أحسب أن الجميع الآن يعلم أن المعنى بالتجرد وهو اسم حملتنا.. هو التجرد لله عز وجل، والعمل لما فيه صالح البلاد والعباد، بعيدا عن النظرة الحزبية الضيقة والمصالح الآنية، ويتبادر السؤال: وهل ينطبق هذا على حالكم؟!.
بداية حملة تجرد ليست موجهة أو ممثلة للمؤيدين دون المعارضين، ولكنها تخاطب كل مصرى باختلاف رأيه وتوجهه، فلم تقم حملة تجرد لتسلب المعارضين حقهم فى المعارضة، أو لتذهب مع المؤيدين دون بصر أو بصيرة، ولكننا رفعنا شعارا واحدا، كن معنا إذا كنت ترفع مصلحة هذا البلد فوق كل مصلحة، كن معنا إذا كنت تغلب العقل على الهوى والميل.
قامت حملة تجرد لترد وتدفع أفكارا رأينا أنها شديدة الخطورة على هذا الوطن، وجدنا من يدعو إلى سحب الثقة من الرئيس محمد مرسى، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، مضى عام من حكم هذا الرئيس، ورأى البعض أن أداءه كان بالغ السوء، وأنه لا يجوز استمراره لأكثر من ذلك لأن فى بقائه خطورة على هذا الوطن، وعددوا أخطاء وسلبيات اعتمدوا عليها فى مطلبهم، هذه رؤيتهم ببساطة، ونحن لسنا بصدد تقييم ما اعتمدوا عليه من أسباب، فطبيعة الأمور أننا سنختلف حتما فى ذلك، فقد ترى الرئيس أخطأ فى هذا الموقف ويرى غيرك أنه أصاب، وتراه لم يحقق إنجازا ما، ويرى غيرك أنه قد فعل، فهذه مسألة لا يمكن الاتفاق عليها، خاصة فى ظل حالة الاستقطاب العميقة التى يعانى منها المجتمع المصرى.
ولذلك قمنا نبحث فى آثار هذه الدعوة وما ينبنى عليها، قمنا نبحث لنرى هل ما يطرحه المتمردون هو الحل الوحيد لمشاكل هذا البلد، وتوصلنا لرؤية محددة، نلخصها فى التالى..
أولا: إن هذا الطرح يمثل خطرا شديدا على استقرار الوطن لعقود قادمة، فما الذى يمنع من أن تظهر حركة كحركة تمرد بعد عام من تولى رئيس جديد لمصر، وتطالب بخلعه وسحب الثقة منه وإجراء انتخابات رئاسية جديدة بناء على كذا وكذا من الأسباب وما أسهل أن تجد من الأسباب ما يدعوك لخلع رئيس بعد عام من حكمه، وربما 99% من رؤساء العالم لن تجد لهم إنجازا يذكر فى عامهم الأول من حكمهم. فهل يمكن أن تستقر مصر فى ظل هذا العرف الذى سوف يسن فى الحياة السياسية المصرية؟! أم أن الداعين لتمرد يحسبون أنهم سيسلكون هذا الطريق ثم يقطعونه على غيرهم من بعدهم؟!..
وأحسبهم يعلمون أن هذا غير ممكن إلا إن كانوا ينتوون قمع من سيعارضهم بعد ذلك كما يردد بعضهم فيقولون عن معارضيهم أن مكانهم الطبيعى السجون والمعتقلات، وهذه الحقيقة سبة قبيحة فى جبين من يدعى أنه يسعى للعدالة والمساواة والحريات ثم تخرج من فمه مثل هذه الكلمات.
ثم وجدنا أن طرح المتمردين، يعود بنا إلى المربع رقم صفر فى حال نجاحهم فيما يسعون له، وهنا يبرز التساؤل الهام، ماذا بعد أن تسقطوا الرئيس؟ كان طرحهم فى البداية أننا سندعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة ونرد الأمر إلى الشعب ليختار، وعندما طرحنا عليهم تساؤلا عن الأساس الذى سيأتى عليه الرئيس الجديد، هل هو ذات الدستور الذى ظللتم تلعنونه ليل نهار وتقولون أنه يخلق ديكتاتورا لم يسبق له مثيل، أسقط فى أيديهم، فقالوا لا، سوف نلغى هذا الدستور، فتساءلنا وكيف ستكتبون غيره؟ ومن سيختار تأسيسيته وعلى أى قواعد؟ فهربوا إلى القول بأنهم سيضعون دستورا مؤقتا من عدة مواد لحين كتابة الدستور الكامل، فتساءلنا ومن سيدير البلاد حتى تقيم انتخابات الرئاسة، فذهب فريق منهم إلى أنه رئيس المحكمة الدستورية، وقال آخرون مجلس رئاسى واختلفوا فى أعضائه (كالعادة)، وذهب البعض إلى المجلس العسكرى، واقترح البعض الفريق السيسى، وقال خبراء قانونيون ودستوريون، بل رئيس مجلس الشورى الحالى، فقالوا وهذا سنقوم بحله بالطبع.
كل هذا الاختلاف والتضارب وهم لا يزالون مجتمعين متوحدين على هدف وهو الإطاحة بالرئيس والخلاص من حكم الإخوان، فماذا سيكون الحال بعد أن يزول الرابط الذى يربطهم؟ خاصة أنك تجد فى حلف المتمردين، الليبرالى والعلمانى والشيوعى والاشتراكى والناصرى ومن ينتمى لدولة النظام البائد قلبا وقالبا والتى قام هؤلاء الثوار للخلاص منها، وياللعجب فمن الخيال الشاطح تصور اتفاق هؤلاء على أى خريطة للطريق بعد الخلاص من الرئيس والحكم القائم.
ثم نأتى لأخطر النقاط فى تصور المتمردين وهذا ما تعمد الإعلام إغفاله وتصنع سذاجة مريبة ومعيبة وغير بريئة منذ ظهور تمرد إلى يومنا هذا ولا يزالوا يفعلون، وهو هل حركة تمرد سلمية ولا تشكل خطرا على بينة هذا المجتمع وتلاحمه وتماسكه، دع عنك ما نسمعه جميعا فى مصر ويصل إلى آذاننا جميعا بأن يوم 30/6 هو يوم المعركة الكبرى مع الإخوان وحلفائهم وأنها ستكون نهايتهم وغير ذلك.
دعونا نأخذ بظاهر كلامهم ودعواهم بأنهم حركة سلمية تجمع أوراقا وستقف بصورة سلمية فى اليوم المحدد لتعلن عن مطالبها، ولكنهم قالوا صراحة أنهم سيعتصمون حتى يتحقق لهم ما يريدون، إذا فأنت لستم بمن يقدم مطلبا وينصرف فى هدوء بل أنت تحاول فرض رأى محدد عن طريق التواجد فى الشارع، وهنا يطل السؤال الأهم وماذا عمن يخالفك هذا الرأى من المصريين؟!..
هناك حل من اثنين لابد وأن هؤلاء فاعلوه الحل الأول وهو ما افترضه الإعلام المريض أن هؤلاء سيجلسون فى بيوتهم يشاهدون المتمردين يحققون ما يريدون وهم سعداء مهللين فرحين، ويمر الأمر بسلام وهدوء، وتصدق تمرد فى دعوى أنها سلمية ونصفق لها جميعا.
أما الحل الثانى وهو ما سيذهب إليه كل عاقل محترم، أنه لا يمكن أن تنزل أنت لتفرض رأيك من خلال تواجدك فى الشارع وأظل أنا صاحب الرأى المخالف قابع فى منزلى أشاهدك، إذن فالطبيعى أن المعارضين لرأى تمرد سينزلون للشارع للدفاع عن رأيهم والذى يرونه صوابا، ويحدث ما حذرت منه تجرد من أول يوم، وهو حدوث المواجهات فى الشارع، والجميع فى مصر يعلم كم الاحتقان الحادث فى الشارع المصرى الآن، والنفوس المشحونة بين الشباب، وبمنتهى الصراحة، من يدعى أن تمرد سلمية وهو يعلم أن هذه أمور ستحدث لا محالة، هو إما يعلم ويرضى بذلك ويؤيده، أو أنه يعيش فى كوكب آخر ولا فائدة من الحوار معه.
ولا يفوتنا أن نبرز أمرا من أهم ما يكون فى الحالة التمردية، فجميعنا أيضا فى الشارع المصرى نسمع أن من أهداف المتمردين وجزء أصيل من خطتهم، أنهم يسعون لإحداث هذه الحالة من الفوضى والعنف والارتباك فى الشارع المصري، من أجل هدف واحد وهو إجبار الجيش المصرى على النزول للساحة والسيطرة على الأوضاع مرة أخرى، وهذا طرح فى منتهى الخطورة، وأقل مخاطره، هو شغل الجيش عن مهامه الرئيسية مرة أخرى، وإقحامه فى الحياة السياسية من جديد، ولا شك أننا بعد شهر أو شهرين من حدوث ذلك سنجد من ينزل للشارع ويطالب بإسقاط حكم العسكر، هذا إذا ما افترضنا أن نزول الجيش سيكون مشابها لنزوله فى ثورة يناير، ولكن التصور الأخطر، هو أن يحدث عنف شديد وحالة احتراب حقيقية بين المتمردين وحلفهم من ناحية وبين النظام القائم وحلفه من ناحية أخرى، وهنا سينزل الجيش والحالة مختلفة تماما عما كانت عليه فى ثورة يناير.
وهذا الانقسام الحاد قد يؤدى إلى انقسام مماثل فى صف الجيش ذاته، فلو نزل الجيش ليؤيد الشرعية سيصبح خصما للمتمردين، ولو نزل ليسيطر على البلاد ويكون بديلا للنظام القائم سيصبح خصما لحلف الرئيس، وهذا مشهد قد يؤدى إلى حالة تشبه الحالة السورية، علما بأن الجيش المصرى، هو الجيش الوحيد القوى الباقى فى المنطقة بأسرها من جيوش العرب، وبالطبع لا يخفى على أحد أن هذا هو هدف أعداء مصر، فهل نحققه لهم بأيدينا؟!.
يبقى أن حملة تجرد لا تصادر كما وضحنا من البداية الحق فى المعارضة أيا ما كانت مطالبها، ولكن نقول للمتمردين والمعارضين أنتم ترون الرئيس أجرم فى حق مصر ولا يستحق البقاء فى منصبه، ترون الحكومة ضعيفة لا تليق بمصر ترون الدستور كارثى يجب تعديله، فماذا لو نزلتم الانتخابات البرلمانية القادمة وأنتم معكم هذه الأغلبية الكاسحة، وشعبية من تعارضون تحت الصفر كما تقولون فأنتم حينئذ الأغلبية بامتياز فى البرلمان، وعندها ستكون لكم الحكومة فتطبقون ما ترونه من سياسات وبرامج وتنقذون البلاد، تقدمون الرئيس للمحاكمة فيوقف عن عمله ثم يعزل بعد الحكم عليه ثم يدعى لانتخابات رئاسية كما تريدون، وتتقدمون بطلب تعديل الدستور بالطريقة التى نص عليها فى الدستور ذاته وتعدلون ما ترونه معيبا وغير صالح.
ولا حجة للقول بأن الإخوان ومجلس الشورى الحالى هو الذى سيضع قانون الانتخابات الجديد بما يخدم مصالحهم، فالدستورية سيف مسلط على رقابهم تراجعهم وتصوبهم، إن كنتم تقولون إن الإخوان يسوفون ويماطلون فلنتحد جميعا على طلب تحديد موعد أقصى ينتهى فيه من قانون الانتخابات ويحدد موعد لانتخابات البرلمان فيه، وإن قلتم لكن الانتخابات بها زيت وسكر وألاعيب، فهذا هو حال الديمقراطية لها إيجابيات وعليها سلبيات، ولكنها تبقى أفضل الحلول المطروحة ولا بديل عنها فى الوقت الحالى، فهل نعقل جميعا ونعلى مصالح هذا الوطن ونجنبه رهانات وقحة قد تودى به إلى مهالك لا يعلم مداها إلا الله، أم أننا سوف نمضى بلا عقل وبكل عناد إلى ما لا يحمد عقباه.. وسيكون الخاسر فى كل الأحوال هو مصر، وليس الفصيل هذا أو ذاك..
هذا كلمات ما قصدنا بها سوى وجه الله ثم صالح هذا الوطن، خرجت من قلوبنا، ونسأل المولى عز وجل أن تصل لقلوبكم..
((إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ))