هذه الحكاية عايشت بداية أحداثها فى نهاية التسعينيات ومن عجائب القدر أنى كتبت عنها ونشرتها فى نفس التوقيت متصورة أنها حكاية وانتهت ولكنى اكتشفت أنها لم تنته بعد، فها أنا ألتقى ببطلتها لأواصل الحكاية ومعرفتى بها وبتفاصيل ما فاتنى من أحداث و لم يخيل لى إلا أن تكون حكاية من حكايات السيما، ولكن من قال إن الحياة أقل إثارة من فيلم سيما على العكس فكل إثارة السيما حتى بأفلامها الهندية أو الأمريكية لا تستطيع أن تنافس إثارة الحياة الحقيقية ولكى تتأكد أيها القارئ العزيز اقرأ تفاصيل تلك الحكاية لتعرف أنك مهما عشت ومهما رأيت فهناك ما هو أكثر.
عرفت "سيدة" فى النصف الأول من التسعينيات.. امرأة تعمل فى البيوت لمساعدة السيدات العاملات ولتساعد نفسها أيضاً، وكانت تلك حكايتها "تقول بطاقتها أن ميلادها جاء سنة العدوان الثلاثى على مصر ولكن ملامحها من ذلك النوع الذى لا تستطيع أن تقدر له عمرا كثيرا كان أو قليلا.
فبعد موت أب لم تعرفه وأم احتضنتها لسنوات قليلة ثم لحقت بالأب كبرت سيدة بين أخوتها الرجال الذين لم يكونوا يكبرونها كثيرا، فكبر الإخوة الرجال وتزوجوا فلم يعد للأخت مكان بين الزوجات فقررت أن تهجر قريتها الصغيرة للمدينة الواسعة متصورة أنها ستكون أكثر حناناً عليها من إخوانها وزوجاتهم.
وفى أحد الضواحى الهامشية فى المدينة وببعض من مدخراتها، وجدت حجرة سكنتها، وخلال جولاتها اليومية للبحث عن عمل تعرفت على شاب يقرب من عمرها أو يزيد قليلا، وزاد التعارف فصار صداقة ثم حباً لأول رجل تعرفه، كان حديثه لها أجمل من أغانى حسن الأسمر وأعذب حتى من صوت حليم.
لم يكن بينهما حوار ولكنه كان صوت واحد صوته يتحدث وهى تسمع، حدثها عن الدين والحب والسياسة والحزب الوطنى وحكى لها عن أفغانستان واغتيال السادات، حاولت سيدة أن تفهم كل ما كان يقول فلم تفلح، فحاولت فهم بعض ما كان يقول فلما لم تفلح قررت أن تسمع وتسمع فقط وتوافق على ما يقول، طلب منها أن ترتدى الحجاب فوافقت، وحين قرر أن يتزوجها كان يوم دخولها الجنة فأخيراً ابتسمت لها الأيام وأصبح لأسمها معنى ولأنوثتها قيمة، وجمعتهما غرفتها زوجا وزوجة، ورسمت "سيدة" صوراً لأيامها القادمة التى لم ترها أبدا، فبعد أيام قليلة من العسل اختفى الرجل واختفت معه قسيمة الزواج ومال قليل كانت جمعته من عملها وبعض مصاغ كان لأمها ونجا من براثن زوجات الإخوة.
بحثت عنه فى كل مكان فلم تجده، أشار عليها جيرانها أن تذهب لأهله فتذكرت فقط فى تلك اللحظة أنها لم تعرف له أهل، فأشار عليها أولاد الحلال أن تذهب لتقدم بلاغاً فى قسم الشرطة للبحث عنه فلم تجد له صورة ولا اسم ثلاثى تكتبه فى محضر الغياب، دارت ولفت حتى تعبت ولكنها لم ترد أبداً أن تصدق أنه سرقها وهرب مهما حاولت السيدات اللاتى تعمل لديهن أن يقنعونها بذلك حين عادت لتساعد فى خدمة البيوت.
وأمام أحد الشرفات وقفت سيدة تقطع جريدة لتنظف بها الزجاج فى بيت من عدة بيوت تخدم بها، وفجأة بدأت تصرخ وظلت تصرخ حتى أتت سيدة المنزل فزعة تسألها عما حدث فطلبت منها "سيدة" أن تقرأ لها الكلمات المكتوبة تحت صورة شخص تشير له، فكان العنوان"الإرهابى المشترك فى حادثة ميدان التحرير....هارب".
هذه هى الحكاية التى نشرتها عام 1999 فهكذا كانت نهايتها بالنسبة لى أو هكذا ظننتها ولكن كما سبق وقلت لكم أن القدر يخط بقية حكاياتنا حسب يده لا حسب تصوراتنا، فها هى البقية.
فى يوم من العام الماضى فى أحد المظاهرات المعارضة لمرسى وللإخوان خرجت كغيرى من الآلاف والملايين الذين يخافون من سرقة الوطن التى تتم جهارًا نهارًا، وبينما أنا أتحرك مع غيرى غمرنا الدخان والطوب الذى تلقيه علينا قوات مرسى وعشيرته فبدأنا نجرى متفرقين هنا وهناك، فإذا بى أجد نفسى فى مواجهة سيدة منتقبة تجرى إلى جوارى وللحق ومن فرط الاستقطاب وعدم اليقين من شىء نظرت إليها بريبة وخوف فقد تكون من الطرف المعتدى علينا وخصومة نساء هذه الجماعات فيها عنف يتساوى بل قد يزيد عن عنف رجالهم فبدأت أجرى بعيدا عنها غير أنها نطقت باسمى وجذبتنى من يدى لتغطى وجهى بجزء من خمارها الذى كشفت به عن وجهها حتى أتعرف عليه ولا أخافها، فكانت المفاجأة أنها "سيدة" صاحبة الحكاية التى ظننتها انتهت.
وكان السؤال منذ متى تعرف سيدة المعارضة وتخرج فى مظاهرات وهى المرأة البسيطة المخدوعة وما حكاية النقاب مئات من الأسئلة أمطرتها بها ونحن نحاول الاختباء سويا من الدخان والطوب ولكن تلك حكاية أخرى طويلة.
البقية الأسبوع القادم
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة