ألقى رجل دين، فى قريته اليمنية الصغيرة، خطبة عن شرور تنظيم القاعدة، وحث السكان على أن يبتعدوا عن مقاتلى الجماعة ونهجها المتشدد، وأثارت الخطبة قلق السكان الذين خشوا من أن يؤدى هذا إلى ثأر من المتشددين بل إن والد الخطيب طلب منه أن يكف، لكن فى النهاية لم تكن القاعدة هى من قتل الشيخ "سالم أحمد بن على جابر".
واتصل به بالفعل مقاتلون من القاعدة الذين يختبئون فى معاقلهم الجبلية بالقرب من قرية "خشامر" النائية فى شرق اليمن، وطلبوا مقابلته ذات ليلة لتخويفه فيما يبدو ليتوقف عن إلقاء الخطب المناهضة لهم.
وقال "فيصل بن على بن جابر"، شقيق زوجة رجل الدين، الذى حكى القصة لـ"الأسوشيتدبرس": إن الشيخ "سالم" لم يجد مفرا من مقابلتهم لكن شرطيا من ذويه أصر على اصطحابه على سبيل الحماية.
وقال فيصل: "بمجرد وصولنا إلى السيارة التى كان فيها أفراد القاعدة أصابها أربعة صواريخ".
وفى المنزل فى القرية سمع "فيصل" الانفجارات وسمع الطائرة الأمريكية غير المأهولة التى أصابت السيارة، وقال فيصل"نعرف أزيز الطائرات التى بلا طيار".
وأكد مسئولو أمن يمنيون، مقتل ثلاثة مسلحين بالإضافة إلى الشيخ وأحد ذويه الذى رافقه فى الهجوم فى أغسطس الماضى، وأن الهجوم نفذته طائرة أمريكية بغير طيار.
وعززت الولايات المتحدة فى قتالها المستتر ضد القاعدة فى اليمن استخدامها لضربات الطائرات غير المأهولة العام الماضى محققة نجاحا كبيرا ضد أحد أنشط أفرع الشبكة الإرهابية.
ومع رصد أكثر من "40" ضربة عام "2012"، وتسجيل تسع ضربات العام الجارى، أصبح اليمن ثانى أكبر جبهة قتال بالطائرات الأمريكية غير المأهولة بعد باكستان لكن التصعيد يعنى وقوع المزيد من القتلى المدنيين.
ويذكى سقوط قتلى بين المدنيين الاستياء على المستوى المحلى، ويقوض أحيانا الجهود الأمريكية فى تحفيز الجماهير ضد المسلحين، ورغم أن رد الفعل ليس بنفس حجمه فى باكستان التى تواجه فيها الحكومة ضغوطا لوضع قيود على استخدام ضربات الطائرات التى بلا طيار لكن الدعوة لوقف هذه الضربات فى اليمن بدأت تظهر بالفعل.
واحتج عشرات النشطاء، يوم الاثنين الماضى، بالقرب من السفارة الأمريكية فى صنعاء، لاستنكار هجمات الطائرات، وكتب النشطاء فى رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكى "باراك أوباما": "برنامج الطائرات التى بلا طيار ترهب شعبنا، لا يعرف المرء أبدا المكان الذى ستقع فيه الضربة التالية ولا عدد الضحايا الأبرياء الذين سيلقون حتفهم".
وفى جلسة استماع فى اللجنة القضائية التابعة لمجلس الشيوخ فى واشنطن الأسبوع الماضى على برنامج الطائرات التى بلا طيار، قال "فارع المسلمى"، الذى أصابت قريته الطائرات الأمريكية قبل أيام، لأعضاء مجلس الشيوخ: إن الطائرات غير المأهولة تضر بجهود الفوز، قائلا إن الطائرات"هى الآن وجه أمريكا أمام كثير من اليمنيين".
وقال"ما فشل المسلحون الذين يستخدمون العنف من قبل فى تحقيقه، أنجزته ضربة واحدة لطائرة بلا طيار على الفور".
وقال "فيصل بن جابر" إن الضربة فاقمت الخوف فى "خشامر".
وأضاف، أن الشيخ "سالم" تحدث فى خطبته "عن جريمة قتل الناس، وخطأ وصف الناس الذين يتعاملون مع الغرب بأنهم كفار".
بينما تعترف الولايات المتحدة ببرنامجها للطائرات غير المأهولة فى اليمن لكنها لا تؤكد الضربات المفردة ولا تنشر معلومات عن عدد ما تنفذه منها، وتجمع ثلاث جماعات بارزة بيانات عن الضربات، معتمدة أساسا على تقارير الأنباء ومنها تقارير "الأسوشيتدبرس" استنادا على تقارير من مسئولى أمن يمنيين، والجماعات الثلاث هى مكتب صحافة التحقيقات الذى يتخذ من لندن مقرا، وموقع "لونغ وور جورنال" للأنباء على الإنترنت ومؤسسة "نيو أمريكا" وهما يتخذان من الولايات المتحدة مقرا لهما.
وتتفاوت تقديراتها لعدد الضربات الأمريكية من "44" و"67" ضربة منذ عام "2002"، معظمها بطائرات دون طيار، وأصبح جمع البيانات الدقيقة أكثر صعوبة لأنه حتى وقت قريب كان الجيش اليمنى يعلن مسئوليته عن كثير من الضربات التى نفذتها الولايات المتحدة.
ورصدت الجماعات الثلاث جميعها تصعيدا كبيرا العام الماضى، وسجل "لونغ وور جورنال" 42 ضربة عام 2012 مرتفعة من عشر ضربات عام 2011، وسجلت "الأسوشيتدبرس" تسع ضربات حتى الآن فى عام 2013.
وجاء فى إحصائية "لونغ وور جورنال" أنه بالمقارنة، نفذت الولايات المتحدة أكثر من "330" ضربة فى باكستان منذ عام 2004، رغم أن المعدل انخفض هناك من الذروة التى وصلت "117" ضربة فى عام 2010 إلى "46" فى عام 2012.
بل أن تحديد الوفيات من المدنيين أكثر صعوبة، ويقول "لونغ وور جورنال" إنه تأكد مقتل 35 مدنيا و193 مسلحا فى ضربات أمريكية عام 2012 مرتفعة من ستة مدنيين و10 مسلحين فى عام 2011. وجاء فى الإحصاء أن 31 مسلحا قتلوا هذا العام. ورصدت "الأسوشيتدبرس" مقتل 33 مسلحا هذا العام ولم يتأكد مقتل مدنيين.
وقال "جون برينين"، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية (سى. أى. إيه)، إن الضربات لا يتم اللجوء إليها إلا كملاذ أخير ضد الذين يشتبه فى أنهم يدبرون هجمات ضد الولايات المتحدة.
وقال فى كلمة أمام مجلس العلاقات الخارجية التابع للكونغرس"باختصار الضربات استهدافت أبرز وأكثر إرهابى القاعدة فى جزيرة العرب خطورة، أنها جزء من الحل".
وفرع القاعدة فى اليمن تورط فى التدبير لعدد من الهجمات على أهداف أمريكية منها تفجير تم إحباطه فى الكريسماس عام 2009، لطائرة ركاب فوق "ديترويت" وهجوم بطرود ملئت بمتفجرات وحملت على متن رحلات شحن بعد ذلك بعام.
واستهدفت ضربات الطائرات التى بلا طيار نشطاء رفيعى المستوى فى اليمن مثل رجل الدين الأمريكى المولد "أنور العولقى" الذى يعتقد أنه أداة قوية للقاعدة فى استقطاب نشطاء جدد إلى القاعدة فى الغرب، لكن أغلبها استهدف نشطاء متوسطى المكانة، وما زال زعيم القاعدة فى جزيرة العرب طليق السراح.
وبعد فترة قصيرة من مقتل "العولقى"، قتل ابنه "عبد الرحمن" البالغ من العمر 16 عاما والذى يحمل الجنسية الأمريكية ومراهق آخر من ذويه فى ضربة يشتبه أنها من تنفيذ طائرة أمريكية بلا طيار، وبعد ذلك احتشد محتجون يمنيون أمام السفارة الأمريكية رافعين صور الشابين ولافتات كتب عليها "دافعوا الضرائب الأمريكيين يقتلون مواطنين أمريكيين" ولافتة أخرى كتب عليها "أين العدل؟"
ويوم الأحد اجتمع أقارب المدنيين الذين قتلوا فى الضربات فى صنعاء لتعزيز التوعية بشأن مقتل المدنيين فى أول اجتماع من نوعه تنظمه مؤسسة "ريبريف" الخيرية التى تتخذ من لندن مقرا لها.
وقال "محمد أحمد بجاش" للحضور أن ابنته البالغة من العمر عشر سنوات قتلت فى مدينة جعار فى جنوب البلاد، عندما أصاب صاروخ مدرستها أثناء قتال العام الماضى لتعقب مسلحين من القاعدة.
وقال فى الاجتماع "ما الجريمة التى ارتكبناها حتى تضرب القنابل الأمريكية منازلنا... إنها حولت حياتنا إلى جحيم".
وقالت المحامية الأمريكية "كورى كريدر" التى تعمل مع "ريبريف" إن شيوخ القبائل الذين تحدثت إليهم حذروا من أن الضربات لا تفعل شيئا إلا تعزيز الدعم للقاعدة.
وقالت لـ"الأسوشيتدبرس" "هناك فرع للقاعدة هنا، إنهم حقيقة... والسؤال هو: ما الرد الملائم على هذا؟... لا تستطيع أن تقضى على تمرد بالقصف".
زيادة ضربات الطائرات غير المأهولة تذكى غضب اليمنيين من أمريكا
الجمعة، 03 مايو 2013 01:23 ص