الحكم خدمة مدفوعة الأجر، والحاكم أجير لدى الشعب، وبالتالى يمكن اعتبار الحكم سلعة خدمية، ومثلها مثل كل السلع لها فترة ضمان محددة ومحددة، كما أن لها فترة صلاحية يصبح وجودها بعدها جريمة الإضرار بالصحة العامة وبالسلامة الإنسانية، لقد انتهت فترة الضمان التى منحها الثوار لحكم مصر، ولم يعد فى الإمكان الإصلاح والرتق والتلفيق، ثبت للجميع أن آلة الحكم الجديدة غير صالحة، بل إنها تتسبب فى ضرر سواء فى حركتها أو سكونها، آلة تتصور أنها يمكن أن تلتهم مستخدمها وأن تستعبده، مثلما حدث عند الإعلان الدستورى فى 22 نوفمبر الماضى، حين تصور الحاكم أنه يستطيع أن يحصن نفسه وقراراته ويقتحم حصن القضاء كى يدمره، أى أن يتحول إلى إله يقول للشىء كن فيكون.
شعب مصر صبور حمول، وكم صبر على الجبابرة والطغاة، واشتهر بأنه يمنح الحكم فترة ضمان طويلة امتدت أحيانًا إلى عشرات السنين، ولكنه بعد ثورة 25 يناير اتخذ قراراً استراتيجيًا بأنه لن يمنح أى حكم شيكًا على بياض، وأن فترة الضمان ترتبط ارتباطاً وثيقا بحسن الأداء، فإذا أخفقت الآلة وجب استبدالها على الفور، فلا ضمان إلا باحترام حرية هذا الشعب وصيانة تنوعه الذى هو مصدر قوته، وتحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية، تحمى كل إنسان على أرض مصر من ذل الفاقة وانكسار الحاجة، وتوفر له التعليم الجيد والتأمين الصحى، تنهى فترة الضمان على الفور حين يعجز الحكم عن حماية الأمن القومى، وحين لا يرتقى سلوكه الدولى بما يعكس دور ووزن وقيمة مصر.. باختصار لا ضمان لمن لم يفهم شعار الثورة: «ارفع راسك فوق.. أنت مصرى» ليس هذا فحسب، وإنما أصبح من الواضح أن فترة الصلاحية قد انتهت فعلاً، وأن استمرار التعامل مع الحكم يشبه التعامل مع بضاعة فاسدة، وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن تاريخ الصلاحية المنقوش قد انتهى حين تم انتهاك القسم، وأمكن قراءة التاريخ بشكل واضح حين تم الاعتداء على الأبرياء وتعذيبهم أمام الكاميرات وسحلهم أمام قصر الاتحادية، ومهما بذل السماسرة والحواة من ألاعيب لمحو التاريخ والكذب، فإن الشعب كله يرى الآن أن صلاحية هذا الحكم قد انتهت، ولا مجال للقبول باستمراره إلا إذا كان الشعب يتجه إلى انتحار قومى جماعى.
يقولون لك من باب التخويف إنه بعد ذلك لن يستقر على الحكم حاكم، وأقول لهم إن الشعب وقواه الفاعلة لن يخطئ فى الاختيار كل مرة، وإن ما ذاقوه خلال الأشهر الماضية قد علمهم كيف يختارون بضاعتهم، دون أن تخدعهم إعلانات الدعاية الكاذبة والوعود الجوفاء.. ثم، إذا حدث وجاء حكم مشابه، فإنه سيلقى نفس المصير، ولذلك فإن أى حكم قادم سيتعلم من رأس الذئب الطائرة، ويفهم أنه لن ينجح فى خداع أهل مصر الطيبين بالتخفى فى جلباب المتقين أو بارتداء عمامة الحكمة أو طرطور الحاكم بأمر الله.
يقولون لك، من باب التبرير، إن أنصار الحاكم الحالى سوف يخرجون على أى حاكم قادم، وذلك أمر ينافى المنطق، لأن أى حاكم قادم يحترم شروط العقد، ويفهم حقيقة كونه أجيراً لدى شعبه وليس متسلطاً على رقابهم سوف تحميه فترة ضمان كاملة.
يقولون لك، من باب الإرهاب، إن شوارع مصر سوف تغمرها الدماء، وينصحونك أن تكون جبانًا رعديداً، ولكنهم لا يعرفون شجاعة هذا الشعب، لم يقرأوا تاريخه، لم يشاهدوا الآلاف من شباب مصر وهم يقتحمون النيران والأهوال عبر قناة السويس كى يتسلقوا بشجاعة وحماس خط بارليف الرهيب.. ولقد رأيت ذلك بعينى، ولذلك أعرف ما أقول، وأقول بثقة: إننى أثق فى معدن هذا الشعب العظيم.
«30 يونيو» هو تاريخ انتهاء فترة الضمان، وتاريخ نهاية الصلاحية.. أرجو أن يفهم ذلك كل من يعنيه الأمر حتى لا يكرر أخطاء مبارك.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد الله
اللهم احفظ مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
صبحى صالح
ارفع راسك فوق..انت مصرى
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد الشيخ
الحكم خدعة