سوف يسجل التاريخ لمجلس الشورى وملحقاته، أنه كان واحدا من أكثر المؤسسات التشريعية إنتاجا لتشريعات فاسدة ومليئة بالثغرات، وأنه حصل على سلطات لم يستخدمها، أو أساء استخدامها، وأنه انشغل بتفصيل تشريعات مضادة للقضاء، وعجز عن إنتاج تشريعات تهم المواطنين، وخالف الدستور الذى تم تفصيله خصيصا للجماعة وأصدقائها.
ولسان حال مجلس الشورى «بعد الاطلاع على الدستور قررنا مخالفة الدستور». بل إن النتائج تكشف أن مجلس الشورى فى سعيه لتفصيل قوانين، لا يجيد التفصيل، وتأتى منتجاته مخالفة لأبسط قواعد القانون والتشريع، وقد ارتكب الشورى خلال شهور كل الأخطاء والخطايا التى ارتكبها النظام السابق، وزاد عليها غياب الخبرة، وسوء الإخراج.
وكما هو متوقع أعادت المحكمة الدستورية العليا قانونى «النواب» و«الحقوق السياسية» إلى مجلس الشورى بعد إبداء ملاحظات بعضها سبق لها إبداؤها، والبعض الآخر جديد، ومنه القنبلة التى أعلنتها المحكمة بعدم دستورية منع ضباط الجيش والداخلية من الانتخاب، واستندت المحكمة إلى الدستور الجديد الذى تم إقراره بسرعة، من دون تحديد لموقف الجيش والشرطة على سبيل الحصر كما كان متبعا. وعليه فإن فكرة تفصيل القوانين والدستور تكشف كل يوم إلى أى مدى ورط أعضاء التأسيسية أنفسهم فى تفصيل مواد ورفضوا الاستماع للملاحظات الموضوعية، وأنتجوا دستورا مليئا بالثغرات التى ينفذ منها الشيطان.
لكن الأهم والأخطر هو التساؤل عما يفعله مجلس الشورى، وكيف بلغت به عملية التفصيل إلى إنتاج قوانين مخالفة ومليئة بالثغرات، بشكل تجاوز ما كان يفعله نظام مبارك، فقد كانت الانتقادات تنصب على ترزية نظام مبارك وها نحن أمام ترزية أقل كفاءة يفصلون قوانين على المقاس، ولا يشعرون بأى خجل أو كسوف من هذا التفصيل.
فقد كشفت المحكمة للمرة الثانية عدم عدالة توزيع المقاعد والدوائر، وقالت إن المواد 1، 2، 10، 12، 16، 22، 31، 38، 69 من قانون مباشرة الحقوق السياسية تخالف الدستور، وللمرة الثانية أوضحت المحكمة أن إغفال حظر استخدام الشعارات أو الرموز أو القيام بأنشطة للدعاية الانتخابية ذات طابع دينى أو عقائدى فى ذاته ينال من الوحدة الوطنية ويناقض مبدأ المواطنة ويخل بالحق فى الانتخاب والترشح ومباشرة الحقوق السياسية؛ فضلاً عن أنه يعيق الناخب عن تحديد موقفه من المرشحين والمفاضلة بينهم على أساس برامجهم الانتخابية، كما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المرشحين وينسحب العيب ذاته على ما ورد بصدر المادة (61) من المشروع المعروض. كما اعتبرت المحكمة أن إلزام أجهزة الإعلام الخاصة بالمساواة التامة فى شأن الدعاية الانتخابية للمرشحين يتصادم مع ما ورد فى المادتين (45)، (48) من الدستور من كفالة حرية الفكر والرأى، وحرية الصحافة والنشر لأن هذه الأجهزة مملوكة لأشخاص خاصة ذات توجهات فكرية متباينة ولا يجوز إلزامها بتخصيص أوقات متساوية لعرض برامج مرشحين تتعارض مع توجهاتها، وأن المساواة تقع على عاتق الدولة وأجهزة إعلامها الرسمية وفقا لنصوص المواد 6، 8، 33، 55 من الدستور.
ونكتشف أن نواب الشورى وهم يشرعون لا ينظرون للدستور الذى فصله بعضهم، ولا يقرأون القوانين ولا المبادئ التشريعية، الأمر الذى يثير الخوف من كل القوانين التى يفصلونها.
ونفس الأمر بالنسبة لملاحظات المحكمة فيما يخص المصريين بالخارج، وأيضا تقسيم الدوائر الذى جاء للمرة الثانية غير عادل، ومختل. وهو ما يطرح سؤالا عن الوظيفة والكفاءة التى يحظى بها نواب الشورى الذين منحهم الدستور التفصيل سلطة التشريع بالرغم من أن المجلس تم تعيين ثلثه من الإخوان، وحلفائهم.
مجلس الشورى الذى يصر على فرض تشريعات وقوانين فاسدة وناقصة، ومخالفة لدستورهم، ويتصدى لقانون السلطة القضائية، بينما يعجز عن إنتاج تشريعات متماسكة وقوية لمواجهة المشكلات الكبرى. هذا المجلس الذى يسلق قوانين الانتخابات وممارسة الحقوق ومجلس النواب، ويدس فيها تقسيما ظالما للدوائر، لم نسمع له صوتا، فى مواجهة أزمات الكهرباء ولا خطف الجنود ولا الإرهاب، ولا سيناء، بينما يتفرغ للعب أدوار ليست عاجلة ولا مطلوبة ويمكن تأجيلها، والغريب أن السادة أعضاء الشورى انفعلوا عندما قررت المحكمة أن دستورهم يتيح لضباط وجنود الجيش والشرطة الانتخابات والترشح والتصويت، ولم يفكروا لحظة فى الثغرات التى صنعوها أنفسهم، ومن فعل أيديهم. ونراهم فى جوقة واحدة ينتقدون النتيجة ويتجاهلون المقدمة التى قادت للنتيجة، فالمحكمة الدستورية هنا كاشفة وليست منشئة للمبدأ القانونى، وتعتمد على دستور وضعه وأصر عليه نفس هؤلاء الذين يتباكون ويغضبون، والغريب أن بعضا ممن تورطوا فى الإرهاب، لم يلتفتوا لمادة تتيح الدعاية الدينية. وتفتح الباب لصراعات دينية وطائفية، بينما انفعلوا من ملاحظات الدستورية، ولم ينتبهوا إلى أنها جرائمهم التى ارتكبوها فى الطريق العام، ولم ينصتوا لأصوات رافضة.
وأبرز مثال هو تقسيم الدوائر الذى تم تفصيله لصالح الجماعة، ورفضوا الاعتراضات الواضحة، ولم يكونوا فى انتظار محكمة لتنبههم وهم يقسمون الدوائر بنفس الطريقة التى كان يفعلها الحزب الوطنى على مقاسات مرشحيهم وقياداتهم، حتى لو كانت تظلم المواطنين والمحافظات، وتنتزع حقوقهم وتلغى المساواة وتكافؤ الفرص.
مجلس الشورى الذى تم تفصيل الدستور لإسناد التشريع له، بالرغم من أن ثلثه معين وثلثين منتخبان بأقل من %6 يفتقد إلى الكفاءة، ولا يستند إلى خبراء وفقهاء القانون والدستور الذين يصنعون تشريعات الدول العربية، ويستعين بترزية فاقدين للكفاءة، ثم يبكى ويشكو من القضاء. بينما هو الذى يشغل نفسه بتشريعات التمكين وتوزيع الأدوار فى مواجهة القضاء، بينما يتجاهل كل ما يخص المواطنين من تشريعات عاجلة للفقر والتأمين الصحى، والبناء وغيرها. وتحول إلى مخزن للقوى السياسية، ومكان للمجاملات، لا يعجب به سوى حزب الجماعة، وجبهة الضمير.
مجلس الشورى.. بعد الاطلاع على الدستور قررنا مخالفة الدستور..المجلس حصل على سلطة التشريع وعجز عن توظيفها وحرص على التفصيل بدون ترزية ..والشورى تجاهل قوانين التأمين الصحى والفقراء وتفرغ لتشريعات التمكين
الإثنين، 27 مايو 2013 10:57 ص