عندما تبدأ الثورات تستبشر الشعوب وتتفاءل بعصر جديد يحترم فيه الحريات، وتقدر فيه أصوات الشعوب وتنتهى البلطجة السياسية من ديكتاتورية الرأى الواحد الذى يحتفظ بالحق المطلق فى فعل ما يشاء دون رقيب أو حسيب.
ومن أبسط القواعد فى النظم الجديدة أن تحترم لعبة الديمقراطية وما تسفر عنه نتائج الصندوق، ولا مانع مع ذلك أن توجد الآراء المعارضة التى تنتقد بوعى وتكون ذات رؤية واضحة وحلول مقترحة لمشاكل الوطن التى قد يتعرض لها.
وبإسقاط ما سبق على التجربة المصرية نجد أننا أمام حالة من العبث الثورى، الذى ليس له هدف محدد سوى إفشال الدولة، يرفض الديمقراطية وحكم الصندوق ولوفعلها غيره لوجدنا الأحكام السريعة بأنهم فاشيين لا يرون سوى الرأى الواحد ويكفرون بالديمقراطية، أما رفض هؤلاء لنتائج الصندوق فهومن قبيل النضج والنخبوية التى يصعب على أمثال هذا الشعب فهمها، وهذا ليس من قبيل الحكام المطلقة التى ليس عليها دليل بل هناك الكثير يؤكده.
فقيام مليونيات، هكذا أطلقوا عليها، بلغت 22 مرة خلال سنة واحدة بمعدل مرة كل أسبوعين، افتقدت هذه "العشروميات" إلى كل من السلمية فتنتهى دائماً بالمولوتوف وتحطيم السيارات وحرق الممتلكات العامة والخاصة، كما إنها ليس ذات هدف واحد فتعددت أهداف الداعين لها والمشاركين فيها، وقد فشلت جميعها لافتقادها للشعبوية، وإن حاولوا فى كثير من المرات استعطاف الشعب بتضخيم حدث مثل حمادة المسحول، واللعب على وتر العاطفة والعدالة الاجتماعية..
كم تكلفت المليونيات؟ من دفع الفاتورة؟ وإذا جاز لنا أن نجرى عملية حسابية بسيطة بفرض تجميع 300 ألف فقط فى ميادين مصر مجتمعة فى كل مليونية وبتكلفة للفرد 400 جنيه تشمل إعاشة وتنقلات يوم واحد، نجد المبلغ نحو 2.6 مليار جنيه هذا بخلاف إصلاح ما تم حرقه من الممتلكات العامة والخاصة وما يتم دفعه للبلطجية وتكاليف الاعتصامات والمؤتمرات فى الفنادق ذات الخمس نجوم ليصل المبلغ إلى نحو 4 مليار جنيه. إنها أرقام مخيفة تتعدى ما تفاوضت عليه مصر لتحصل عليه من صندوق النقد الدولى، ويبقى السؤال الحائر من الذى يمول؟ وما هدفه؟.
يعتقد الكاتب أن من يؤجج هذه الأحداث ليس من أهدافه إسقاط النظام كما يدعى، فإنها غاية لا تدرك ولكن جل هدفهم تشتيت ذهن مؤسسة الرئاسة والحكومة، حتى لا يستطيعوا العمل بإستراتيجية سليمة، وتعكير الأجواء لنصل نتيجة هامة وهى فشل المشروع فى نهاية الأربع سنوات وهذا هو النجاح الحقيقى الذى يصبون إليه، وموضوع التهويل الإعلامى الذى يسبق كل (عشرومية)، والصمت الكامل بعد فشلها وكأن شيئاً لم يحدث يدلل على ذلك.
وفى ظل هذا العبث الثورى فليست مؤسسة الرئاسة بريئة بل تفرض عليها الأمانة التى تحملتها بإرادة شعبية أن يكون لها موقف حازم، فلا تقف موقف المتفرج وتترك المواطن ينتظر كل أسبوعين ليرى ماذا يحدث، فتونس على سبيل المثال وعلى الرغم من أنها لم تضع دستوراً حتى الآن ولديها رئيس مؤقت ولكنها ما زالت تعيش بحكم الطوارئ حتى يتم تثبيت أركان الدولة الوليدة، فليس من الحكمة أن تترك البلاد يتلاعب بها العابثون، وليس من المنطق الحديث عن دعوة جبهات الخراب لمؤتمرات وطنية تناقش فيها مصالح البلاد.
نحن أمام عدو حقيقى داخلى وليس خارجى يعبث بمقدرات البلاد وما حرق المحاصيل منا ببعيد، ويعمل على إسقاط هيبة الدولة بالهجوم على مؤسساتها مرة من خلال الاستهزاء والسب والشتم العلنى فى الإعلام، ومرة بالمولوتوف وطلقات الخرطوش، وإذا لم يتم الوقوف بحزم لمحاولة هدم الدولة فلا يلومن أحد إلا نفسه، ولا يكفى البناء، وهناك أيادى كثيرة تهدم، أرجوكم أوقفوا حالة العبث الثورى.
