إبراهيم عبد المجيد

جدران مدينة متعبة.. وجدران وطن متعب ايضاً

الجمعة، 03 مايو 2013 06:50 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
للمهندس والأستاذ الجامعى محمد عادل دسوقى من الإسكندرية مدونة مؤلمة عنوانها جدران مدينة متعبة.. مؤلمة لأنها تدافع عما بقى فى الإسكندرية من معالم حضارية تعود لعصورها الذهبية قديمة أوحديثة عبر القرنين التاسع عشر والعشرين.. تتعرض المدينة من زمان لاعتداءات على ما تبقى.. آخر مظاهر الاعتداء كان هدم سينما ريالتو بشارع صفية زغلول.. قالت الشركة الاستثمارية التى تتولى ذلك فى البداية إنها ستحول السينما القديمة ذات الطراز المعمارى النادر والنقوش الجميلة إلى عدة قاعات كما حدث من قبل مع سينمات مترو ورويال وأمير.. وما هى إلا أيام حتى هدمت السينما كاملة، واتضح وفقا لإعلانات الشركة أنه سيقام مكانها مول تجارى به قاعات أيضا حديثة للسينما.. مول تجارى لا أعرف كيف سيكون تصميمه ولا ارتفاعه فى الشارع الذى مثل كل شوارع الإسكندرية القديمة كانت ارتفاعات المبانى فيه لا تزيد عن عرض الشارع مرة ونصف.. وطبعا انتهى هذا فى الإسكندرية ومصر كلها. أنا لا أعرف لمن كانت ملكية السينما التى كنت من المترددين عليها أيام صباى وشبابى مثل غيرها، وكانت هى تمتاز عن غيرها بصالتها الطولية التى لا تجعل المتفرج منحرفا عن النظر مباشرة إلى الشاشة.. تماما كسينما الهمبرا التى هدمت والتى كانت أم كلثوم تقيم فيها حفلاتها صيفا رغم آنها، الهمبرا، كانت من سينمات الدرجة الثانية.. فضلا طبعا عن النقوش الجميلة أعلى جدران السينما والسلم الجميل المؤدى إلى البلكون وأشياء كثيرة يمكن أن تعرفها عن هذه السينما وغيرها إذا دخلت على المدونة المؤلمة للمهندس محمد عادل التى تحمل عنوانا شجيا.. يستشهد عادل فيما يستشهد بمقال لى كتبته منذ ست سنوات حين رأيت سينما بلازا وسينما فؤاد يتم إغلاقهما وتحويل فؤاد إلى مسرح أفراح وإغلاق الأخرى حتى الآن.. فى المقال تحدثت عن ذكرياتى معهما.. وهى ذكريات لا تختلف عن ذكريات أى إنسان عشق مدينته القديمة.. لم يكن هذا المقال هو الوحيد الذى كتبته عن هدم سينمات الإسكندرية.. وفى روايتى الأخيرة- الإسكندرية فى غيمة- تحدثت عن البدايات للهجوم على معنى ومظهر هذه المدينة العالمى والإنسانى.. الهجوم المتخلف الذى تعاون فيه أصحاب الفكر الرجعى المختبئ خلف الدين، والأصح خلف الوهابية مع التجار الجهلاء مع المسؤولين عديمى الثقافة الذين هدموا كل مظاهر الفن فى المدينة، كانت السبعينيات هى البداية التى رصدتها فى روايتى، وما يحدث الآن أشبه باللمسات الأخيرة للقضاء على المعنى التاريخى والحضارى للمدينة.. الهجوم القادم بحسب المدونة المؤلمة سيكون على ميدان محمد على وميدان سانت كاترين وميدان الحدائق الفرنسية وكلها بالمنشية، إذ يقال إنه سيتم الترخيص لأكشاك للتجارة لمن احتلوا الميادين من الباعة ولا يفكر أحد فى مكان آخر أو طريقة أخرى.. هذه الميادين الثلاثة أجمل ميادين المدينة تاريخيا الحديث عنها يطول.. وما أكثر أيضا ما تحدثت عنها وكانت دائما موضوعا فى الثلاثية التى أنجزتها متألما عن المدينة التى عشقتها وعشقها العالم.. لا أحد ينام فى الإسكندرية، ثم طيور العنبر، ثم هذه الأخيرة الإسكندرية فى غيمة.. وأعترف أنه صار لدى استعداد روحى لكل ما يحدث من اعتداء على ما تبقى فى المدينة. أرى حزينا كل شىء جميل إلى زوال.. لا أعرف أى قوة يستمدها هؤلاء المعتدون.. أكره الزمن الذى يجعل التجارة فوق الثقافة والحضارة.. فرحت بثورة يناير وشاركت فيها مثل الملايين ليل نهار وكتبت عنها الكثير ومازلت.. هذه الثورة التى قد لا يعرف الداعون إليها من الشباب أنهم وهم يهتفون بشعارات عالم الحداثة التى لا ترتبط بفكر جامد من أى نوع، الحرية على إطلاقها، والعدل، والكرامة، كانوا حتى لو لم يدروا يرفعون شعارات العصر السكندرى التى كانت فيه الإسكندرية مدينة العالم.. العصر الذى بدأ مع البطالمة وانتهى مع دخول الفتح العربى ثم أعاده محمد على، واندفع فيه إسماعيل باشا ثم ثورة 1919 فصارت الإسكندرية مرفأ لكل البشر والأجناس والأديان، وتجلى ذلك فى مبانيها وحدائقها وعادات أهلها وتقاليدهم، حتى فى الطعام الذى حين تبحث عن أصوله تجدها تركية ويونانية وفرنسية وشامية ومغربية وغيرها من الدول التى جاء منها من يريد بلدا آمنا يعطيه فرصة الإبداع إلى أقصى مدى.. ما يحدث فى الإسكندرية يحدث فى مصر كلها.. والآن يتزايد الاعتداء على كل شىء قديم جميل.. وكل يوم نسمع عن الاعتداء على الآثار فى بر مصر، بل ظهرت قطع أثرية تباع علنا فى أوروبا تم تهريبها من مصر، ويعلن عنها كأنه لا جريمة خلفها.. ليست الإسكندرية وحدها سبب شجونى إنما مصر كلها الآن.. ليس فى حكامنا منذ سنين طويلة واحد قرأ كتابا فى الفلسفة، ولا وقف أمام لوحة فنية، ولا عرف شيئا عن السينما التجريبية، ولا تردد بانتظام على الأوبرا يسمع موسيقى كلاسيكية أو طربا عربيا أصيلا.. حكامنا غلاظ القلوب يرون فى العمارة الأمريكية مثلهم الأعلى.. ناطحات سحاب مغلقة وأجهزة تكييف بارزة فى سماجة.. رغم أن بلادنا حارة فطن الأوروبيون والمصريون العظام الذين تعلموا فى أوروبا أن الاتساع وارتفاع الجدران وضخامتها وارتفاع النوافذ والبلكونات العريضة هى ما يليق بمناخنا.. الآن يزداد الهجوم فى كل بقاع مصر على الماضى المعمارى، والمقاولون يدفعون لسكان البيوت الصغيرة ليخرجوا مؤقتا، حتى ترتفع العمارات التى تشوه كل أرض مصر والتى لا توافق لا البيئة ولا الشوارع، ولا الصرف الصحى ولا طاقة المياه، أما الكهرباء فهى تكسب الملايين من الغرامات والسلام!.. والنظام مشغول بقمع المعارضة وأجهزته مسخرة لذلك، ولاترى معنى لغير ذلك، ويستهدف بتصميم لا يعرف أحد مصدر قوته كل من عارض مبارك وكل من دعا للثورة أو شارك فيها.. ليست الإسكندرية وحدها هدفا، لكن الإسكندرية وحدها كانت مدينة الدنيا وعاصمة العالم.. يوما ما والله العظيم.. والقرآن كمان علشان تصدقوا! وشبابها الذى يقف فى سلاسل ليحتج على العدوان على ما تبقى من تاريخها الحضارى لا يستطيع أن يمنع الهدم.. وعليه أيضا أن يترك هذا كله ويجرى إلى المحاكم ليحتج على القبض بلا سبب على الثوار.. ماذا سيفعل الشباب أكثر من ذلك لهذا الوطن؟.. وهل يتصور أحد أن هذا الشباب سيعيش على إيقاع التجار والجهلاء القديم مرة أخرى؟ بالنسبة لى ولجيلى نستطيع أن نستدعى شيئا جميلا رأيناه، لكن هذا الجيل لن يعيش فى كل هذا القبح الذى أحاطه منذ مولده والذى ثار عليه.. لا شىء جميل يستدعيه، ومن ثم لن يهدأ.. لن تكفيه أفلام الأبيض والأسود ولا المواقع الإلكترونية التى تعيد إلينا سحر ما فات بما تحتويه من صور.





مشاركة




التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

essam

حسبي الله ونعم الوكيل

عدد الردود 0

بواسطة:

Srag

الخراب المعماري

عدد الردود 0

بواسطة:

د. احمد الباسوسي

جزء رابع من الحكي

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى

فإن مع العسر !!........يسرا !!.....................إن مع مع العسر !!........يسرا !!

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة