ذهبت جنة إلى أمها لتطلب منها شراء جهاز حاسب آلى، وهى تتقدم خطوة وتتأخر الأخرى حيث إنها تعلم أن سعر الجهاز ربما يكون غالى الثمن على إمكانيات الأم، فإن دخل الأم ما هو إلا راتبها الشهرى من عملها كمشرفة بأحد المصانع ومعاش والدها الذى توفى وهى فى عمر الرابعة، ومبلغ يرسله لهما خالها كل عدة أشهر، حيث إنه متزوج ومقيم بإحدى الدول العربية ولم تره جنة بحياتها سوى مرة واحدة منذ عدة سنوات.
ووسط تفكير جنة المسترسل وصمتها التى قطعته الأم حين سألتها لما كل هذا الشرود "جنتى"؟ هكذا كانت تناديها أمها. ففى هذه اللحظة قررت جنة أن تطرح الفكرة على أمها، فقالت لها الأم دعينى أفكر وأتدبر أمرى.
دخلت الأم حجرتها وهى تفكر فى قلق ولكن تفكيرها لم يكن فى تدبير المال كما كانت تعتقد جنة وخصوصا أن الأم بعد وفاة الأب أخذت على عاتقها توفير حياة كريمة لابنتها، وكانت دائما تردد جنة هى جنتى بالدنيا.
فأدخلتها إحدى المدارس الخاصة، وها هى الآن بالمرحلة الثانوية، وتطلب حاسوبا، هكذا كانت تردد الأم وسط قلقها الذى ترجع أسبابه إلى ما تسمعه الأم وتراه بوسائل الإعلام من مساوئ لهذا الجهاز وخوفها على ابنتها، كيف لها أن تطمئن وهى لا تفقه شيئا عنه؟
وباليوم التالى دبرت الأم المبلغ وذهبت مع ابنتها وقامتا بشراء الجهاز، وأثناء عودتهما قالت جنة، يجب أن نشترك "بالإنترنت "مقابل مبلغ شهرى بسيط لأن الجهاز بدون إنترنت لن أستفيد به فوافقت الأم وذهبتا إلى إحدى شركات الإنترنت للاشتراك بالخدمة.
ورجعت جنة وأمها إلى منزلهما ووسط فرحة جنة أخذت تحتضن أمها وتقبلها وتشكرها.
ولكن الأم لم تقدر أن تخفى قلقها على ابنتها طويلا، فصارحتها به، فقالت جنة يا أمى مثل ما الجهاز له مساوئ فمميزاته كثيرة، وأنا لم أشتر الجهاز من أجل مساوئه أكيد اطمئنى يا أمى.
وطرحت الأم على جنة أن تعلمها كيف لها أن تفتح الجهاز وتتعامل معه لكن لم تجد أى استجابة من ابنتها حيث الحجج غير المقنعة طول الوقت.
ومرت الأيام ويوما بعد يوم تزداد ساعات جلوس جنة أمام الجهاز وبالأخص وهى متفرغة بعد انتهاء العام الدراسى، وكلما دخلت الأم حجرة ابنتها وتسألها عما تفعل أمام الجهاز تقول لها أقوم بقراءة بعض الأشياء، وأحيانا تسمعها تتحدث مع صديقتها أوقات طويلة.
فتضايقت الأم من ذلك الجهاز اللعين الذى أخذ منها ابنتها حيث كانت بعد عودتها من عملها كل الوقت يقضيانه معا إما بالمنزل أو الخروج للتنزه، أو لشراء متطلباتهم.
ولكنها تريد أن تدخل ذلك العالم المجهول ليصبح معلوما لديها، لينتهى القلق الذى ينتابها من يوم دخول هذا الجهاز حياتهما.
وظل الحال على ما هو عليه ولكن بعد عدة أسابيع لاحظت الابنة أن أمها تخرج بدونها ويتكرر ذلك عدة مرات بالأسبوع وسألت الابنة أمها عن خروجها المتكرر، فيكون رد الأم إما أنها تشترى أشياء تنقصها أو تذهب لإحدى صديقاتها، فقالت جنة ولكنى يا أمى صديقتك الوحيدة، فردت الأم ولكنك أصبحتى مشغولة عنى الآن لا تقلقى على يا ابنتى.
ولكن الابنة بدأت تشعر بالخوف ينتابها ووساوس الشيطان تدخل برأسها، هل أمها مريضة وتخبئ عليها ؟ هل تعانى من مشكلة ما بعملها؟
وبدأ القلق ينتابها وتحتار وعند مجرد التفكير فى أنه ممكن أن يصيب أمها مكروه تبكى وتردد لنفسها لا لا، أنا ليس لى أحد بهذه الدنيا سوى أمى بعدى عنها بالفترة الأخيرة جعلها لا تحكى لى ماذا يحدث لها.
يجب أن أطمئن عليها، وجاء موعد خروج الأم وجدت جنة نفسها تخرج وراءها دون أن تشعر، فأخذت الأم تمشى والابنة وراءها إلى أن وصلت إلى إحدى العمارات بأحد الشوارع المجاورة لهما ودخلت الأم العمارة وطلبت المصعد، وكانت وراءها جنة فوجدت المصعد يتوقف بالدور الثانى، فصعدت جنة فوجدت أمامها مركزا كبيرا لتعلم الحاسوب... وأمها تجلس بالداخل.
انتظرت جنة حين انتهت أمها وخرجت فوجدتها أمامها فنظرت الأم إلى جنة نظرة طويلة، تحمل كل معانى الخوف، القلق، العتاب، أمسكت جنة بيد أمها وذهبا إلى المنزل وما أن وصلا
حتى انفجرت جنة بالبكاء.
فقالت لها أمها وهى تضمها إليها.. عرفتى يا ابنتى أن الشئ المجهول والغموض يسببان القلق ويصيبان الإنسان بالتوتر، رغما عنه، فقالت جنة أنا خفت وقلقت عليك يا أمى، قالت لها أمها وأنا كنت أخاف عليك أيضا وأنا لا أعلم ماذا تفعلين بالساعات أمام ذلك الجهاز اللعين، الذى أخذك منى ونسيتينى وطلبت منك أن تساعدينى فى تعلمه لكى اقترب منك وأبدد قلقى لكنك تهربتى.
فقالت جنة لأمها سامحينى فأنا كنت أنانية... تعالى يا أمى ودخلت حجرتها وشغلت الجهاز والمواقع التى تفتحها والملفات وقالت لأمها أنا يا أمى قلت لكى لا تقلقى على فإنك ربيتينى وأحسنتى تربيتى وأنا لم أخذلك ولن أخذلك أبدا... هذه قائمة الشات التى أحدث من خلالها صديقاتى... وأنت تعلمين يا أمى أننى أحب القراءة وعندى موهبة الكتابة على الرغم من أننى كنت أود أن أجعلها مفاجأة لكى ولكن قضى الأمر.
فأنا كنت أنوى أن أتقدم لمسابقة القصة القصيرة هذا العام وهذه الملفات تحتوى على كتاباتى وأيضا على كل ما أقوم بقراءته.. ولم يتبق على انتهاء ميعاد التقديم سوى أسبوعين وأنا مترددة بالموضوع الذى أنتوى أن أتقدم به.
لذلك زاد انشغالى عنك بالفترة الأخيرة لأننى كنت أطمع فى الحصول على مركز متقدم بالمسابقة لكى أسعدك... ولكنى محتارة بالموضوع. فقالت لها الأم إذن أكتبى عن موضوعنا مع الحاسوب.
فقالت جنة إنها لفكرة رائعة يا أمى وحديثة وواقعية أيضا... نعم ستكون القصة عن حكايتنا مع الحاسوب.
وكتبت جنة القصة وكانت كلما انتهت من جزء تقوم بقراءته لأمها لتعرف رأيها إلى أن انتهت.
وتقدمت جنة للمسابقة وحصلت على المركز الثانى وسط فرحة وتصفيق الأم وأخذت جنة الجائزة، وكانت جائزة مالية، وقالت لأمها أنت التى تستحقين هذه الجائزة، أنت صاحبة الفكرة فضمتها أمها وقالت لها جائزتى هى أنــــــــــت يا جنتـــــــــتى.
