(آدم عبد ربه آدم) هو اسم الشخصية التى قام بأدائها الفنان المبدع عملاق المسرح العربى (محمد صبحى) فى مسرحيته الكوميدية الشهيرة والتى حققت نجاحا منقطع النظير (الهمجى) والمسرحية من تأليف الكاتب والمؤلف المسرحى البارز (لينين الرملى).
والشخصية هى لإنسان بسيط.. نفهم من اختيار المؤلف لاسمه أنه رمز لكل آدمى على وجه الأرض، يسعى فى الحياة وهو تتنازعه قوتين للخير والشر بداخله، كما يقول الله تعالى فى كتابه الحكيم (وهديناه النجدين) {سورة البلد آية 10} أى طريق الخير والهدى وطريق الشر والضلال، وكل إنسان لديه مطلق الحرية أن يسير بالاتجاه الذى يريده، ويظل (آدم) بطل مسرحيتنا يتأرجح بين هذا وذاك.. فنفسه الأصيلة تتوق دوما لفعل الخير وسلوك مسلكه ولكن مغريات الحياة وفتنها والشيطان وإغوائه والذى يمثل دوره الفنان (ممدوح وافى) دائما ما تؤثر عليه وتجعله يقع فى كل المحظورات، وتنقسم المسرحية لمشاهد تكون عناوينها هى كل النواهى التى نهانا الله عنها مثل (لا تطمع، لا تحسد، لا تقتل، لا تخن، لا تكذب) وفى كل مرة تكون المغريات أقوى من إرادة (آدم).. ثم تتطور الأحداث فى المسرحية، إلى أن يرتقى آدم فى سلم الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية ويحاول أن يحقق حلمه بالوصول إلى الكمال الذى ينشده ويتوقى الوقوع فى الذلل والانجراف إلى الخطأ، فلا يظل بعد ذلك الإنسان الهمجى، فيسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليكون أول إنسان يقوم بتجربة (الكمبيوتر اللاصق) وهو جهاز إلكترونى يتم لصقه فوق الجبهة ومهمته توجيه سلوك الإنسان فقط إلى الأمور الجيدة ويجعله يبتعد تماما عن الأخطاء أو الوقوع فيها .. وتلك الأخطاء بالطبع هى من وجهة نظر واضعى برنامج هذا الجهاز .. الذى يتحكم فى عقل من يرتديه، وبشكل كوميدى ساخر، يشرح صديق آدم لزوجته مزايا هذا الجهاز الذى سيمنع (آدم) من ارتكاب الأخطاء وتجعله يستطيع القيام بالمهام بسرعة ودقة وسينجز لها كل أعمال البيت وسيتقن سبع لغات حية وينفذ جميع العمليات الحسابية بمهارة ودقة عالية.
وتسعد الزوجة فى بداية الأمر بمساعدة زوجها لها فى أعمال البيت، ثم تستشعر بعد ذلك الضيق والضجر من هذا الإنسان الآلى الذى يفتقد لأى نوع من المشاعر أو الأحاسيس، والذى يعمل وفق توجيهات مسبقة لا يستطيع أن يحيد عنها ولا يملك الخيار فيها، كما أن منظومة القيم التى برمج عليها جعلته يفتقد للكرامة والمروءة التى من المفترض أن يتمتع بها الرجل العربى، فهو لا يغار على زوجته، كما أنه لا يبادلها أى مشاعر، فتثور زوجته وتقرر إنهاء هذا الوضع بنزع هذا الجهاز اللاصق عن رأس زوجها ليعود لها كما كان، ويأتى هذا المشهد المبدع الذى يجسده الفنان محمد صبحى بحرفية شديدة.. والذى يصرخ فيه بعد نزع الجهاز عن رأسه متسائلا كيف سيعيش من دون الجهاز الذى كان يتحكم بكل صغيرة وكبيرة فى حياته.. وماذا سيفعل هو من دونه وهو لا يستطيع اتخاذ القرارات بدون توجيهاته، وبالتالى فهو بالتأكيد سيقع فى الأخطاء، وتحاول زوجته أن تهون عليه الأمر بقولها: من الأخطاء سوف تتعلم، ويتساءل هو فى حيرة: ماذا أفعل ? هل أتكلم أم أصمت ? ولو تكلمت ماذا أقول ?
أتحرك أم أتوقف ? أمشى أم أجرى ? ولو مشيت فإلى أى اتجاه ?
هل أوافق أم أرفض ?
هل أضحك أم أبكى ? أحب أم أكره ?
ومن أحب ومن أكره ?
من أنا ولماذا ??
ويختتم هذا المشهد الرائع بابنته الصغيرة وهى تحاول أن تعلمه الكلام من جديد، وتنطق معه حرفا حرف، بعد أن نسى كل شىء ولم تعد لديه قدرة على تذكر ما تعلمه أو أن يخطو بنفسه أى خطوة وقد اعتاد على نظام يوجه كل حركاته وسكناته.
وكأنى أمام هذا المشهد وهو يجسده شعبا بأكمله اعتاد طوال ثلاثين عاما على من يتخذ قراراته بدلا منه، نظام يتحكم فى حركته وسكونه، نظام يقرر من يعمل وفى أى عمل، من يتكلم ويشاهده الناس، وماذا سيتكلم، نظام يقرر بالنيابة عن الشعب بأكمله ولا يسمح له ابدا بالاختيار، ثم تأتى ثورة عظيمة تقلب الموازين وتنزع النظام الذى كان يتحكم بعقل هذا الشعب ويسير له حياته ، فيجد نفسه فجأة عليه أن يقرر، هل يتكلم أم يصمت، وإذا تكلم ماذا يقول ? ذلك المشهد هو الذى نعيشه جميعا الآن، نحن وكل شعوب الربيع العربى، الذى نزع عن عقلها فجأة جهاز التحكم، ولم تعد تدرى ماذا تفعل ?
اختار الشعب المصرى جماعة الإخوان المسلمين فى انتخابات حرة ونزيهة.. والآن هناك من يريد أن يتمرد عليها، والجميع فى حيرة، هل علينا أن نتحمل اختيارنا وننتظر حتى يأتى الوقت الذى يختار فيه الشعب مرة ثانية بمحض إرادته من يحكمه كباقى دول العالم المحترم، وننتظر المدة الطبيعية التى يستطيع بعدها الشعب أن يقيم حاكمه، وهى التى لا تقل فى العالم كله عن أربع سنوات، أم علينا أن نهدم اللعبة ونقرر أن نبدأها من جديد حينما ينهزم أحد اللاعبين ويقرر عدم قبول هزيمته، تلك هى الحالة من التخبط التى يعيشها الشعب المصرى الآن، ولن يخرج منها حتى يأتى جيل جديد لم يتعود على نظام يتحكم بعقله، لم يدمن بعد الخضوع والانكسار ويضيق من حالة الحرية التى نعيشها الآن، هذا الجيل هو الذى سيبدأ من جديد فى تعليم الشعب مبادئ الحرية والديمقراطية وأسس اتخاذ القرار وكيفية تحمل تبعاته.
وحينها سينتهى حتما ذلك التخبط الذى نعيشه ونتجرع مرارته.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة