استهل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فعاليات دورته 23، والتى انتهت فى 14 يونيو الجارى، بالتركيز على سوريا على وجه الخصوص، وتحديدًا الأوضاع المتردية فى بلدة القصير، حيث عُقدت فى 29 مايو 2013، بناءً على طلب تقدمت به كل من قطر وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، جلسة نقاشية عاجلة حول الأوضاع فى سوريا.
جاءت هذه الجلسة فى أعقاب بيان المفوضة السامية لحقوق الإنسان، نافى بيلاى، الذى أعربت فيه عن قلقها إزاء التعزيزات العسكرية المكثفة حول بلدة القصير، حيث شددت بيلاى على فشل المجتمع الدولى فى التصدى للوضع المتدهور فى سوريا بما يتناسب مع خطورة الموقف، قائلةً: "إن الوضع فى سوريا يعكس الفشل الذريع فى حماية المدنيين، حيث يعانى الأطفال والنساء والرجال يومًا بعد يوم، من العنف الوحشى والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتى تقوم بها جميع الأطراف، ويضاعف من تأجج العنف الطائفى، تلك الأعداد المتزايدة من المقاتلين الأجانب الذين يعبرون الحدود السورية لدعم أحد الأطراف، إن الوضع يُنبئ بمؤشرات مقلقة للغاية، قد تزعزع استقرار المنطقة بأسرها".
كما أكدت بيلاى على الحاجة إلى إحالة الوضع فى سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية لمنع استمرار الانتهاكات، ووضع حد لثقافة الإفلات من العقاب التى يتمتع بها مرتكبو جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية فى سوريا.
وتعاون مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أثناء هذه الدورة مع الشبكة الأورو - متوسطية لحقوق الإنسان وعدد من المدافعين السوريين عن حقوق الإنسان، بغية جذب انتباه المجتمع الدولى لـ"معاناة الشعب السورى، وحث المجتمع الدولى على اتخاذ خطوات عاجلة لوقف الانتهاكات الجسيمة التى ترتكب ضد المدنيين فى البلاد، بما فى ذلك إحالة الوضع فى سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية".
وعلى الرغم من الدعوات العديدة لإحالة الوضع فى سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن القرار الذى أعقب الجلسة النقاشية العاجلة حول الأوضاع فى سوريا - والذى تم تمريره بموافقة 36 عضوا وامتناع 8 أعضاء عن التصويت، فشل فى دعوة مجلس الأمن الدولى لإحالة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة فى سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقال جيريمى سميث، من مكتب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بجنيف: "إن الوقت قد حان لأن يقوم مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بدعوة مجلس الأمن الدولى لإحالة الوضع فى سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، مثلما دعت إليه المفوضة السامية لحقوق الإنسان، إن عدم إحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية سيعزز حالة الإفلات من العقاب فى البلاد وسيشجع مرتكبى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على تكرارها".
كما تناول المجلس أيضًا خلال تلك الدورة حالة حقوق الإنسان فى فلسطين، لاسيما فى ظل استمرار التوسع الإسرائيلى فى بناء المستوطنات. كان المقرر الخاص المعنى بحالة حقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ 1967 قد أعرب، فى تقريره المقدم إلى المجلس، عن قلقه إزاء "التوسع الإسرائيلى المستمر والممنهج فى بناء المستوطنات"، والتى وصفها بأنها "تمثل تهديدًا أساسيًا لحق الفلسطينيين فى تقرير المصير"، مضيفًا أن "إسرائيل لا تزال تنتهك - مع إفلات تام من العقاب - القانون الإنسانى الدولى، فيما يخص التزامها.. بعدم نقل سكانها إلى الأراضى المحتلة".
وأدان كل من ممثلى الدول والمنظمات الحقوقية، بما فيها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، فى مداخلاتها أمام المجلس، استمرار إسرائيل فى رفض التعاون مع المقرر الخاص ومع المجلس نفسه معتبرين أن رفض إسرائيل الخضوع للاستعراض الدورى الشامل، هو محاولة منها لـ"تجنب النقد الصارم لانتهاكاتها للقانون الدولى".
وسلط مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الضوء فى الدورة الحالية للمجلس، على الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان فى مصر، والتى تعوق تحول مصر إلى دولة ديمقراطية ترتهن لسيادة القانون.
وتناول المركز كيفية استهداف السلطات المصرية للحقوق الأساسية للإنسان فى الوقت الراهن، بما فى ذلك حرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع السلمى، من خلال مشروعات قوانين قمعية، علاوة على الاستهداف المتزايد لحرية التعبير ووسائل الإعلام منذ وصول الرئيس محمد مرسى إلى السلطة، بالإضافة إلى عدم إجراء أى تحقيقات جدية فى حالات العنف، وغيرها من الانتهاكات ضد النساء والمدافعين عن حقوق الإنسان والأقليات والصحفيين، كما لم تُشر الحكومة لأى محاولات لوضع حد لمثل هذه الحوادث.
وأضاف المركز فى بيان له اليوم، أنه من المفارقات المحزنة أنه على الرغم من الانتقادات الحادة الموجهة للحكومة المصرية الحالية فيما يتعلق بسجلها فى مجال حقوق الإنسان، فقد قامت هذه الحكومة بالمشاركة فى رعاية القرار المتعلق بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان فى الدورة السابقة للمجلس، وفى دورته الحالية، تولت مصر مجددًا دور أحد الرعاة الرئيسيين للقرار المتعلق بدور حرية الرأى والتعبير فى تمكين المرأة، تقول باولا ضاهر، ممثلة مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة "لقد حان الوقت لتبدأ الحكومة المصرية فى تنفيذ المبادئ الكامنة وراء القرارات التى تدافع عنها دوليًا على أرضها، ومنها حماية حقوق الإنسان والمدافعين عنها، حرية التعبير، وتمكين المرأة الذى لن تتحقق فى ظل البيئة التى ترسخها الحكومة المصرية داخليًا.
وأضافت إن تهديد المجتمع المدنى المصرى، والهجوم على الصحفيين وغيرهم ممن يعبرون عن آرائهم بحرية، والسماح بأعمال العنف ضد المرأة والأقليات دون عقاب؛ يمثل معارضة صارخة من قبل سياسات الحكومة المصرية للالتزامات الدولية، التى تدعمها فى الوقت نفسه، على الساحة الدولية".
وعلى المستوى نفسه، أعربت عدة دول، منها الولايات المتحدة الأمريكية، والسويد، والاتحاد الأوروبى، وسويسرا، عن قلقها إزاء الوضع الراهن لحقوق الإنسان فى مصر، كما قدمت كل من ألمانيا والنرويج والولايات المتحدة الأمريكية بيانًا مشتركًا، أمام المجلس، أعربوا فيه عن "استيائهم البالغ إزاء الزيادة الحادة فى اتخاذ إجراءات قانونية ضد الأفراد بسبب تعبيرهم عن آرائهم ومعتقداتهم، وذلك خلال العامين الماضيين"، كما أشاروا إلى أن مثل هذه الأعمال "تتعارض مع التزامات مصر بحماية حرية الرأى والتعبير بموجب العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".
كما أعرب البيان عن تزايد المخاوف المتعلقة بالوضع الراهن للمجتمع المدنى فى مصر، حيث أدان حكم المحكمة الأخير الذى قضى بسجن 43 فردًا من العاملين الأجانب والمصريين بالمنظمات غير الحكومية بأنه "انطلق من دوافع سياسية"، و"يتناقض مع التزامات الحكومة المصرية باحترام وحماية الحق فى حرية تكوين الجمعيات، ودعم دور المجتمع المدنى فى مصر".
وأكد البيان على مخاوف الدول الثلاث حول الطبيعة القمعية لمشروع القانون المتعلق بالجمعيات الذى قدمته الرئاسة المصرية مؤخرًا،[14] قائلين: "إن مشروع قانون الجمعيات المقترح سيفرض سيطرة الحكومة، وقيودًا واسعة على أنشطة وتمويل الجمعيات الأهلية"، مشيرةً إلى أن تمرير هذا القانون من شأنه أن "يردع ممارسة حرية تكوين الجمعيات"، و"يحد من قدرة المصريين على تشكيل المجموعات المدنية ذات الدور الحيوى فى تنمية مصر ودعم التحول الديمقراطى".
ووفقًا لتصريح زياد عبد التواب، نائب مدير مركز القاهرة، فإن مصر "تشهد حاليًا لحظة حاسمة فى تاريخها، وعليه فينبغى إعطاء المجتمع المدنى حرية الاضطلاع بدور فعال فى دعم إنشاء دولة تحترم مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبرغم ردود أفعال الدول الأعضاء الإيجابية فيما يتعلق بالوضع فى مصر، فإن من المهم أن يواصل مجلس حقوق الإنسان رصد مدى وفاء الحكومة المصرية بالتزاماتها فى احترام حقوق الإنسان وتعزيزها بموجب القانون الدولى، بالإضافة إلى ذلك هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير مستقبلية أقوى تتناسب مع الاحتياجات الملحة للوضع على أرض الواقع".
"مركز القاهرة" يطالب الأمم المتحدة بحماية حقوق الإنسان فى مصر وسوريا
الإثنين، 17 يونيو 2013 08:06 م