قرية سورية تكشف مذابح قوات الأسد فى الفجر

الثلاثاء، 28 مايو 2013 04:42 م
قرية سورية تكشف مذابح قوات الأسد فى الفجر أحداث العنف فى سوريا
البيضا (رويترز)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استيقظ أحمد، على صوت الرصاص واستطاع أن يسمع أصوات المسلحين وهم يطرقون باب أخيه وألسنتهم تطلق الشتائم وتصف أفراد الأسرة بأنهم كلاب.

قالت زوجة أخيه، إن المسلحين أمروا زوجها بأن ينحنى للرئيس بشار الأسد، ثم جر المسلحون الزوج والزوجة وابنيهما الصبيين إلى ساحة القرية.

وقال أحمد "أبلغتنى بأن ركبة ابنها كانت تدمى لأنهم ركلوه وجروه"، وعندما انتهت أعمال العنف تجرأ أحمد وخرج من مخبئه بغرفة علوية فى أقل من ساعتين أصبحت البيضا وهى قرية قريبة من البحر المتوسط مسرحاً لواحدة من أسوأ المذابح فى الحرب المستمرة فى سوريا منذ أكثر من عامين.

مع تفكك البلاد تحت وطأة الحرب الأهلية حققت قوات الأسد مكاسب ضد مقاتلى المعارضة فى هجوم مضاد لتأمين ممر يربط العاصمة دمشق بمعقل الطائفة العلوية التى ينتمى إليها الرئيس على الساحل، وكانت البيضا وهى جيب صغير للمتعاطفين مع مقاتلى المعارضة تحيط بها قرى مؤيدة للأسد مكانا مثاليا للحكومة لتوصيل رسالة قاسية.

ويتوقع أن تعقد محادثات سلام دولية فى جنيف الشهر القادم، لكن لا يوجد أمل يذكر فى تحقيق انفراجة لإنهاء حرب قتل فيها أكثر من 80 ألف شخص.

وعلى بعد خطوات من منزله فى مكان ما قرب ساحة القرية الرئيسية عثر أحمد على جثة أخيه.

وقال وهو يقرأ من مذكراته الشخصية لما رأه "كان مجردا من ملابسه" توقف برهة وتمالك نفسه، وقال "ضرب بالرصاص فى رأسه وتركت الرصاصة فتحة فى حجم الكف، نزف دمه على الأرض".

وعلى مدى 90 دقيقة تقريبا وصف أحمد كيف عثر على جثث متفحمة وعلى أدلة تثبت وقوع مذابح: فى إحدى الحالات 30 رجلا وفى حالة أخرى 20 امرأة وطفلا كانوا مختبئين فى غرفة صغيرة.

وقرأ أسماء القتلى ووظائفهم وأعمارهم وعلاقاتهم ببعضهم البعض والأوضاع التى شاهد الجثث عليها.

ترك الهجوم العشرات من أقاربه وجيرانه قتلى، وسجل أحمد كل تفصيلة حتى يصدر التاريخ حكمه.

كان اليوم الثانى من مايو.. يوم خميس وبداية عطلة تستمر ستة أيام، عاد كثير من التلاميذ إلى بيوتهم ولم يكن لدى رجال القرية أى خطط للمجازفة والخروج إلى شاطئ البحر لبيع محصول الخضروات مثلما يفعل كثيرون دائما، لم يكن يوما دراسيا للأطفال.

صاحت الديوك عندما دخل الرجال المسلحون البيضا وهى قرية تتكون من شبكة أزقة ضيقة كان يسكنها نحو 5000 نسمة معظمهم من السنة، وكانت البيضا التى يمكن مشاهدتها من القرى العلوية المحيطة بها تعيش فى سلام مع جاراتها قبل الحرب وتقع خارج بلدة بانياس الصغيرة التى تطل على الخط الساحلى السورى من التلال.

ووفقا لناشطين من المعارضة ما حدث بعد ذلك كان حمام دم طائفى أعقبه آخر فى قرية رأس النبع المجاورة.

جاء الهجوم على البيضا بعد وقت قصير من مهاجمة حافلة تقل أفراد ميليشيا موالية للأسد قتل فيه ستة أشخاص.

ويقول المرصد السورى لحقوق الإنسان المعارض ومقره بريطانيا، إن 300 شخص على الأقل قتلوا فى البيضا ورأس النبع. ويقول ناشطون إن الضحايا دفنوا فى مقابر جماعية وإن آلاف الأشخاص لاذوا بالفرار.

ولا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى التى تنظر جرائم الحرب أن تحقق فى سوريا ما لم تتسلم إحالة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهو شىء عرقلته روسيا والصين.

ولزمت الحكومة السورية الصمت بشأن البيضا، لكن ضابط مخابرات سورى طلب عدم الكشف عن هويته، اعترف بأن المرتكبين موالون للحكومة وبينهم البعض من القرى العلوية المحيطة.

وانحازت البيضا ورأس النبع اللتان يسكنهما سنة إلى المعارضة مما وضعهما فى موقف خطير وسط القرى العلوية الموالية بقوة للحكومة التى تحيط بها.

وأصبحت البيضا ورأس النبع ملاذا آمنا للعديد من المنشقين من الجيش كما انضم كثير من الشباب إلى الجيش السورى الحر.

والآن أصبحت البيضا مثل رأس النبع مدينة أشباح، المنازل أحرقت ولم يبق أى نساء وبقى عدد صغير فقط من الرجال، وباستثناء عدد صغير من الدواجن اختفت معظم الدواجن والماشية.

والطريق الوحيد لكى يدخل غريب البيضا التى تخضع لرقابة أمنية حكومية صارمة هو طريق خلفى مترب يتعرج وسط التلال، وقامت رويترز بهذه الرحلة لجمع أقوال شهود عيان.

وقال أحمد فى منزله المتواضع والمرتب للغاية "استيقظت على أصوات الطلقات قبل السابعة صباحا" وأحضر من غرفة أخرى مذكرة سجل فيها بخط منمق كل شىء شاهده.

وحجب أحمد اسمه الكامل وعمله فى القطاع العام خوفا من الانتقام، وقال وهو يقرأ من مذكراته "لم يعرف أحد بيننا ما كان يجرى لم يكن بإمكاننا أن نعرف أين تسقط القذائف".

واختبأت زوجته وأطفاله فى البدروم وذهب أحمد إلى بيت أخيه الذى يقع فى الطابق الأول من منزل العائلة المكون من طابقين، وعندما أصبح صوت إطلاق النار يقترب أكثر حثت والدة أحمد ابنيها على الاختباء.

وخلال العامين الماضيين وعندما كانت قوات الامن الحكومية تداهم القرية كان يتم اعتقال الرجال الذين يشتبه فى علاقتهم بالمعارضة فقط. وكانت النساء والاطفال تترك وشأنها.

لكن هذه المرة شيء ما ألح على أحمد للاختباء رغم انه لم يرتكب اى خطأ. ذهب إلى غرفة علوية لكن أخيه بقى ودخل فى جدل مع امهما.

وتذكر أحمد "أخذ يقول لها (ولماذا يجب ان أهرب؟ لم أرتكب أى خطأ. من الافضل ان أبقى بالمنزل. ليس لديهم شيء ضدى)".

وشملت قائمة الضحايا نساء وأطفالا رضع ومسنين وشخصيات كبيرة. ومحمد طه البالغ من العمر 90 عاما كان صانع الاحذية بالقرية على مدى عشرات السنين حتى بعد ان فقد ساقا فى حادث سيارة.

وهناك الشيخ عمر البياسى (62 عاما) الذى عثر أحمد على جثته بجوار زوجة الشيخ التى قتلت وابنهما حمزة طالب الطب.

كان الشيخ البياسى أمام القرية لمدة 30 عاما. كان مواليا للحكومة ابتعد بأرائه السياسية عن السكان المحليين قبل ان يستقيل قبل عامين.

وقال أحمد "رغم إنه عارض الاحتجاجات دائماً إلا أنهم قتلوه."

ومنيت عائلة البياسى بأكبر خسائر ولها 36 حالة وفاة موثقة، وعثر أحمد على جثث لأفراد من العائلة فى غرفة صغيرة.. أم وبناتها الثلاثة وابن صغير كان فى مدرسة القرية مع أطفال أحمد.وتذكر أحمد "كانوا يتكأون على بعضهم البعض".

وقبل حلول الظلام اصطدم أحمد بمشهد مروع آخر. ثلاث جثث متفحمة ترقد على بعضها البعض.وقال "كان الدخان مازال يتصاعد منهم".

وتم التعرف على هوياتهم فى اليوم التالى عندما جاء الهلال الأحمر مع مسئول حكومى، كان أحد الضحايا المتفحمين هو ابراهيم الشقارى (69 عاما) الذى كان معوقا ذهنيا.

وعمليات إراقة الدماء جعلت كثيرين يتساءلون ان كانت الحكومة السورية تعد لدولة علوية على الشريط الساحلي.ويقيم فى الشريط الساحلى غالبية من الطائفة العلوية.

وقال ناشط مناهض للحكومة العلوية عرف نفسه باسم مستعار هو صادق انه من غير المرجح ان يقيم الاسد دولة علوية مستقلة لكن يمكن اقامة منطقة علوية شبه مستقلة مثل كردستان.

وحتى الآن لم تكن هناك اشتباكات بين مقاتلى المعارضة وقوات الحكومة على امتداد الساحل. ولم يعتقد سكان القرى العلوية ان مقاتلى المعارضة سيتوجهون إلى الجبال.

وقال صادق موضحا انه عندما بدأ مقاتلو المعارضة توجيه تهديدات شفهية ضد منطقة الساحل خلال الاسابيع القليلة الماضية انطلقت التحذيرات. كانت المذابح الطائفية فى البيضا ورأس النبع رسالة من حكومة الاسد للمعارضة.

وقال "إنها تذكر بأن الساحل خط أحمر. وانهم اذا اعتقدوا ان بامكانهم شن هجوم على الساحل فان هذا ما سيحدث للجيوب التى يسكنها سنة”. وأضاف "كانت تطهيرا عرقيا والهدف هو الترويع."

وقبل أعمال القتل زادت التوترات فى القرى العلوية التى يخدم كثير من ابنائها فى الجيش السورى وقوات الامن. وأقام العلويون الحداد على المئات من قتلاهم. واثناء السير بسيارة فى بعض القرى العلوية علقت ملصقات بحجم أكبر من الحقيقى للذين سقطوا فى القتال كانت مدلاة من اعمدة الانارة فى الطرق الرئيسية.

ووافقت القلة المتبقية من الرجال فى البيضا على ان المذبحة كانت نوعا من الثمن الذى دفعته القرية لموقفها المؤيد للانتفاضة.

وقال أحد الشبان "دعنا نتحدث بصراحة. نحن نؤيد الانتفاضة وهم لا يؤيدونها."

ولم يتضح إلى أى مدى ما حدث فى البيضا ورأس النبع وصل إلى الساحل. فى بلدة بانياس كان الناس يعانون من توتر شديد حتى انه لم يكن بامكانهم مناقشة الموضوع. فى اللاذقية وصلت الانباء خلال أحاديث خافتة فقط. وقال صادق الناشط العلوى ان الطائفة العلوية "تنفى ذلك."وقال "انهم يعتقدون انه كان قتالا ضد ارهابيين من الشيشان أو شيئا من هذا القبيل."

لكن ليس هناك شكوك تذكر بشأن تفاصيل المذبحة لدى المخابرات السورية.

وفى طرطوس قال رجل يعمل بمخابرات الدولة "فى فرع امن الانترنت" وعضو فى ميليشيا الشبيحة الموالية للحكومة ان التسلسل القيادى له يعرف بدقة ما حدث فى البيضا ورأس النبع.

وقال المسئول الذى طلب عدم نشر اسمه "انهم المؤيدون للنظام هم الذين فعلوا ذلك من القرى العلوية المحيطة”. وأضاف "لكنهم لا يتصرفون بناء على أوامر. قاموا بذلك من تلقاء أنفسهم".

وتابع "القيادة لديها كل اسماء المرتكبين لكن الان ليس الوقت المناسب لمعاقبتهم على هذه الجريمة."

وعندما سئل أن كانت فكرة اقامة دولة علوية تبدو ممكنة لاجهزة المخابرات قال ان هذه الفكرة تناقش باستمرار.

وقال "لكن القيادة ترفضها بالتأكيد. سيكون أسوأ سيناريو على الاطلاق دولة مستقلة من الموالين للعلويين".

وأضاف "سيكون لدينا حمص ودمشق والساحل، ويمكن (للمعارضة) ان تأخذ حلب ودير الزور والقامشلى والشمال، بالتأكيد دعهم يحصلون على تلك المناطق".





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة