احتفى الصالون الثقافى لمركز إعداد القادة بالفائزين بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) وهم الروائى الكبير بهاء طاهر الذى فاز بالجائزة منذ خمس سنوات عن روايته "واحة الغروب" وللمرة الأولى يحتفى المركز بمبدع غير مصرى هو الكويتى سعود السنعوسى الفائز بالجائزة هذا العام عن روايته "ساق البامبو"، والتى فازت بالبوكر هذا العام.
وأعقب اللقاء حفل توقيع للطبعة السادسة من الرواية، وشارك فى اللقاء المبدع الدكتور محمد المخزنجى والصحفى إبراهيم عيسى الذى نافست روايته "مولانا " ضمن القائمة القصيرة النهائية للبوكر، حضر الصالون عدد كبير من مثقفى مصر ورموز جبهة الإبداع وبعض البلدان العربية بينهم السفير الكويتى بالقاهرة رشيد حمد الحمد وسفير سلطنة عمان خليفة بن على الحارثى وسفير المملكة المغربية محمد سعد العلمى، وعدد من الشخصيات البارزة من بينهم عصام شرف، واعتذر عن الحضور كل من دكتور جلال أمين ومحمد سلماوى، ووزع مركز القادة شهادات تقدير للمبدعين الثلاثة ولجبهة الإبداع وتسلم عبد العزيز الشرنوبى الجائزة نيابة عن الجبهة، واختتم الصالون بتقديم فقرة فنية للإبداع المقاوم لفرقة الأولة بلدى بقيادة الفنان علاء إبراهيم.
أكد يحيى حسين مدير المركز أنها المرة الأولى التى يحتفى فيها المركز بثلاثة مبدعين أحدهم غير مصرى تأكيدا على حقيقة أن الإبداع لا وطن له إلا فى وجدان المتلقين له والمتفاعلين معه ورحب بالسنعوسى قائلا: ها أنت معنا أخيرا، أبدعت فى الكويت وفزت فى أبو ظبى وكرمت فى بيروت وعواصم أخرى ولكن كان لابد أن تتعمد فى القاهرة فهذه سنة من سنن الإبداع العربى.
وأضاف يحيى حسين أنه إذا كان السنعوسى هو آخر عنقود الفائزين بالبوكر فإن أول العنقود هو بهاء مصر الطاهر المبدع بهاء طاهر، وأشار إلى أن من عبثية المشهد السياسى الحالى فى مصر أن يقدم أحد المتنطعين بلاغا إلى النيابة الملاكى ضد بهاء طاهر الذى يبث الجمال والطمأنينة أينما ذهب أو تكلم أو كتب متهما إياه بأنه يبث الفوضى والذعر بين الناس وسب وقذف وإهانة رموز ومؤسسات الدولة والدعوة لتكدير الأمن العام وتهديد سلامة الوطن وإثارة الفتنة، وفسر ذلك بأن بهاء طاهر هو السقف العالى الذى تستظل به جبهة الإبداع المصرى فى دفاعها عن الهوية الثقافية، وسخر يحيى حسين من قيام أحد من أسماهم بالمتنطعين الاليكترونيين باتهام المثقفين بأنهم يكرمون أبطال القمار فى خلط عبثى بين بين البوكر اللعبة والبوكر الجائزة بما يعنى أن بهاء طاهر وسعود السنعوسى وإبراهيم عيسى من أبطال القمار.
وأعرب الأديب دكتور محمد المخزنجى عن شعوره بالنبالة والجمال فى الاحتفال بالفن والإبداع وسط الواقع الذى يتكالب عليه القبح، مؤكدا أن استمرار تغييب الثقافة ينذر بشرور كثيرة إن لم يتم تداركه، فالثقافة التى تعنى فى اللغة إرهاف الرمح تعنى الرهافة فى كل شىء ولها علاقة بالزرع والحصاد فى اللغات الأوربية وهى لازمة لأى مجتمع يحاول النهوض، وعبر عن أن عقله وقلبه يحبان الثلاثة المكرمين بهاء طاهر الذى يعتبره واحة إشراق فى كل ما كتب لأنه يتحرى الجمال والدقة وهذا هو معنى الطهر فى مجال الكتابة وعن إبراهيم عيسى قال إن روايته تذكره بعبارة مكسيم جوركى "تحية لجنون الشجعان" حيث اخترق المبتذل والمألوف وسبر أغوارا ليصنع شبئا مدهشا فى معالجة الشخصيات السيكوباتية التى من سماتها المراوغة والكذب والتى ينطبق عليها الحديث الشريف "أية المنافق ثلاث "فقد عرت الرواية كل هذه الابتذال وتخطت المألوف والمسكوت عنه.
وعن ساق البامبو قال المخزنجى: إن ثمة وشيجة عاطفية بينه وبين الكويت التى عاش فيها ست سنوات محررا علميا بمجلة العربى وأن هناك ضرورة للتخلى عن الأنماط المبتذلة فى تصنيف الشعوب فالخليج لم يعد نفطا فقط كما فى مخيلة البعض فثمة جيل جديد مبدع يولد هناك والسنعوسى واحد منه وسط ديمقراطية مشهودة تجعل الكويت فى قلب المركزية الثقافية العربية وإذا كان سعود علامة فى الادب فهناك علامات فى مجالات اخرى عديدة .
وأشار المخزنجى إلى أنه كان متخوفا بعد حرب الخليج الثانية من أن يكون هناك جيل جديد يتخلى عن الحس العروبى لكنه رأى جيلا من شباب الخليج يتعلمون ولهم عقول بديعة فى مجالات شتى لعل أبرزها احترام البيئة الذى جعل الكويت أحد العلامات الكبرى فى هذا المضمار.
وأكد المخزنجى أن أبرز ما فى رواية السنعوسى هو إطاحتها بعدد من المسلمات كان الروايات الجيدة لا تكتب إلا بعد سن الأربعين فها هو شاب فى الحادية والثلاثين يكتب رواية جيدة كما أنه أطاح بالمقولة المجتزأة التى كانت ترى أن هناك فقرا فى التيمات التى يمكن أن يعالجها المسرح الكويتى، كذلك فالرواية اخترقت المسكوت عنه وهذا حصاد للانفتاح والديمقراطية التى تقدم هذه المواهب الجديدة، وإذا كانت الرواية هى سيرة مموهة فإن السنعوسى لم يقدم سيرة الذات ولكنه قدم سيرة الذوات الأخرى وأكد المخزنجى على فرحه بسعود لا كمبدع عربى فقط بل كمصرى أيضا.
وقال سعود السنعوسى إنه لم يكتب ورقة مسبقة ليقولها لأنه أراد أن تخرج كلماته من فرن القلب مباشرة إلى الحاضرين ولم يرد أن تبرد لو كتبها فى ورقة، وأشار إلى أن مصر تعيده إلى طفولته حينما كان يردد فى مدرسته: تحيا الأمة العربية فمصر شاركت الكويت فى كل مناسباتها وشاركتها إبائها فى استقلالها فوالده كان يردد مع محمد عبد الوهاب أغنيته الشهيرة عن الكويت وهو عندما كان فى التاسعة كان يغنى ويبكى مع أنغام وجمال سلامة والأبنودى فى أغانيهم عن حرب الخليج الثانية، وأعرب عن سعادته لأن مصر تكرمه مع أستاذه وأبيه الروحى بهاء طاهر وأنه لن ينسى جميل مصر أبدا.
وتحدث إبراهيم عيسى عن أهمية ساق البامبو فى السياق العربى الحالى وأن الاحتفاء بها يكسر النمطية الثقافية الشديدة التى سادت طويلا فى تجاهل الأدباء من خارج مصر ولبنان والتى كان فيها ما يشبه الاحتكار والكهنوت والتمييز بين الأدباء، وأعرب عن إعجابه بساق البامبو التى رأى أنها تتحرى الدقة وتؤكد أننا إزاء روائى ومثقف مبدع بذل جهدا بحثيا فى اللغة وتعايش مع أمور مستجدة على العالم الروائى ليصنع نصا إبداعيا متميزا ومغايرا فى الموضوع والشخوص كما أنها صادمة لمشاعر تقليدية فى المجتمع المكتوب عنه ومشوقة وبعيدة عن التلغيز والغموض وتحمل خفة ظل وروح كسرت بها الأصنام الأدبية والنقدية لتصبح علامة بارزة فى الأدب الكويتى . وأكد عيسى أن المثقف الخليجى يبذل جهدا فى التواصل مع العالم بينما بعض المثقفين المصريين يبددون مواهبهم بانتظام وأعرب عن سعادته بنموذج السنعوسى وما يمثله من قيم، وقال إنه يقبل رأس المخزنجى ويد بهاء طاهر لأنه يمتن بشده لوجودهما فى الحياة.
وفى كلمته الموجزة قدم بهاء طاهر التهنئة للسنعوسى على روايته وعلى الحفاوة التى استقبلت بها مؤكدا أنه لم يقرأ الرواية القراءة التى تمكنه من الحديث عنها ولكنه سعيد باكتساب صديق كويتى، وضجت القاعة بالتصفيق لبهاء حينما قال إنه ناصرى عاش العهد الذى كان المصرى يعتبر فيه كل عربى أخ له وأن له أصدقاء على امتداد الوطن العربى يتواصل معهم وعلاقته بالأدب الكويتى قديمة جدا.
وأشاد بهاء طاهر بـ"مولانا" وقال: رغم أنها طويلة أرغمتنى على مواصلة قراءتها وأختلف مع المخزنجى فى أن إبراهيم كانت لديه أى فكرة عن السيكوباتية وهو يكتب الرواية، وأن الرواية ستظل من درر الأدب العربى وعلامة فى مسيرته مثل أعمال كبار الأدباء ووجه التحية للمهندس يحيى حسين لأنه جعل من مركز القادة منارة للثقافة والحرية والفكر والإبداع فطهر المكان الذى كانت تحاك فيه مؤامرات التوريث.
وعقبت المستشارة نهى الزينى بتحية عريس البوكر - على حد تعبيرها - سعود السنعوسى واستعارت جملة من الرواية رأتها مفتاحا لفهمها وهى إن الشخص الذى لا يستطيع أن ينظر وراءه لا يمكن أن يصل إلى وجهته أبدا، وقالت إن الشباب هم صناع التغيير وأن سؤال الهوية الذى تطرحه الرواية هو ما يمكن أن نفسر به الصراع الحالى فى الوطن العربى للبحث عن الذات التى عاشت مكبوته طويلا أمام الاستبداد فالبطل ببحثه عن هويته يفتح أمامنا طريقا لفهم ما حولنا.
وعقب الصحفى محمد فتحى بأن فوز السنعوسى أعطانا درسا فى أن الأدب ليس فقط ما يكتب فى مصر ولبنان ولكن هناك أدبا جيدا يكتب فى مناطق أخرى من العالم العربى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة