لم يقصر الإعلام الحكومى والخاص فى تغطية أحداث اختطاف الجنود السبعة والإفراج عنهم والاحتفال بتحريرهم، ساعات من البث المتواصل، مراسلون فى سيناء، خبراء أمنيون يتحدثون بعضهم يخطط وبعضهم يقدم فتاوى غريبة، ومئات الضيوف على برامج التوك شو.. الجميع تحدثوا، والكاميرات تلاحق الأحداث والقوات والطائرات، ورغم كل هذا الاهتمام والضجيج فشلت التغطية الإعلامية ولم يفهم الجمهور ما حدث، وما هى النتيجة النهائية للإفراج عن الجنود والأهم كيف نضمن عدم تكرار الأحداث؟
التغطية الإعلامية فاشلة رغم جهود مئات الزملاء الإعلاميين بسبب الاستقطاب، وعدم الدقة، ونقص المعلومات، ومسرحة الأحداث والتمشهد والنقل الدرامى، ولنبدأ بالآفة الكبرى فى إعلامنا وهى الاستقطاب والانقسام السياسى الذى لحق بالإعلام، وجعل هناك وسائل إعلام موالية لحكم الإخوان، ووسائل ممانعة تعبر بدرجات مختلفة عن أحزاب وقوى المعارضة، وهى للحق كثيرة وأكثر انتشارا من الميديا الحكومية والإسلاموية. الميديا الموالية دافعت عن أداء الرئاسة على طول الخط، فى المقابل انتقدت ميديا المعارضة البطء والود فى التعامل مع الخاطفين، ودافعت عن رفض أحزاب المعارضة دعوة الرئيس لحوار وطنى لمواجهة الأزمة، والغريب أن بعضها انطلق من فرضية وجود صراع بين الرئاسة والجيش، كما استعجل شن عملية عسكرية لإنقاذ الجنود من دون تقدير عقلانى للخسائر وتوريط القوات المسلحة فى حرب عصابات. فى إطار نصرة الميديا للمعسكر الذى تنتمى إليه سقطت المعايير المهنية والمواثيق الأخلاقية، وانطلقت حرب الفتاوى السياسية والأمنية بل والدينية تجاه الخاطفين والعلاقة التى تربطهم بالإخوان وحماس، وضرورة الحسم فى التعامل معهم، وكان هناك نقص هائل فى المعلومات تتحمل الرئاسة مسؤوليته، فالرئيس لم يتحدث إلى الرأى العام، وما صدر عن الرئاسة جاء كالعادة غامضا وإنشائيا ولا يقدم معلومات، من هنا حاول كثير من الإعلاميين – وهذا خطأ مهنى – تعويض هذا النقص من خلال بث أخبار ومعلومات من مصادر ضعيفة، أو مجهلة المصدر، كانت فى معظمها غير دقيقة وتغذى من التحيز والاستقطاب فى التعامل مع الأزمة، والمدهش أن التحيز فى التغطية الإعلامية والاستقطاب وعدم دقة المعلومات كان يقدم فى دراما تحقق متعة الفرجة للجمهور، فالكاميرات تتابع الطائرات وهى تحلق فى السماء، والمدرعات تتحرك والجنود على أهبة الاستعداد، وأهالى الجنود المخطوفين وزملاؤهم يطالبون بتحريرهم، كل هذه المشاهد الشيقة تعرض باستمرار من دون أن نرى حقيقة ما يجرى، أو نتعرف على وجهة نظر الخاطفين، فقط شاهدنا الفيديو الحزين لجنودنا معصوبى الأعين.. ومع سيل الصور والمشاهد غير المترابطة قدم المراسلون تقارير لا تحمل جديدا لأنها ببساطة تقدم من العريش ورفح وبعيدا عن مواقع الأحداث الحقيقية، والتى أعتقد أنها كانت تدور فى الخفاء وعبر وسطاء وعملاء سريين.
ومع إطلاق سراح الجنود والاحتفال بعودتهم، اكتمل فشل الإعلام المصرى فقد تخلى عن دوره النقدى وعن مهمة المتابعة والسؤال عن حقيقة ما حدث، وهل هناك ثمن لتحرير المخطوفين؟ وما هى رؤية الرئاسة والجيش للقضاء على الإرهابيين فى سيناء؟ وهل يمكن فعليا تحقيق ذلك رغم وجود مصالح مشتركة وعلاقات تاريخية بين الرئيس وجماعته، والجهاديين فى سيناء، والذين لم تصفهم الرئاسة حتى اليوم بالإرهابيين؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد شومان .
كلام جميل جدا..