أتت برفقة والدها ووالدتها التى لم تُطق فراقهما وهى الطفلة التى لم تتجاوز السنة الثامنة بعد أن عجز عن معالجتها ومُساعدتها فى التماثل للشفاء معالجى القرية الشعبيين وكذا مشعوذيها فلجأ للمدينة طالباً ما افتقده فى قريتهِ.
لم تكن المدينة أوفر حظاً من القرية التى أتيا منها، فقد طاف بجميع مشافيها تقريباً ولكن دون جدوى ودون فائدةٍ تـُُـرجى.. وحال الطفلةُ فى تدهورٍ مستمر.
لم يعد أمامه سوى العاصمة، فهى آخرُ آماله فى شفاءِ فلذة كبدهِ ونجاتها من الموت.
جاء للمدينة... قرع أبواب مشافيها التى لم تكن أفضلُ حالاً من مدينتهِ التى أتى منها، حيثُ كان كلُ طبيبٍ ينفى ما شخصهُ الأطباء من قبلهِ وبالتالى يطلب أشعاتٍ وتحاليل جديدة على رغم وجودها و حداثتها، وحال الرجل كحال ابنته فى تدهورٍ وتراجع واضحين.... باع كل ما يمتلكه من أرضٍ فى سبيلِ العلاجِ الذى كان صعب المنال.
نصحهُ الكثير من الناس بالذهاب إلى طبيبٍ معروف، دلوهُ على مكانه فطرق بابه وقد بدأ اليأس يتسرب إلى قلبه، ولكنهُ كالمُشرف على الغرق الذى يبحثُ عن قشةٍ للنجاة.
ألقى الطبيب نظرةً متفحصةً على نتائج التحاليل والأشعة بعد أن فحص الطفلة التى أصبحت على حافة القبر، قطب جبينه... ظهرت ملامحُ القلق على وجهه.
ما الأمر؟! هل ستعيش؟! أسئلةٌ كثيرةٌ كانت تبحث عن إجاباتٍ تجول فى ذهن والد الطفلة... أما الأم فما زال هناك بصيصٌ من الأمل لديها وشعرةٌ لا ترجوا انقطاعها... فى حين أن الأب كان قد وصل لمرحلة اليأس وفقد الأمل تماماًَ!.
لهفة الطبيب أعادت إليه بصيص الأمل المفقود عندما صاح جهزوا غرفة العمليات بسرعة.
و ما هى إلا لحظاتٍ حتى أصبحت جاهزةً، اتجه الطبيب إليها بخطواتٍ متسارعةٍ ووالدى الطفلةِ خلفهُ يحاولان الاطمئنان، وقف الطبيبُ عند باب الغرفةِ وتوجه إلى والدى الطفلةِ قائلاً:- تأخرتم كثيراً ولو أنكم تأخرتم يوماً آخر لكانت الطفلةُ فى عداد الموتى، كان من المفترض نقلها إلى الخارج، لكن لم يعد هناك وقت لذلك فحالتها تستدعى إجراء العملية فوراً... ودخل الطبيبُ غرفة العمليات ووالدى الطفلة وراء الباب بين جيئةٍ وذهاب، لم تكد تمر نصف ساعةٍ حتى ذهب والد الطفلةِ إلى إحدى الممرضات سائلاًًَ إياها:- كم تستغرق العملية وقتاً؟!
- ستستغرق وقتاً طويلاً يصلُ إلى أربع ساعات، فهى عمليةٌ معقدة.
- هل سبق لكم إجراءها بالمستشفى؟!.
- نعم من وقتٍ لآخر. لكن هذه أول مرةٍ نجريها لطفلة... على كل حال فالدكتور أحمد مُتخصص فى مثل هذا النوعِ من العمليات ويُعدُ من كبار الجراحين فى العالم ولا داعى للقلق أبداً.
فى ذلك الوقت كان الدكتور قد فتحَ مكاناً ووصـــل إلى القلب وبدأ بإجــــراء العمليةِ و....... ماذا حدث؟!.
انطفأت الكهرباء فجأةً، وتبعاً لذلك فقد انطفأت جميعُ الأجهزة بغرفةِ العمليات.
ارتبك الدكتور، توتر.. صاح شغلوا المولدات الاحتياطية بسرعة، خرجت إحدى الممرضات من غرفة العمليات مسرعةً ثم عادت.. المولد الاحتياطى مُعطل يا دكتور.
- كيف ذلك ؟! أين مدير المستشفى؟!. تصرفوا بسرعة... هيا..
فى تلك اللحظات كانت الطفلة تلفظُ آخر أنفاسها... وانتقلت إلى بارئها تشكو القسوة والإهمال.
خرج الطبيبُ والدمعُ يكاد يُغرقُ عينيه.. فكان أبلغُ من أى كلام... فهم والد الطفلة الأمر فاحتضن زوجته وبكى بحرقةٍِ والأم تحاول الفكاك منهُ لتسأل عن حال طفلتها التى لم تتوقع أن تفقدها بهذه السهولة بعد انتظار خمسة عشر عاماً ولم تنجب سواها... التقت عيناها بعينى الطبيب المغرورقةُ بالدموع وسألت:- ابنتى.. أين هي؟!
ليجيبها الدكتور بألمٍ وحسرةٍ:- احتسبيها عند الله..
وقع الخبرُ كالصاعقة عليها.... فكان سبباً لتعرضها لذبحةٍ صدريةٍ أُدخلت على إثرها العناية المركزة التى لم تكن مركزةً بل كانت كأى غرفةٍ عاديه فجميع أجهزتها الطبية تنتظرُ الكهرباء...
ولحقت الأم بطفلتها البريئة ودموعها لم تـُبارح عينيها بعد.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة