فاطمة حنفى

الهجرة.. إلى رصيف الحلم والأشعار

الأحد، 02 يونيو 2013 06:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السفر ليس مجرد الانتقال من مكان إلى مكان، لكن التغيير من حال إلى حال وفرصة مغتنمة دائمًا للمضى قدمًا لتحقيق أهداف ومساعى حثيثة لتوفير ظروف بالضرورة متميزة كثيرًا عن القبوع فى بلاد تتضاءل فيها فرصة الوظائف والأعمال، وبالتالى تحقيق الثروة التى تكفل حياة ميسورة لأجيال جديدة يأمل فيها كل منا مستوى تعليمى وحياتى جيد لأبنائه من بعده.

فيتراقص قلب كل فتاة فرحًا بفكرة السفر والعيش فى العالم الغربى، خاصة ذلك لتحقيق الفوائد من السفر المتعددة وعلى رأسها تحقيق حلم الحرية والمعيشة المترفة والثروة والمستوى الاجتماعى المتميز من تحقيق للطموح والأمانى واقتناص الفرص وإثبات الذات والتميز فى مجتمعات تلعب فيها المحاكاة والمقارنات دورا كبيرا كمحرك أساسى فى تكوين الأسر والبيوت وتربية الأبناء.

إن الإنسان الذى لا يحس بقناعة سياسية فى البلد الذى يعيش فيه، ولا أمنا نفسيا أو جسديا ولا يستطيع إشباع حاجاته فى تكوين أسرة، والحصول على مأوى وعمل كريم وضمان اجتماعى له ولأسرته، وحاجات أخرى تلعب عوامل كثيرة فى تحديدها وأسبقياتها، لا يتوانى عن التفكير فى الهجرة ومحاولة ذلك.

فالسبب الرئيسى فى تزايد ظاهرة الحلم بالسفر خلال السنوات العشر الأخيرة إلى فشل الحكومات المتعاقبة والأنظمة الفاسدة فى كل مجتمعاتنا العربية، والتى تفرغت لسرقة المال العام على حساب الشباب والشعوب العربية الفقيرة، خاصة مع تزايد أعداد الخريجين، وعدم وجود استثمارات جديدة وبيع للقطاع العام ومسلسلات السلب والنهب المنظم والتى ترتكبها الكثير من أنظمتنا العربية وغير الوطنية، ولا عجب فى اندفاع هؤلاء الشباب نحو الموت والانتحار فى سبيل فكرة السفر وتحقيق الأحلام فهذه المشكلة أصبحت تؤرق الغرب أكثر مما تؤرق بلادنا مما يترتب على الهجرة غير الشرعية من آثار كارثية لتلك البلاد اجتماعيا واقتصاديا من إجراءات قانونية وغير قانونية، وما تتكبده من معاناة تشريعية لمقاومة هذا السيل من المهاجرين وعلى شواطئها من حروب ومكر وخديعة وسجون واعتراضات كبيرة وتظاهرات لمنظمات حقوق الإنسان ومليارات تنفق للحد من تلك الظاهرة التى تمثل ضررًا ديموجرافيًا خطيرًا يؤثر فى تركيبة السكان والثقافات.

كما لعبت بالمقابل آفاق العيش الآمن والضمان المعيشى والاجتماعى وفرص العمل والتعلم إلى جانب مغريات الحياة وملذاتها الظاهرية والحرية الفردية والاجتماعية دورها التحفيزى فى هذه الهجرة.

وسننحى جانبًا الهجرات غير الشرعية لما بها من من آثار على الفرد والمجتمع والسياسة الدولية ومعاهدات حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية، والحث على حل هذه المعضلة التى تؤرق مضاجع السياسة الدولية ومنذ سنين.

ونتحدث هنا عن الهجرة الشرعية والإقامات القانونية وهجرة الشباب والشابات ومحاولة بناء أسر وبيوت وحياة اجتماعية كاملة بكل أحلام الشباب وتصورات للحياة فى أوروبا يلعب فيها التخيل والوهم دور كبير بلا أدنى موضوعية أو واقعية.

ولكن سرعان ما تتجلى صور الوهم والزيف عند اغلب شبابنا، عندما يصطدمون ببعض العراقيل فى المجتمع الغربى كالبطالة والمشاكل الاجتماعية المتعددة المرتبطة بالحياة المعيشية، وتجتمع مخيلاتهم حول فكرة وحيدة مفادها الهروب من الوطن نحو المهجر، دون أن تكون هناك أهداف محددة ومعرفة واقعية لما ينتظرهم فى واقع سمعوا عنه من نماذج عايشت التجربة بنجاح أو شاهدوه افتراضا على وسائل الإعلام، لتبدأ المعاناة مباشرة بعد المغادرة، وتصبح حياتهم أقرب إلى الجحيم من الجنة الزائفة التى كانوا يتصورونها فيدخلون فى مخاض عسير وعملية مضنية بغية التأقلم مع ظروف تلك البلدان، تنتهى فى أغلب الأحيان بالتخلى والتفسخ عن القيم الدينية والاجتماعية والوطنية والتى تربوا عليها، أو الانطواء على أنفسهم، فيصبحون فى حركة استهجانية مليئة بمظاهر نبذ الآخر فيتجرعون مرارة العنصرية فى كل مكان فى المهجر، ليفكروا فى آخر المطاف إلى العودة إلى أحضان أهلهم وأحبابهم، ويتحول حلم السفر إلى حلم العودة مرة أخرى لأوطانهم الأصلية.

إن الخوض فى قضية السفر والتنقل للحياة فى مجتمعات أوروبية يتطلب بلا شك وقتاً طويلاً ونقاشاً متعدد الجوانب والآراء.
إن المجتمع الأوروبى تحكمه قيم ومفاهيم ومعايير تختلف عنها فى مجتمعاتنا العربية الإسلامية. فالمادية والعقلانية والموضوعية والجوانب الحسية هى أكثر ما يحدد العلاقات الاجتماعية بين الناس. لا أريد القول أنهم شعوب يفتقدون أية قيم روحية أو مشاعر أو أحاسيس أو عواطف إنسانية، ولكننى وددت التركيز على المجموعة الأولى من محددات الميكانيكية الاجتماعية والتى تحدد شكل العلاقات فى شتى المجالات لهذا الشعب لاسيما وأننى بصدد الحديث عن الحياة الاجتماعية للعرب المسلمين فيها.

فالعائلة القائمة على أساس دينى شرعى أو حتى رسمى فقط ليست ضرورة فى الكيان الاجتماعى الأوروبى. ففى كثير من حالات الزيجات الرسمية يكون الدافع المالى هو الدافع الأساس فى ذلك.

هناك اختلافات وفوارق فى طبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهؤلاء العرب المسلمين تبعا لانحداراتهم الاجتماعية والجغرافية ومستوياتهم التعليمية والمهنية ودوافع وظروف قدومهم وأهداف وظروف هذه الإقامة. فالسمات الغالبة لهذه الظروف هى التى تحدد مستقبلهم بان يتقاضوا مساعدات اجتماعية وغالباً ما يعملون بصورة غير رسمية فى مجالات المطاعم والبناء وسيارات الأجرة وغيرها من الأعمال المشابهة، ناهيك عن ندرة حالات عمل النساء المسلمات العربيات المتزوجات.

إن استقراء عاماً لما ذكرته من ظروف ومشاكل لحياة العرب المسلمين فى أوروبا ومنها "النمسا" يدعونى للقول، وباختصار شديد، إن صورة هذا المستقبل ستبقى مرهونة دائمًا بدوافع الهجرة من الأوطان وحوافزها فى هذا البلد أو ذاك.

فهل يأتى اليوم الذى لم يعد يرغب العرب فيه بترك أوطانهم ولم تعد تغازل عقولهم مغريات الهجرة؟ متى وكيف السبيل إلى ذلك؟.






مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

علي غانم

جميل

تسلم ايدك استاذه فاطمه

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبدالغني

فهم ووعي كبير

عدد الردود 0

بواسطة:

اسلام علي

مقال

مقال رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

MOHAMMADALANE

رائع وواقعي جدآ

عدد الردود 0

بواسطة:

حسين

إضاءات مهمة

عدد الردود 0

بواسطة:

بسنت الفواخري

مقال متميز وبسيط وواضح

عدد الردود 0

بواسطة:

ادهم

ومازال حلم السفر

عدد الردود 0

بواسطة:

Kind_ momo_ heart2020@ yahoo. Com

مقال جيد

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد الصغير

الحلم الواهى

عدد الردود 0

بواسطة:

لولو الجميلة

السراب الجميل

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة