المتطلع الآن إلى المشهد المصرى يراه "محلك سر" قد أصابه الجمود، حتى إن كثيرا من المحللين يظن أن أيا من الفريقين الذين يتصدرا المشهد السياسى الآن فى مصر لم يستطع أن يهزم الآخر بالضربة القاضية، وإن كل منهما يحاول جاهدا منهكا أن يفوز ولو بالنقاط حتى ولو بفارق ضئيل.
هذا التحليل وبهذه الطريقة يحتاج حتما إلى إعادة نظر لأن أحد الفريقين يراهن على بقاء الأمور على ما هى عليه الآن من جمود حتى إشعار آخر.. ويرون فى أى تحرك أو حلحلة للوضع الراهن خطر على مصالحهم ومن هنا كان كل هذا الغضب على حركة تمرد التى تريد حلحلة الجمود الراهن.. ومن هنا أيضا لابد لنا أن نقرأ المشهد بصورة مختلفة.
ولأننى قريب الصلة من الإخوان إلى وقت قريب، أحاول أن أقرأ المشهد من خلال معطياتى عن الإخوان.
فما زلت أذكر مقولة أحدهم تتردد بين مسامعى كما لو كنت أسمعها الآن، عندما كنا نتناقش فيما يخص أحد أعضاء الإخوان الذى يُثار حوله جدل، كان يردد لى: نحن لا نعول عليه ولكن نحن نريد أولاده.. هم الهدف.. هم المستقبل فهم يتربون وسط الإخوان ويشربون من منهجهم، ويتطبعون بطباعهم، أسرة جاهزة لم يُبذل أدنى جهد فى انضمامهم إلى الجماعة تنشأ وتكبر فى كنف الإخوان..
هذا الفكر الإخوانى الذى يعتمد بالأساس على عنصر الزمن نجده جليا فيما يحدث الآن فى مصر، بغية البقاء أكبر فترة ممكنة فى حكم مصر والانطلاق نحو تنفيذ مخططهم فيما يطلقون عليه "أستاذية العالم"، وذلك من خلال كسب الوقت لأخونة الدولة ووضع يدهم على مفاصل الدولة الرئيسية، والتخلص من الأجيال المعارضة المتعطشة للتغيير، والمستعدة لبذل أرواحهم من أجل مصر المدنية الديمقراطية، فبعد جيل أو اثنين وبالتحكم فى مفاصل الدولة سوف تهدأ هذه الأجيال ويقل حيلتهم ويصابوا باليأس وتعصف بهم الشيخوخة، بينما تصبح الأجيال القادمة أكثر تقبلا للفكر الإخوانى، فالناس على دين ملوكهم، لن يحتاج الإخوان إلى بذل المزيد من الجهد والمال فى أخونة الأجيال القادمة، ستتكيف الأجيال وسنجد النشء يغنى لهم وأفراد الجيش والشرطة وقد أطلقوا لحاهم يبذلون أرواحهم طيعة فداء لمصر الإخوانية.
وسوف ترتفع صور قادتهم فى ميادين مصر وعلى صدر صفحات جرائدها اليومية، ويمتدح الشعراء أعمالهم، ويدرس الطلاب مناهجهم، وتتعالى دعوات خطباء المساجد مشفوعة بالدموع لنصرتهم، سوف يمجد العلماء جلوس المرأة فى منزلها، وسيمنع الصراخ الإعلامى المعروف بالرأى والرأى الآخر، ولسوف تسير الحياة فى اتجاه واحد كالنهر المتدفق حتى ولو ارتطمت مياهه بصخور قاسية إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا..
الإخوان لا يراهنون إذن على جيل الثورة الحالى، بل هم يرون فيه ألد الخصوم، وإنما رهانهم على الأجيال القادمة من خلال كسب الوقت، والتحكم فى مفاصل الدولة وإقصاء هذا الجيل شيئا فشيئا، تارة بالتشويه وأخرى بإشغاله بقضايا مفتعله فى دهاليز القضاء، وترهيبهم من خلال الزج ببعض منهم خلف القضبان، وأشياء أخرى عديدة..
إن الفقر المدقع الذى يئن تحت وطأته قطاعا واسعا من المصريين والأمن الهارب من بين ثنايا مصر الآمنة والنزيف الاقتصادى وتراجع الاحتياطى كلها أمور ثانوية مقارنة بالهدف الأسمى وهو السيطرة على مفاصل الدولة والقضاء على المعارضة وفى القلب منها هذا الجيل الثورى..
من هنا كانت الضجة الكبرى حول مظاهرات 30 يونيو، بين فرقين أحدهما يريد بقاء الوضع جامدا ساكنا، ويراهن على كسب الوقت، وفريقا آخر ثائرا متطلعا إلى الحرية ومتعطشا لدولة مدنية حديثة يريد حلحلة هذا الوضع الجامد وعودة الثورة إلى مسارها الصحيح يسارع الزمن ويخشى نفاد الوقت.
فهل ينجح الإخوان فى الرهان، أم يستطيع جيل الثورة أن يعيد مصر إلى ما يعتقد أنه مسار الثورة الصحيح؟
