ومر عام على انتخاب أول رئيس مدنى منتخب فى تاريخ مصر الحديث، ومر عامان ونصف على قيام ثورة يناير 2011 ولكن أين نحن بعد كل هذه الفترة؟
لا يخفى على أحد حالة الانقسام التى أصبحت موجودة بين الفصائل المختلفة للشعب المصرى على اختلاف توجهاتها السياسية و العقائدية وحتى داخل البيت الواحد، لا يخفى على أحد أن الأمور لم تبدأ فى التحسن بعد على عكس أمنياتنا جميعا، ولا يخفى على أحد أيضا حالة فقدان الثقة بين اللاعبين الأساسين فى العملية السياسية فى مصر. يجب أن نعترف أن الرئيس المنتخب لم يكن هو الشخص المناسب لهذه المرحلة وأن جماعته أو حزبه أو مكتب الإرشاد أو أيا ما كان يدعمه يفتقدون جميعا للكفاءة والرؤية للعبور بنا خلال المرحلة الانتقالية التى أعقبت الثورة، يجب أن نعترف أيضا أننا سرنا - منذ تنحى مبارك - على الطريق الخاطئ سواء كان هذا بحسن نية وقلة خبرة سياسية من المجلس العسكرى أو كان بتخطيط سيئ النية من جانب الجماعة وهى التى أولاها الثقة المجلس العسكرى، ابتداء من استفتاء مارس الشهير وانتهاء بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتهاء من كتابة الدستور.
العام الرئاسى الأول يقترب من نهايته والكل يترقب يوم 30 يونيو. الغالبية متفقة على أن مرسى لم يؤد كما كان يجب أن يكون الأمر، وأنه اخلف بوعوده كثيرا خصوصا فى عدم اعتماده على الكفاءات واعتماده على من يتبعه ويضمن ولاؤه، خصوصا بقراراته المختلفة والتى تراجع عن بعضها أحيانا، والتى يصدرها من جانب واحد دونما أن يعمل بنصيحة أحد. هناك من يرى بضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة لوقف النزيف الوطنى الذى يحدث على كل الأصعدة سواء الأمنية أو الاقتصادية أو ملفات الأمن القومى التى تدار بعشوائية لا ترتقى لأهميتها، وهناك من يرى بضرورة أن يكمل مرسى مدته لأن هذه هى الشرعية و هذا هو حكم الصندوق رغم أنهم يقرون بفشل مرسى وحكومته. وهناك من ينتمى للإخوان أو يتعاطف معهم وهو لا يرى هذا أو ذاك، إنما يرى أن مرسى على الحق المبين وأن من يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة هم إما كارهون لمرسى و جماعته وإما علمانيون كارهون للمشروع الإسلامى وهكذا.
إذا لم نتعلم من أخطاء العامين الماضيين وإذا لم نتعلم مما يدور من حولنا فى بلاد المنطقة لن يغفر لنا التاريخ أبدا، ما يجب أن نتعلمه أننا يجب أن نقدم المصلحة العليا للوطن قبل المصالح الشخصية، والمصلحة العليا تقتضى أن يتنازل الجميع دونما عناد بغيض يصل أحيانا إلى حد التطرف فى الرأى. و السؤال هو هل فى ظل حالة العناد تلك و حالة انعدام الثقة بين جميع الأطراف و فى ظل وجود نفس الأشخاص، هل سنتفق ؟ لا أعتقد !!.
الحل قطعا - حتى لا يستمر النزيف أكثر من هذا - أن يرحل مرسى لأنه بأى حال من الأحوال لن يحدث استقرار بوجوده، ولكن يجب أن يتم رحيله بدون عنف كما هو متوقع وأن يبدأ هو بالتنازل من أجل المصلحة العليا وألا يستمر فى عناده معتبرا كل ما يحدث عبث، وأن يدرك أنه بعدم رحيله يفتح بابا للفتن. يجب على الجميع أن يتفق على الخطوات القادمة التى يجب أن تبدأ بتشكيل مجلس رئاسى مدنى لسنة أخرى قادمة – فى محاولة لتصحيح المسار- يتم فيها صياغة دستور جديد و إجراء انتخابات برلمانية ثم تكون الانتخابات الرئاسية، يصاحب هذا إجراءات اقتصادية صارمة وأمنية أكثر صرامة لإعادة الانضباط مرة أخرى وإعادة هيبة القانون، ولا يجب أن يعود الجيش مرة أخرى فيكفى ما حدث من قبل، فالجيش لديه ما هو أهم بكثير.
وفى ظل حالة انعدام الثقة بين جميع الأطراف وعدم اتفاق الغالبية على اسم معين ممن يمارسون السياسة هذه الأيام نظرا لحالة التشويه التى طالت الجميع فى حرب الاتهامات المتبادلة، فلا أجد أفضل من الدكتور أحمد زويل ليرأس هذا المجلس و معه الدكتور محمد البرادعى و الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح و فقط. لماذا هؤلاء الثلاثة ؟ الأول لازال يتمتع بإجماع الغالبية العظمى من المصريين وحبهم ولديه عقلية منظمة تستطيع أن تدير الفترة باقتدار مع الآخرين، والثانى لديه التجربة والعقل والرؤية والخيال الذى يفتقده الكثير ممن هم على الساحة ولديه العلاقات الدولية المهمة جدا خلال المرحلة، والثالث لديه من الثقافة الإسلامية العميقة والثقافة المصرية الضاربة فى الجذور ما يجعله قادرا على أن يبلور مزيجا بين هذه وتلك دونما تعارض يخشاه الكثيرون من محدودى الثقافة. أعلم أن هناك من سيتهم الدكتور زويل بالعمالة لأمريكا و أنه لا يفقه شىء سوى فى الفيمتو ثانية أو أن البرادعى علمانى ولا يعرف شيئا عن البلد، أو أن أبو الفتوح إخوان وتاريخه دموى، وأقول لهم جميعا، إذن أنتم لم تتعلموا من الفترة الماضية ولم تقرأوا الأحداث بعين البصيرة ولم تميزوا ومازلتم على جهلكم بكثير من الحقائق، إذن لا تلوموا إلا أنفسكم على عدم توحدكم، ولا تلوموا إلا أنفسكم على ما سوف يحدث من عنف من كل الأطراف إذا لم نتنازل جميعا لنختار حقا من هو مناسب لهذه المرحلة، إذا لم ندرك أنه قد حان الوقت لتصحيح المسار قبل أن ننحرف بلا عودة.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة