قال زيراى يهدايجو، المحاضر فى القانون الدولى العام بجامعة أبيردين، باسكتلندا، إن الجدل الذى أثير بين مصر وإثيوبيا مؤخرا، وما قيل بأن كل الخيارات مطروحة فى التعامل مع مشروع سد النهضة الذى تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق، برغم ما قالته مصر بأنها لا تريد حربا مع إثيوبيا، كل ذلك يطرح عدد من القضايا القانونية الملحة.
وأوضح "يهدايجو" فى مقال له على موقع "جورست Jurist" الأمريكى المعنى بالشئون القانونية، أن القضية الأولى تتعلق بالأساس القانونى لكلا الطرفين فى استخدام مياه الميل وموارده، فمصر تعتمد على مبدأ الاستخدام الأصيل والتاريخى لمياه النيل، وعلى اتفاقية عام 1929 التى جعلت لها أكبر حصة من مياه النيل، وأيضا الاتفاقية الموقعة بين مصر والسودان عام 1959، والتى جعلت حصة مصر 55 مليار متر مكعب من بنسبة 78%، بينما تحصل السودان على نسبة 18% والباقى يتبخر.
وتابع: بينما تعتمد باقى دول حوض النيل على مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول لمياه وموارد النيل، وقد تم تدوين هذا المبأ فى المادة 5 من اتفاقية عام 1997 بشأن قانون استخدام المجارى المائية الدولية غير الملاحية، والذى يعتبر تدوينا للمبادئ العرفية.. وقد أعلنت إثيوبيا صراحة أنها تعارض المعاهدات الاستعمارية التى قسمت مياه المنيل منذ بدايتها، كما أن دول المنبع جميعا تعارض الاعتماد على هذه المعاهدات ويعتبرونها غير عادلة وتميزية.
وقال: ربما تجادل مصر بأن حتى هذه المعاهدات الاستعمارية يجب أن تحترم، بما فى ذلك الاتفاقات المبرمة بين مصر ودول المنبع الأخرى وتنص على عدم استخدام مياه النيل دون الحصول على إذن من مصر والسوان، وهذه الحجة ضعيفة، فى ظل معارضة إثيوبيا دائما لهذه الاتفاقيات بينما كانت كل دول المنبع تحت الحكم الاستعمارى، ومن ثم ليست ملزمة قانونا باعتبارها دول نالت استقلالها بعد هذه الاتفاقيات. ومذهب الدولة النظيفة وفقا لما جاء فى المادة 16 من اتفاقية جنيف حول خلافة الدول فى احترام الاتفاقيات والموقعة عام 1978، يشير إلى أن البلاد التى تحصل على استقلالها ليست ملزمة بالمعاهدات الاستعمارية فيما عدا القضايا الحدودية.
ومن المستبعد أن يطبق استثاء "الأنظمة الخاصة" مثل المادة 13 من نظام روما الأساسى المنظم لعمل المحكمة الجنائية الدولية والذى يفرض التزامات على دول غير أعضاء، على هذه الاتفاقيات الاستعمارية والتى أنشئت من أجل تحقيق المصلحة الذاتية وليس القيم العام والمصلحة المشتركة بين دول حوض النيل. وهذا السبب فى أن معظم دول حوض النيل دخلت فى الاتفاقية الإطارية التعاونية "اتفاقية عنتيى" فى عام 2010 والمبنية على المساواة والتعاون وليس الوضع السابق.
ووفقا لاتفاقية عنتيى سيتم إنشاء لجنة مشرفة للإشراف على إدارة النهر. ومن هذا، يمكن القول بنزاهة أن القانون الدولى المعاصر لا يعترف بمبدأ الاستخدام التاريخى أو الأصيل للاستفادة حصرا من دورة المياه دون ضمان حصة عادلة لدول المنبع. ولهذا ترفض اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 صراحة مزاعم الاستخدام الأصيل كعائق للاستخدام المنصف والمعقول للمياه الدولية.
ومع ذلك، يوضح يهدايجو أنه وفقا للقضية القانونية الثانية، فإن دول المنبع يجب ألا تلحق أضرارا كبيرة بدول المصب فى استخدامها لنهر دولى مثل النيل وفقا للمادة 7 من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، والمادة 12 من قواعد برلين. وتصر أثيوبيا على أن سد النهضة لن يؤثر على تدفق المياه، و لن يؤثر على مصالح مصر والسودان، بل وسيكون نافعا لكل دول حوض النيل بما فيها مصر والسودان، حيث إن الكهرباء التى سيتم توليدها من السد ستصدر إلى الدول المجاورة وسيزيد المشروع تدفق المياه إلى كلا البلدين. لكن مصر تقول إن إثيوبيا لم تجر دراسات كافية على تأثير السد على دول المصب، ولا سيما فيما يتعلق بالصيد والمحاصيل وتطوير محطات جديدة لتوليد الطاقة الكهرومائية فى مصر.
ويقول الكاتب إن هذه المشكلة مرتبطة على ما يبدو بالجدل القانونى الأول. فمصر ليست مستعدة للمخاطرة بتخفيض حصتها من المياه بما أن هذا يناقض الحق التاريخى والأصيل لاستخدام مياه النيل بالكامل. ومع ذلك، فإن واجب عدم إلحاق أضرار كبيرة منصوص عليه فى مبدأ الاستخدام العادل والمعقول لنهر عابر للحدود، ومن ثم لا يعتمد على الرغبة المسبقة أو إذن أحد الأطراف المعنية.
ويؤكد يهدايجو على أنه من غير المسموح لطرف أن يقوم بتوسيع مشروعاته بينما ينكر على الآخرين حق استخدام المياه فى مشروعات تنموية والحد من الفقر لديهم. وبالطبع فإن "الضرر الكبير" يعد مسألة فنية، لكن ما يبدو واضحا هو أن إثيوبيا تجد مبررا فى النتائج التى توصلت إليها اللجنة الثلاثية بأن مشروعها لن يضر لمصر والسودان بشكل ملحوظ.
لكن هذا يفسر مشكلة قانونية ثالثة، حيث يبدو أن مصر تدعو إثيوبيا لوقف مشروعها بدون تقديم أساس قانونى. وربما يكون مبررا الحديث عن الضرر البالغ المبنى على دليل أو سبب، لكن ليس مبنيا على تهديدات العنف والتدخل. وحتى لو كان المشروع يضر بمصر، وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، فإن إثيوبيا ربما يُطلب منها أن تتخذ كافة الإجراءات المناسبة.. بالتشاور مع الدولة المتضررة، للقضاء على أو تخفيف أى ضرر، ومناقشة مسألة التعويض إذا قضت الحاجة.
وأخيرا والأكثر أهمية أن مصر تعهدت باستخدام كل الخيارات المتاحة بما فيها القوة العسكرية والتدخل والتخريب وما إلى ذلك، ومع اعتماد الاقتصاد والحياة فى البلاد على النيل، فربما تقول إن سد النهض يمثل، ولو من بعيد، تهديدا لبقائها، ومن ثم يكون لها حق الدفاع عن نفسها وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أنه فى المادة الثانية من الميثاق، تستطيع الدول استخدام القوة فقط للدفاع عن نفسها وعندما تتعرض للهجوم العسكرى، فضلا عن ذلك، فإن استخدام القوة كوسيلة لسياسة وطنية لتأمين مياه النهر محظور تماما وفقا للقانون الدولى الحالى.
ولا يتضح بعد ما إذا كانت مصر انتهكت ميثاقها، أو الواجبات القانونية التى يقرها الاتحاد الأفريقى، فربما يقال إن مصر هددت باستخدام القوة العسكرية فى انتهاك للمادة الثانية من الميثاق والمادة 4 من القانون التأسيسى للاتحاد الأفريقى، ومن ثم مسئولة عن أى تهديدات عسكرية مستمرة ضد إثيوبيا، وفقا للمواد 1، 40، 41، 42 من مشرع مواد لجنة القانون الدولى المتعلقة بمسئولية الدول فى عام 2001.
خبير فى القانون الدولى باسكتلندا: القوانين والاتفاقيات الدولية تجعل موقف مصر ضعيف للغاية فى رفضها إنشاء سد النهضة.. القاهرة انتهكت ميثاق الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى بتهديداتها العسكرية لأديس أبابا
الثلاثاء، 18 يونيو 2013 04:39 م