محمد جاد الله

فريضة بناء السلام المجتمعى "التائهة" (٣-٣)

السبت، 15 يونيو 2013 11:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد الانتهاء من وضع الطرف التركى الأصل من الجالية المسلمة بمدينة سالزبورج النمساوية فى مسئوليته، تجاه الأزمة مع أطقم المسعفين المتطوعين، والذين يعملون تحت مظلة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالمدينة، شرع فريق الوساطة فى إعداد ما يطلق عليه فى مجال بناء السلام المجتمعى "حزمة الحلول المتكاملة"، كى يتم تزويد إدارة الإسعاف بها، بهدف تطويق الأزمة، وتحويلها إلى نقلة نوعية بمعرفة الذات والآخر.

فبعد التحليل الدقيق لدليل العمل الخاص بأطقم المسعفين، وجدنا أن تصميمه يفتقر للمسات وأساليب تواصل تراعى الخصوصيات الثقافية والعقدية للجالية المسلمة هناك، فأضفنا قائمة بتلك الأساليب لبرنامج دليل العمل، توسع من إمكانات التواصل السليم، وفرص نجاحه مع المصابين، أو المرضى وذويهم، ومنها على سبيل المثال:

- تزويد المسعفين بالأحذية البلاستيكية الخاصة بغرفة العمليات، ليرتدوها فى ثوانٍ معدودة قبل دخولهم لمنازل الجالية التركية، لأن تقليد خلع الحذاء عند دخول المنزل سائد بصفة عامة فى الدول الأوروبية، لكن الاهتمام بمراعاتها يشتد عند دخول منازل الجالية ذات الأصل التركى لأنهم يقيموا صلاتهم فى أماكن متفرقة داخل بيوتهم، ومن ثم فأن المسألة ترتبط "بطهارة" أماكن السجود، وستُقابل من أهل المنزل بالتقدير كبادرة تفهم أيجابية.

- عند الحاجة لاتخاذ قرارات كنقل الحالة للمستشفى، فمن الأفضل دائماً أن يتخاطب المسعف مباشرة مع رب الأسرة أو الرجل المصاحب للمصابة أو المريضة بعد مرحلة الكشف، وهذا لا يمثل تجاهلاً للمصابة أو انتقاصاً من أهلية المرأة المسلمة، وإنما جرت الأعراف على تحمل الرجال المسؤولية عن القرارات فى تلك الظروف.

وللتدريب على قائمة مسهلات التواصل الجديدة، تم تفصيل برنامج ورش عمل لأطقم المسعفين، استطعنا من خلاله تطوير وعيهم بالفوارق الحدية بين الإسلام كديانة وأسلوب حياة، وبين الصبغات القومية والثقافية والمذهبية للشعوب المختلفة التى لا يجب الخلط بينها وبين الديانة من مصادرها الأساسية، وهى القرآن والسنة النبوية، وبين استغلال الدين بغية تحقيق أغراض سياسية أو اقتصادية.

لم تكن مهمة سهلة، فمعلومات سواد غير المسلمين هناك بصفة عامة عن الإسلام، تتسم بالإغراق فى صور نمطية متوارثة، رسخها الخلط بين العادات والمورثات والتقاليد وبين صحيح الدين، وتشارك الجاليات المسلمة فى الغرب بتصرفات وآداء أفرادها، بقدر لا بأس به من المسؤولية عن سوء التواصل، المؤدى إلى متواليات من سوء التفاهم فى أحيان كثيرة.

وبعد أشهر من المتابعة لتقارير عن أثر أدوات التواصل الإيجابية فى آداء أطقم المسعفين، تبين لنا أن الحالات المحدودة لرفض دخولهم، لآداء واجبهم تجاه امرأة مصابة فى بيوت المواطنين ذوى الأصول التركية، قد انخفض عددها، حتى أصبحت حالات نادرة، وباتت لا تشكل خطراً مستقبلياً على السلم المجتمعى فى مدينة سالزبورج وضواحيها.

قد عايشت خلال من تلك التجربة الثرية، وتجارب كثيرة أخرى امتدت لسنوات داخل المعمار الذهنى المعقد للاندماج المجتمعى فى دولة متقدمة كالنمسا، استقراراً للأوضاع القانونية والدستورية، ورسوخاً فى ممارسة حقوق وواجبات المواطنة، وتحضراً سائداً فى معالجة الخلافات داخل إطار من العدالة والديموقراطية، كضرورات لا بديل لها على طريق التقدم والرقى.

وعلى الرغم من ضبابية مستقبل المشهد السياسى فى مصر، وحالة الاستقطاب التاريخية التى نعيشها، فإن العمل الدائب على محاولة بناء سلام واندماج مجتمعى ولو بكلمة طيبة، أو قدوة حسنة، سيظل فريضة مجتمعية على كل منا، حتى وإن كانت فريضة "تائهة".. فلا أمل فى تقدم دون إنسانية فى التعامل.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

عفوا الشعب الاصيل نايم

ولايعلق الا مه الراعى الرسمى ايمن القصاص

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة