى طريقها ووجهها إن سقط النظام.
بدأ المشهد يأخذ شكل المعارك الحربية التاريخية حيث يصطف الفريقان أمام بعضهما ثم يدعوان للنزال فرادا لبث مزيداً من الرعب فى قلب الطرف صاحب القتلى والثقة فى قلب الطرف الثانى، ليكون حافزاً عند بدء المعركة، حيث بدأت المناوشات فى بعض المحافظات فكان الاعتداء على بعض أفراد حملة تمرد أثناء جمعها للتوقيعات قابلة اقتحام مقر الحرية والعدالة بالإسكندرية وتحطيم محتوياته، ثم اعتداءات متبادلة أمام اعتصام وزارة الثقافة فاعتداءات فى أسيوط حيث تبادل الطرفان الاتهمامات مع اختلاف الروايات.
يخيم على البلاد أجواء مماثلة خيمت من ذى قبل قبيل 5 يونيو 1967، حيث انطلقت الشائعات وزيفت الحقائق وانتشرت الخرافات والأباطيل والتى روجت لها وسائل إعلام كاذبة فاجرة لا تنطق إلاً بهتاناً ولا تبرز أى حقيقة، بعد تصوير انتصار تاريخى محقق يسحق من أمامه دون أدنى شك أو لحظة تردد أو تفكير، ثم توالت البيانات المزيفة عن بطولات وهمية لم تكن تتحق إلاً فى أحلام أصحابها بعد سهراتهم المشبوهة، فكانت الكارثة بحدوث النكسة التى قصمت ظهر الأمة كلها، فهزيمة أو نصر مصر هى هزيمة أو نصر أمة بأكملها.
كانت الهزيمة قاسية والخسائر فادحة، إلاً أن الخسارة الأفدح كانت من عدم وجود خطة للانسحاب حيث لم يستطع قائد الجيوش أن يضع خطة للتراجع يحفظ بها أرواح الجيش المصرى فكانت الطامة الكبرى حيث تكبد الجيش خسائر أكثر بمراحل مما تكبده فى الهجوم نفسه، ومازال التاريخ يذكر بكل فخر كيف عاد خالد بن الوليد بالجيش منسحباً فى غزوة مؤته دون أن يصاب جندى بخدش فى أروع خطة انسحاب فى التاريخ بأثره، حين أدرك بحنكته ضرورة الانسحاب فلم يتردد وهو أشجع من عرفته الحروب وهو المنتصر الذى لم يذق طعم الهزيمة قط، فأيقن أن الفطنة كانت تستوجب الانسحاب فحفظ الجيش وأيده الرسول فى صنعه.
ليتهم يدركوا ويتعلموا من خطتى الانسحاب سالفتى الذكر، لكى ننجو بالبلاد من عاصفة الغباء التى أن هبت على البلاد فستدمر وتحرق كثير وكثيرين، وجميعهم خاسرون، فهل نحن على موعد مع نكسة يونيو الثانية ؟.
قد يكون 30 يونيو إنجازاً يضاف إلى إنجازات الثورة أن خرجت التظاهرة بوجه مشرق فتُضىء سماء الثورة معبرة عن مطالبها ضاغطة بكل قوة لتحقيقها دون عنف أو إراقة دم!
وقد تكون 30 يونيو نكسة تضاف إلى انتكاسات طلت علينا بوجهها العبوس فتُظلم سماء الثورة إن سعت إلى العنف والدم والنار!
ليس بعيب أن يدرك المرء خطأه ويتراجع عنه فتلك الحكمة بعينها، بينما الغباء كل الغباء والحماقة كل الحماقة فى أن يستمر المرء فى السير فى طريق الخطأ حيث الغزى والندامة، وأن التاريخ لهم لبلمرصاد.
محمود البدرى يكتب: عندما يكون الانسحاب أعظم إنجازا من النصر!
الجمعة، 21 يونيو 2013 12:06 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد العزيز
30 يونيو أياً كانت صورتها و نتائجها فهي سلبية و فادحة.
عدد الردود 0
بواسطة:
هارون
مقال أكثر من رائع