وحيد عبدالمجيد يواصل فى الحلقة الثالثة كشف تفاصيل طبخة الدستور فى كتابه أزمة دستور 2 0 1 2.. نقطة التحول 24 سبتمبر.. عندما قرر الإخوان تقيد الحريات.. لم ننتبه إلى خطر سيطرتهم إلا بعد 3 أشهر

الخميس، 13 يونيو 2013 11:58 ص
وحيد عبدالمجيد يواصل فى الحلقة الثالثة كشف تفاصيل طبخة الدستور فى كتابه أزمة دستور 2 0 1 2..  نقطة التحول 24 سبتمبر.. عندما قرر الإخوان تقيد الحريات.. لم ننتبه إلى خطر سيطرتهم إلا بعد 3 أشهر الرئيس محمد مرسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذكرنا فى الحلقة الثانية من كتاب الدكتور وحيد عبدالمجيد «أزمة دستور 2012» ما كشفه عبدالمجيد من أن جماعة الإخوان المسلمين بدأت تحاول الإفلات من الالتزام بالتوافق حول القضايا الخلافية فى الدستور، بعكس ما كانوا اتفقوا عليه مع القوى المدنية، مما دفع عبدالمجيد لدعوة القوى الديمقراطية لاجتماع عاجل.

كما أكد عبدالمجيد فيما نشرناه أمس، اتفاق القوى الديمقراطية على رفض مادة «عدم إصدار تشريعات مخالفة للشريعة» التى طُرحت بديلاً عن مرجعية الأزهر التى سبق أن اعترضوا عليها، وأوضح عبدالمجيد أن مشيخة الأزهر رفضت أن تكون هى أو هيئة كبار العلماء مرجعية سواء نهائية أو أساسية لمراجعة القوانين، مؤكدًا أن هذا عزز موقف القوى المدنية الرافض للدولة الدينية فى الجمعية التأسيسية، كما ذكر عبدالمجيد أن الأزهر كان راغبًا فى وجود مادة تؤكد استقلاله وتحصّن شيخه ضد العزل.. كما بين عبدالمجيد فى حلقة أمس أن د. محمد البلتاجى فاجأ القوى الديمقراطية بوضع نص يجيز إنذار الصحف ووقفها بحكم قضائى مع استبعاد المادة التى تمنع توجيه الاتهام فى جرائم النشر بغير طريق الادعاء.
واليوم تنشر «اليوم السابع» الحلقة الثالثة من كتاب «أزمة دستور 2012.. توثيق وتحليل.. شهادة من داخل الجمعية التأسيسية» حيث يواصل د. وحيد عبدالمجيد كشف الكثير من خلفيات الأحداث التى شهدتها الجمعية فيقول:

تألم كل من يؤمنون بأن حرية الصحافة والإعلام هى الضمانة الرئيسية لحقوق مختلف فئات الشعب وحرياته ولمراقبة أداء السلطة وإلقاء الضوء على الانتهاكات والمخالفات والجرائم التى يسهل ارتكابها فى الظلام الذى يترتب على تقييد هذه الحرية، وهو ما عبر عنه الأستاذ صلاح عيسى فى مقالة «المصرى اليوم» فى 22 سبتمبر، بعد أن صدمته مسودة جديدة لباب الحقوق والحريات فوجئنا بها على الموقع الإلكترونى للجمعية التأسيسية فى 19 من الشهر نفسه دون أن نعرف عنها شيئا رغم أننا أعضاء فى هذه الجمعية، فقد تم حذف المادة 12 التى كانت تنص على عدم توقيع عقوبات سالبة فى جرائم النشر.

وما أن عرفتُ بوجود تلك المسودة فى حينها حتى قدمتُ مذكرة فورية إلى لجنة الصياغة يوم 17 سبتمبر من ثلاث نقاط. فقد أشرت أولاً إلى أن المسودة السابقة لباب الحقوق والحريات كانت أفضل، وخصوصاً فى المواد المتعلقة بحرية الصحافة والإعلام والتعبير، وعبرتُ- ثانيًا- عن بالغ الدهشة بسبب الإصرار على تعطيل الصحف وإلغائها بحكم قضائى، رغم أن هذه العقوبة لم تعد موجودة فى التشريع المصرى، وأنها عقوبة جماعية يؤدى تطبيقها إلى تشريد كل العاملين فى صحيفة، لأن واحداً فقط ارتكب خطأ، وأكدتُ - ثالثا - رفض استبعاد المادة 12 التى وردت فى المسودة السابقة وتضمنت النص على عدم توقيع عقوبات سالبة الحرية فى جرائم النشر، موضحا- مرة أخرى- عدم سلامة الزعم بأن فى هذا النص تمييزاً للصحفيين على غيرهم، لأنه ينطبق على كل من يعبرون عن آرائهم بمختلف وسائل العلانية.

والتقيتُ مساء اليوم التالى «18 سبتمبر» بعدد من الزملاء المعنيين بحرية الصحافة والإعلام والمناضلين من أجلها، وهم جمال فهمى، ويحيى قلاش، وخالد داوود، حيث أطلعتُهم على هذه التطورات السلبية وناشدتُهم التحرك من خلال نقابة الصحفيين ومختلف المنتديات التى يمكن أن تتبنى حملة لإنقاذ هذه الحرية من المقصلة التى كانت تُعد لها داخل الجمعية التأسيسية.

وهكذا أخذ الاتجاه إلى تقييد الحقوق والحريات فى الظهور بشكل أكثر وضوحًا فى ذلك الوقت الذى بدأ فيه ممثلو «الإخوان» فى الجمعية يرفعون الغطاء تدريجياً عن حقيقة موقفهم، بعد أن تركوا لبعض ممثلى السلفيين فى البداية التعبير عن هذا الموقف، كما بدأت العلامات الأولى لاتجاههم إلى الإسراع بإنهاء مشروع الدستور، بدون التوافق الذى تعهدوا به قبل أن تبدأ الجمعية عملها، فى الظهور على استحياء أولاً.

ولذلك كان اجتماع هيئة المكتب يوم 24 سبتمبر 2012 نقطة تحول من حيث إنه شهد بداية التعبير عن اتجاه «الإخوان» إلى فرض قيود على الحقوق والحريات بخلاف ما وعدوا به من قبل، وسعيهم إلى الإسراع بالانتهاء من المشروع، وهو ما أُطلق عليه إعلامياً بعد أسابيع قليلة على هذا الاجتماع «سلق» الدستور.

لقد بدأ هذا الاجتماع متوتراً بسبب الأجواء السلبية التى ترتبت على ما جرى فى الجلسة العامة السابقة عليه التى عُقدت فى 18 سبتمبر وتجميد ممثلى الكنائس مشاركتهم واتصالهم بشيخ الأزهر الذى كانوا قد ذهبوا للقائه فى صباح اليوم الذى عُقد فيه اجتماع هيئة المكتب المشار إليه، فضلا عن إعلان الزميلة منال الطيبى عضو الجمعية استقالتها فى اليوم نفسه.
فقد بدأتُ بإثارة موضوع إعلان مسودة جديدة لباب الحقوق والحريات، ومسودة أولى لباب الدولة والمجتمع، ووضعهما على الموقع الإلكترونى للجمعية بدون إبلاغ هيئة المكتب. وأوضح د. عمرو دراج الأمين العام للجمعية أنه تلقى المسودتين من لجنة الصياغة فأحالهما إلى د. محمد البلتاجى الذى كان قد «استولى» على الموقع الإلكترونى للجمعية لمجرد أن لجنة الاقتراحات والاتصالات المجتمعية التى تولى رئاستها كانت تتلقى مقترحات من المواطنين عبره. ولم ننتبه إلى خطر سيطرة «الإخوان» على الموقع الإلكترونى إلا فى ذلك الوقت وبعد أكثر من ثلاثة أشهر تعاملنا فيها بحسن نية وربما بسذاجة أيضاً.

وعندئذ احتد النقاش، وعبر د. أيمن نور عن غضبه وحدثت مشادة بينه وبين محمد البلتاجى تدخلتُ فيها موجهاً نقداً شديداً للأخير، وسعى رئيس الجمعية د. حسام الغريانى إلى تهدئة الأجواء التى كانت قد تعكرت ولم يعد ممكناً تنقيتها بعد أن أخذت النوايا الحقيقية لممثلى «الإخوان» فى الظهور.

وازداد النقاش حدة عندما عبر البلتاجى عن ضرورة الإسراع والبدء فى عرض المسودات التى توضع على الجلسات العامة للجمعية للانتهاء منها، متجاهلا التعهدات و«الأيمان المغَّلظة» التى قطعها «الإخوان» على أنفسهم مؤكدين التزامهم بتحقيق توافق على القضايا الخلافية قبل الوصول إلى هذه المرحلة.

ولأن ذلك الاجتماع كان كاشفاً لاتجاه «الإخوان» بشأن تقييد الحقوق والحريات أيضا، فقد وزع خلاله د. عمرو دراج صورا للمذكرة التى قدمها إلى لجنة الصياغة مقترحاً أحد أسوأ ما تضمنه مشروع الدستور فى صيغته النهائية بعد أكثر من شهرين على ذلك الاجتماع وهو إلغاء الضمانة الأساسية للمساواة بين المواطنين، وهى النص على عدم التمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة. فقد تضمنت مذكرته إلغاء هذه الأسباب الأربعة التى لم يخل منها أى دستور مصرى منذ عام 1923 بحيث يقتصر النص على: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة».

كما اقترح حذف جملة «وانتهاك حقوق النساء والأطفال» من المادة 29 فى مسودة الباب الخاص بالحقوق والحريات، وجملة «وتكفل للمرأة الرعاية الصحية والاجتماعية والاقتصادية وحق الإرث» من المادة 36 بدعوى «أن ذلك تخصيص لا معنى له». ومضى فى هذا الاتجاه بطريقة لا تخلو من استخفاف بعقل كل من يعرف أن النساء والأطفال فى حاجة إلى حماية خاصة متسائلاً: «فهل معنى هذا التخصيص أن انتهاك حقوق الرجال جائز؟». ثم أفصح عن النية الحقيقية عندما قال: «أرى أن هذه الجملة بالإضافة إلى عدم لزومها سوف تفتح أبواباً كثيرة لتدخلات خارجية من واقع اتفاقات دولية لا تتناسب مع طبيعة مجتمعاتنا».

فقد استخدم بعض ممثلى «الإخوان» والسلفيين مسألة المواثيق الدولية «فزَّاعة» لتبرير قلقهم من توفير الضمانات الطبيعية فى أى مجتمع لحقوق وحريات لا قيمة للنص عليها بدون هذه الضمانات التى تحميها. ففى غياب الضمانات اللازمة لحماية أى من الحقوق والحريات يسهل العصف بها بل مصادرة أصلها. وهذا هو أحد أسوأ ما يتضمنه الدستور الذى فُرض فى النهاية بدون توافق، بعد أن بدأت المؤشرات على نقض العهود بشأن هذا التوافق فى الظهور داخل الجمعية التأسيسية منذ أوائل سبتمبر 2012.

وفى الوقت الذى كان موقفى هو الاستعداد وحشد طاقات ممثلى القوى الديمقراطية أنصار الحرية داخل الجمعية وتعبئة القوى الحية فى المجتمع لمقاومة هذا الاتجاه، اتخذت الزميلة منال الطيبى خطوة انفرادية دون تشاور معنا وقدمت استقالتها فى 24 سبتمبر، وأعلنت أن ما يحدث إنما يخدم فئة محددة ترسخ مفهوم الدولة الدينية لتستحوذ على السلطة. ورغم أن بعض ما استندت عليه فى قرار استقالتها كنا قد تمكنَّا من التصدى له واستبعاده من المسودات المطروحة فى ذلك الوقت، مثل النص على السيادة لله بدلاً من السيادة للشعب وإنشاء مؤسسة للزكاة.

ذهبتُ إلى مشيخة الأزهر ضمن وفد ممثلى القوى الديمقراطية مع السيد عمرو موسى ود. أيمن نور وكاتب السطور، بالإضافة إلى المهندس أبوالعلا ماضى الذى كان يتصرف فى ذلك الوقت باعتباره ضمن هذه القوى. وحضر اللقاء مع الإمام الأكبر اثنان من ممثلى الأزهر فى الجمعية التأسيسية وهما الشيخ حسن الشافعى والمستشار محمد عبدالسلام. وكانت الأجواء إيجابية كما هى الحال عادة فى اللقاءات التى يعقدها شيخ الأزهر، خصوصاً عندما أكد إصراره على أن يكون الدستور توافقياً وأن الأزهر لن يشارك فى وضع مشروع لا يعبر عن توافق وطنى. ولكن هذا الكلام لم يتحول إلى موقف فى اللحظة الحاسمة عندما قرر «الإخوان» فى الجمعية فرض مشروع لا يمكن اعتباره توافقيا دون أن يتخذ ممثلو الأزهر فى الجمعية الموقف الذى يعبر عما أكده الإمام الأكبر بشأن ضرورة أن يحظى الدستور بتوافق وطنى.

وأعقب لقاءنا معه اجتماعه بممثلين لـ«الإخوان» والسلفيين معاً، الأمر الذى عبر عن واقع الحال فى تلك اللحظة. فكان «الإخوان» قد بدأوا فى خلع القناع الذى ارتدوه عشية بدء عمل الجمعية عندما تعهدوا بأن يكون الدستور توافقياً بلا مغالبة.

ويبدو أن بعض ممثلى «الإخوان» والسلفيين شعروا بحرج فى أن يسلكوا طريق المغالبة بشكل سافر بعد أن حثهم شيخ الأزهر على التوافق، فاستجابوا بسرعة لاقتراح بعقد لقاء معنا مساء اليوم نفسه «25 سبتمبر» عقب الجلسة العامة.

وحضرتُ هذا اللقاء ضمن ممثلى القوى الديمقراطية وهم السيد عمرو موسى ود. السيد البدوى ود. أيمن نور ود. منار الشوربجى وأحمد ماهر «منسق حركة 6 إبريل». وحضر من «الإخوان» د. فريد إسماعيل ود. محمد البلتاجى ود. أحمد دياب، ومن السلفيين الشيخ ياسر برهامى ود. يونس مخيون ود. طلعت مرزوق ومحمد سعد الأزهرى، ومن ممثلى الكنائس المستشاران منصف نجيب سليمان وإدوارد غالب ومن الأزهر الشيخ حسن الشافعى ود. محمد عبدالسلام.

ولم يحدث أى تقدم فى هذا اللقاء الذى تركز كله على قضية الشريعة الإسلامية، حيث أصر ممثلو السلفيين بمساندة مباشرة حينا وضمنية حينا آخر عن ممثلى «الإخوان» على ضرورة إيجاد صيغة ترضيهم فى مقابل إبقاء المادة الثانية «مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع». وتجدد الجدل حول الاقتراح الخاص بعدم جواز سن تشريعات تخالف الشريعة الإسلامية والحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور. ورغم أننا لم نقبل هذه الصيغة قبل شهر تقريبا فى الاجتماع «التوافقى» الوحيد الذى حدث حتى ذلك الوقت، وكان فى 28 أغسطس كما أسلفنا، فقد أُعيد طرحه.

ولذلك بدا النقاش بلا جدوى، وخصوصا عندما اعترض الشيخ برهامى على الربط بين الشريعة الإسلامية والحقوق والحريات، وطالب بأن يكون النص على عدم جواز سن تشريعات تخالف الشريعة دون غيرها، أو على الأكثر الحقوق والحريات التى لا تخالف هذه الشريعة كما يراها هو بطبيعة الحال.

غير أن النقاش حول أن يكون للأزهر دور فى تفسير الشريعة الإسلامية بدا أكثر جدوى نسبيا، رغم عدم التوصل إلى صيغة يمكن أن تزيل مخاوفنا من تحويل هذه المؤسسة العريقة إلى مرجع أعلى أو مجلس لتشخيص مصلحة النظام، ولكن على الطريقة السنية.

وربما كانت الإيجابية الوحيدة فى ذلك اللقاء هى أنه ثبَّت استبعاد النص على إنشاء مؤسسة للزكاة، وأكد إضافة نص بشأن احتكام غير المسلمين إلى مبادئ شرائعهم فى أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية، ولكن فى المقابل لم يتم التوصل إلى صيغة نهائية بشأن دور الأزهر فى تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية، فى الوقت الذى تهرب فيه ممثلو «الإخوان» والسلفيين من مناقشة أى من قضايا الحقوق والحريات التى وضعناها على جدول أعمال التوافق، وطرحنا منها فى ذلك اللقاء قضية العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر وتعطيل وإغلاق الصحف، إلى جانب الاتجار بالبشر.

وقد حرصتُ من جانبى على التنبيه فى نهاية اللقاء إلى أن الوضع بات ينذر بالخطر، خصوصا فى ظل اتجاه إدارة الجمعية ممثلة فى رئيسها وأمينها العام ومن ورائهما «الإخوان» إلى «حرق المراحل» فى عملية صنع مشروع الدستور فى الوقت الذى لم يتحقق فيه تقدم باتجاه التوافق الذى سبق أن التزموا به.

وكان قلقنا من طريقة إدارة الجمعية يزداد فى تلك الفترة مع ظهور مؤشرات تفيد بارتباط رئيسها بتيار «الإخوان»، خصوصا بعد تعيينه رئيساً للمجلس القومى لحقوق الإنسان، الذى أُعيد تشكيله حينئذ بطريقة جعلته رديفا لهم.

ولذلك اتفقتُ مع السيد عمرو موسى ود. السيد البدوى قبيل نهاية ذلك اللقاء على عقد اجتماع يقتصر على ممثلى القوى الديمقراطية بعد يومين «فى 27 سبتمبر» فى مقر حزب الوفد.

فقد غادر كلاهما اللقاء قبيل نهايته، ومعهما د. أيمن نور، لعقد اجتماع مع قادة بعض القوى الديمقراطية التى رفضت تشكيل الجمعية التأسيسية فى منزل د. أحمد البرعى أمين عام حزب الدستور بحضور د. محمد البرادعى والسيد حمدين صباحى ود. على السلمى ود. زياد بهاء الدين ود. أحمد سعيد والسيد عبدالغفار شكر والأستاذة منى ذو الفقار، وكانت الدعوة إلى انسحابنا من الجمعية قد أخذت فى التصاعد فى ذلك الوقت.

واستضاف حزب الوفد بعد ظهر 27 سبتمبر اللقاء الذى كنتُ قد اتفقتُ عليه مع موسى والبدوى، وحضره د. أيمن نور وفؤاد بدراوى ود. منار الشوربجى، وشارك فيه عصام سلطان نيابة عن المهندس أبو العلا ماضى الذى بدأ فى ذلك الوقت يفك ارتباطه بالقوى الديمقراطية فى الجمعية ويلتحق بـ«الإخوان» تدريجيا، وعرضنا فى ذلك اللقاء القضايا الخلافية الأساسية التى قُمتُ بعمل حصر لها، واتفقنا على أن استمرارنا فى الجمعية مرهون بالتوافق على هذه القضايا، وفى مقدمتها الحقوق والحريات سواء السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية.

واتفقنا فى نهاية اللقاء على عقد اجتماع مع «الإخوان» والسلفيين يتم ترتيبه خلال اليومين التاليين، على أن نعود للاجتماع مرة أخرى لإعادة تقييم الموقف، فقد كان الموقف عصيبا بالفعل إلى حد أن السيد عمرو موسى أعلن وللمرة الأولى من جانبه أثناء خروجه من مقر حزب الوفد أن «الخلافات داخل الجمعية التأسيسية تهددها بالانفجار»، وجاء هذا التصريح بعد عشرة أيام ساخنة للغاية بدأت بالمقابلة التى أجرتها «صحيفة الشروق» معى، وأعلنتُ فيها أننا يمكن أن ننسحب من الجمعية، إذا أصر المتشددون فيها على مواقفهم.

ونظرا لحاجتنا إلى مساندة القوى الديمقراطية التى رفضت المشاركة فى الجمعية أو لم يُطرح عليها التمثيل فيها نتيجة عدم التوفيق الذى حدث فى اختيار بعض الأعضاء المعبرين عن هذه القوى، كان ضروريا تنظيم عملية التواصل معها، ولذلك اتفقتُ مع الصديقين أحمد فوزى ومجدى عبدالحميد القياديين فى الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى والناشطين الحقوقيين فى الوقت نفسه على عقد لقاءات دورية مع اللجنة التى كانت قد شُكلت فى ذلك الوقت تحت اسم لجنة المشاركة الشعبية فى الدستور.

وتكونت تلك اللجنة من عدد من منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية، وقامت بعقد لقاءات مع ممثلى فئات عدة فى المجتمع لوضع تصور لدستور يعبر عن المصريين بمختلف أطيافهم، ومن هذه المنظمات الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومركز وسائل الاتصال من أجل التنمية ومؤسسة المرأة الجديدة ومركز قضايا المرأة ومؤسسة التنمية البديلة والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومؤسسة الحياة الأفضل للتنمية الشاملة والجمعية المصرية لدعم الدولة المدنية وائتلاف حقوق الطفل والمنظمة العربية للإصلاح الجنائى ومركز هشام مبارك للقانون. كما شارك فى أعمالها ممثلون لعدد من الأحزاب الديمقراطية مثل الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى وحزب الدستور وحزب التحالف الشعبى الاشتراكى والحزب الشيوعى المصرى وحزب مصر الحرية.

وقد عقدتُ أول لقاء مع ممثلى تلك اللجنة عصر يوم 26 سبتمبر فى مقر حزب مصر الحرية، وتلته ثلاثة اجتماعات أخرى يوم 1 أكتوبر فى مقر المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ويوم 8 أكتوبر فى مقر منظمة الدفاع عن السجناء، ثم يوم 14 من الشهر نفسه فى مقر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.

ولم نتصور فى ذلك الوقت أن نهم «الإخوان» إلى السلطة يمكن أن يدفعهم إلى استخدام الدستور الذى كانت عملية إعداد مشروعه جارية كأداة من أدوات التمكن من هذه السلطة. فقد تركوا بعض ممثلى السلفيين فى الجمعية يستنزفون جهودنا عبر اقتراحات لا علاقة لمعظمها بأى نص دستورى على النحو الذى سبق توضيحه لتغطية هدفهم الحقيقى وهو تقليص الحقوق والحريات العامة والعصف ببعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ووضع صيغة لنظام الحكم تعبر عن مصلحتهم فى أن يظل رئيس الجمهورية هو محور هذا النظام، بخلاف ما كانت عليه الحال عندما وضعوا برنامج حزبهم «الحرية والعدالة» الذى نص على إقامة نظام برلمانى.

غير أن هذا التكتيك «الإخوانى» لم يكن واضحا تماما - رغم أن مؤشرات عليه كانت قد بدأت فى الظهور - عندما تعلقنا بآخر أمل عبر التفاهم على استئناف الاجتماعات التى سبق الاتفاق على عقدها سعيا إلى التوافق على القضايا الأساسية المختلف عليها والمواد المتعلقة بها.





أزمة دستور 2012.. أخطر أسرار الجمعية التأسيسية يرويها الدكتور وحيد عبد المجيد.. التخبط الذى حدث منذ إعلان تعطيل العمل بدستور 1971 وتشكيل لجنة لتعديل بضع مواد يوم 13 فبراير 2011 حال دون تحقق الحلم

د. وحيد عبد المجيد يواصل فى الجزء الثانى كشف تفاصيل "طبخة الدستور" فى كتابه "أزمة دستور 2012".. أسرار محاولات الإخوان للإفلات من الالتزام بالتوافق داخل "التأسيسية"





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة