وصلتنى عدة رسائل من السادة القراء، حول ما سبق أن اقترحته فى هذا المكان، عن ضرورة إنشاء قطار، يعبر العالم العربى من أقصاه إلى أقصاه، ليكون بذلك أول همزة وصل (حقيقية) يمكنها أن تربط بين البلاد العربية، وعواصمها المتعددة، ويكون باستطاعته نقل الركاب والبضائع، وتقريب المسافات الأرضية، وتبادل الثقافات، وامتزاج ما هو قابل للامتزاج بالفعل.
وقد سبقتنا أوروبا بالطبع إلى هذا العمل، فأنشأت قطارها الذى يربط بين إنجلترا وتركيا عابراً القارة الأوربية ببلادها المختلفة اللغات، والتى كانت متنافرة من قبل، ولكنها أصبحت كما نرى متقاربة ومتفاهمة وشبه موحدة.
قال أحد القراء: فعلاً أنا أتفق معك تماماً فى هذه الفكرة، لكن قادة العرب لن ينقذوها بسبب الخلافات السياسية القائمة بينهم، وقال قارئ ثان: القطار العربى حلم عربى قديم، وقد كاد يتحقق بين استنابول ومكة ولكن الاستعمار هو الذى أفشله، ويقول قارئ ثالث: ليس لدى أى أمل فى مثل هذا العمل، لأننا بلاد (كلام وبس)، ويقول قارئ رابع: ليتنا انتبهنا لهذا الفكرة منذ خمسين عاماً، عندما كانت القومية العربية فى بداية قوتها، أما الآن، فأنت ترى أن العقيد القذافى نفسه فقد الأمل فى الوحدة العربية واتجه إلى أفريقيا، وهناك ثلاث أو أربع وسائل أخرى تؤيد الفكرة بدون تحفظات.
إننى أشكر كل السادة القراء، الذين تجشموا عناء الكتابة لى، كما أشكر لهم تلك الروح التى برزت عندما نشرت مثل هذه الفكرة، التى أردت بها فقط أن ألفت الأنظار إلى أن حلم الوحدة العربية الشاملة إذا كان من الصعب تحقيقه فى ظروفنا الحالية، فليس أقل من أن نتمسك ببعض الخيوط التى تربط العالم العربى على نحو صحيح ومتين، وإذا كان الإعلام بقنواته العابرة للحدود أصبح يمثل إحدى الروابط الهامة بين الشعوب العربية، فلابد أن ندعم تلك الرابطة بما هو أمتن وأبقى، صحيح أن الخطوط الجوية (الطائرات) والبحرية (السفن) تربط البلاد العربية بشبكة متماسكة، ولكن (القطار) أكثر أهمية، وأعمق أثراً فى التقارب المنشود بين تلك الشعوب، فالقطار كان وسيظل هو وسيلة الاتصال الأرخص ثمناً، والأضخم استيعاباً من الطائرة والسفينة، وميزته أنه يعبر الصحارى والمزارع، ويمر على البحيرات والأنهار، ويمكن أن يخترق الجبال من خلال أنفاق، ويستطيع راكبه أن يستوعب المكان، وأن يتواصل مع ساكنيه، كما يمكنه أن ينزل فى محطاته المتعددة ليتزود بما يريد، إذن قبل أن نتحدث عن وحدة عربية كبرى، أو اتحاد عربى على غرار الاتحاد الأوروبى، أو حتى وحدة اقتصادية عامة أو جزئية، يمكننا أن نمهد بهذا الشريط الحديدى كالذى تجرى عليه عجلات القطار، وأستطيع أن أؤكد أنه لا حدود للفائدة بل الفوائد التى يمكن أن تجنيها البلاد العربية التى يمر بها مثل هذا القطار.
إن القطار العربى كما أتصور الآن، وبعد أن استنفدت من ملاحظات السادة القراء، يتطلب ثلاثة عوامل أساسية، أولها إرادة سياسية تتبناه وتدعمه، ثانياً تكنيك متطور يبدأ من حيث انتهى الآخرون، وأخيراً تمويل مشترك أؤكد أنه لن يضيع هباء، ولكنه سيعود على أصحابه بأفضل عائد ممكن فى أسرع وقت.
أتمنى أن أرى ذات يوم قريب هذا القطار العربى، وهو يقطع المسافة بين مختلف العواصم العربية فى ساعات محدودة، وحينئذ لن نكون بحاجة إلى أغنية لمطرب يسأل قائلاً: "يا وابور قول لى رايح على فين؟".
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود علام
أولا : متى يعود خط القاهرة ا/العريش؟