د. عبد الجواد حجاب يكتب: مراجيح المولد السياسى

الأحد، 26 مايو 2013 07:21 ص
د. عبد الجواد حجاب يكتب: مراجيح المولد السياسى صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دعونى اليوم أتكلم بصراحة شديدة الوضوح، أتمنى أن تتسع صدوركم لمواطن مصرى بسيط يعيش فى البرارى، ولكن ربما تكون ثقافته عالية تتناسب مع مستوى تعليمه.

رحم الله عبد الناصر فتح الطريق أمامنا لننال حظنا من التعليم ونرى بلادنا تنعم بالكهرباء والماء والطرق والصرف الصحى، ولكنه لم يكن مقتنعا بحقوقنا فى الحرية والديموقراطية، تعلمنا وحصلنا على فرصة عمل وحصلنا على معيشة تلائم البشر ولكن ظلت الحرية والديموقراطية أهم أحلامنا.

رحم الله السادات رفع رءوسنا كلنا مصريين وعربا فى حرب أكتوبر، ولكن بقى حظنا فى الحرية والديموقراطية شبه معدوم، وترك لنا إرثا ثقيلا باتفاقية سلام تركتنا تحت رحمة الصهاينة والأمريكان.

سامح الله الرئيس المخلوع لم يضف شيئا أو يفعل شيئا نذكره له بالعكس ازداد القمع وانتشر الفساد فى البر والبحر واختار لنا التزوير والرشوة والمحسوبية لتمرير مسلسل توريث الجمهورية لأحد أبنائه.

قامت الثورة المصرية الشعبية السلمية العظيمة، وانكسر حاجز الخوف وانفك القيد، كنا نظن أن الأمر سينتهى بخلع الدكتاتور ونظامه وسنرى النعيم أشكالا وأطوارا، فرحنا بالديموقراطية وجربنا الحرية لأول مرة فى حياتنا، ولكن الثمن كان فادحا وما زال عالى التكلفة.

أزيحت الأقنعة ورفعت الستائر وظهرت الفوضى الموعودة وأصبح اللعب على المكشوف وتراجعت الأخلاق ونفد الاحتياطى وأصبحنا على حافة الهاوية، وبصراحة أصبحت مصر تماما مولدا كبيرا ليس له صاحب.

كان الله فى عون الجيش عندما رمى الرئيس المخلوع كرة النار فى يده، ولكن بذكاء شديد أعاد رمى الكرة فى يد الشعب، وتنازل عن المسئولية لرئيس انتخبه الشعب.

كان الله فى عون الجيش والحكومة والرئيس، كان الله فى عون المصريين، كان الله فى عون مصر الحبيبة، المولد كبير ومزدحم والفوضى عارمة وكل شىء سريع التكاثر ولكن تكاثر الشر أسرع من تكاثر الخير بعشرات الأضعاف، الخسائر فوق المكاسب، وعجلة التراجع للخلف أسرع من عجلة التقدم للأمام.

كان الله فى عوننا كل منزل عليه طبق وبه دش وأكثر من تليفزيون ومئات القنوات الفضائية وآلاف البرامح، كل يغنى على ليلاه، كلهم بارعون فى التضليل ومناقشة الإشاعات وتحليل الأخبار الكاذبة.

كان الله فى العون طيف سياسى واسع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أحزاب قديمة، وأخرى جديدة، طيف إسلامى واسع المدى وآخر ليبرالى، متعدد الدرجات، وآخر يسارى متعدد الدرجات، سياسيون بشكل أو بآخر دخلوا حظيرة الرئيس المخلوع فى يوم من ذات الأيام لا يمتلكون سياسات وبرامج ترضى طموحات الشعب وأيضا كل يغنى على ليلاه، وكلهم بارعون فى صنع الجمل السياسية الخادعة، التى لا تسمن من جوع ولا تغنى من خوف، تنازعوا ففشلوا وفشلت أى محاولات للاتفاق على أى حد أدنى.

كان الله فى عون شباب لهم السبق فى صنع الثورة، وتحويلها من حلم إلى حقيقة، ضحوا بدمائهم وأجزاء من أجسادهم، وحرموا من جنى أى ثمار للثورة، منهم من فشل فى تكوين حزب سياسى، ومنهم من فشل فى العثور على حزب يرضى طموحاته، ومنهم من فشل فى العثور على قدوة تحافظ عليه من الشتات، كونوا آلاف الائتلافات الثورية، تنازعوا ففشلوا ووجدوا أنفسهم ثوارا أهملوا وحرموا من جنى ثمار ثورتهمن جزء منهم أصبحوا أكثر ميلا للعنف وأكثر حبا للفوضى.

كان الله فى العون ملايين الشباب أدمنوا الجلوس أمام الإنترنت ووجدوا فيها فراغا واسعا يستوعب طاقاتهم الهائلة فوجدوا ضالتهم فى مواقع التواصل تويتر وفيس بوك يتناقشون ويعلقون على كل شىء والفراغ واسع والمساحة كافية والقوانين تسمح بالألفاظ المسيئة والأخلاق المشينة وكل يغنى على ليلاه وينفس عن ضيقه كيف يشاء ولكن النتيجة لا فائدة.

كان الله فى العون ملايين الوظائف والألقاب الهلامية نشطاء سياسيين ونشطاء حقوقيين نشطاء ثوريين وخبراء استراتيجيين ومصادر معلومات مبهمة مثل مصدر أمنى ومصدر عسكرى ومصادر موثوق بها وشائعات وأحيانا أكاذيب وملايين المحامين أتحفونا بملايين القضايا التى لا طائل منها إلا تعطيل المسيرة وإضاعة وقت العدالة.

كان الله فى العون حقوق ضائعة منذ سنوات وجاءت الفرصة للمطالبة، حقوق مشروعة ولكن اليد قصيرة والعين بصيرة، فكانت آلاف الوقفات الاحتجاجية الفئوية والإضرابات والنتيجة قطع الطرق وإيقاف القطارات والمترو، ووسائل النقل العام وإغلاق الكثير من المصانع ومحاصرة الوزارات والوزراء والمحافظات وأقسام الشرطة، والمديريات وقطع الكهرباء والمياه، إضراب أطباء وإضراب محامين وغلق محاكم بالجنازير واعتصام رجال الأمن وغلق المقرات الأمنية بالجنازير، عشنا وشفنا رجال الأمن يتمردون على قادتهم.

كان الله فى العون نفوس ضعيفة استغلت الموقف الصعب والفوضى والانفلات، وقاموا بالبناء على الأراضى الزراعية ليهدروا آلاف الأفدنة والاستيلاء على أراضى ومساكن الدولة وآخرون أطلقوا عنان التجارة السوداء فى الدقيق والغاز والسولار والبنزين، وهى مواد مدعومة بالمليارات، آخرون قالوا فرصة وأشعلوا الأسعار، وآخرون تهربوا من الضرائب ناهيك عن التجارة فى العملة الأجنبية والعملة المحلية المزورة والتأشيرات المضروبة والدولارات المزورة.

كان الله فى العون جيوش من البلطجية والهاربين من الأحكام وتجار السلاح وتجار المخدرات وتجار الموت، وانتشرت الأسلحة غير المرخصة وانتشرت المخدرات والأقراص المخدرة وضاع الملايين من الشباب العاطل فى ظلمة الإدمان.

كان الله فى العون نصف المصريين تحت خط الفقر وربع المصريين لا يجدون عملا شريفا ومنظومة التعليم عفنة زادت معها الأمية ومنظومة الصحة فاسدة، زادت معها المعاناة من الفشل الكلوى وفيروسات الكبد والتسمم الغذائى، والتلوث البيئى وكذلك محليات ضائعة فى عالم السلب والنهب.

كان الله فى العون أصبحت مصر مولدا كبيرا مليئا بالمراجيح فى وسط منطقة مضطربة وعالم عربى مهترئ وضائع، وعدو صهيونى يمارس سياسة فرق تسد على نظاق واسع وعالم غربى، لا يهمه إلا احتواؤنا والسيطرة علينا وامتصاص ثرواتنا ودمائنا.

أعتقد أن هذا المولد له مخرج واحد لا ثانى له، وهو احترام حريتنا التى دفعنا فيها ثمنا باهظا وما زلنا ندفع حتى اليوم، احترام ديموقراطيتنا التى ارتضيناها لوسيلة حضارية لتداول السلطة، احترام القانون والدستور، احترام الإرادة الشعبية مهما كانت نتائجها، الرجوع إلى النبع الأصيل لديننا الوسطى مصدر أخلاقنا الحميدة التى تحافظ على وحدتنا ونسيجنا الوطنى الفريد، احترام سلمية ثورتنا، استعادة هيبة الدولة حتى لو استخدمنا القوة فى إطار القانون والدستور وحقوق الإنسان المتعارف عليها، عالميا، مساعدة جميع هيئات الدولة فى استكمال الحرب على الفساد فى كل المواقع ولا قداسة لأحد أمام آلة حصد الفاسدين.

رحم الله عبد الناصر ورحم الله السادات وسامح الله مبارك المخلوع... كان الله فى عون الجيش وكان الله فى عون الرئيس.
حفظ الله مصر.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

abdel.haroun

ما الجديد؟

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة