عملية خطف الجنود السبعة كان واضحا منذ لحظة حدوثها أن وراءها مطالب للخاطفين بالإفراج عن بعض المحكوم عليهم بالإعدام وغيره فى قضايا اعتداءات سابقة على مواقع بوليسية وعسكرية ومدنية، وكان وراءها بشكل واضح مطلب الإفراج عن حمادة أبو شيتا الذى قيل إنه تعرض للتعذيب فى سجنه حتى فقد عينيه، لم يخرج أحد من الحكومة ليقول لنا إن الرجل لم يتعرض للتعذيب ولم يفقد عينيه.
ولا أعرف لماذا لم يحدث ذلك ليكون الحشد الروحى ضد الجناة أكبر، ربما لأنه فعلا فقد عينيه من التعذيب، وهنا كان يجب أن نعرف بوضوح أيضا ويقدم من فعل ذلك للقضاء أو يعلن عن ذلك، ليس من أجل المخطوفين لكن من أجل البلاد وحقوق البشر، لكن الخطف نفسه عملية إرهابية ولا يمكن أن يكون ما جرى لحمادة شيتا مبررا له، على أى حال بعد ثلاثة أيام أذاع المختطفون فيديو تم تسجيله مع المخطوفين وهم معصوبو الأعين يطلبون من الرئيس ذلك، لم يأت الفيديو بأى تعاطف مع الخاطفين، بل ازداد التعاطف مع المخطوفين واعتبر الفيديو إهانة للدولة المصرية، وهو بالفعل كذلك، لقد أكد أن الخاطفين يتصرفون باعتبارهم دولة أخرى، صار السؤال «هل يتحرك الجيش أم ينتظر الإشارة من الرئيس؟» والسؤال عن تحرك الجيش ليس فقط لأنه هو الجهة القادرة على إنقاذ المخطوفين، ولا لأن الجنود فى الأصل مجندون أو متطوعون، ولكن لأن سيناء لا تزال منطقة عسكرية أكثر مما هى منطقة طبيعية، وللجيش نفوذ ووصية على أغلب أراضيها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى حتى لا يتعرض الجيش فى حالة الصمت إلى أكبر إهانة يمكن أن تلحق به من النظام الذى يمكن أن يمنعه من ذلك. كان واضحا لكل من يفكر قليلا أن المفاوضات ستشغل أكبر مساحة من الحركة، رغم أن الكل يقول إنه لا مفاوضات، وحين تحرك الجيش أخيرا كان ذلك بمثابة إنذار يعنى أنه لن يتحمل المفاوضات أكثر من ذلك، أطلق الخاطفون الجنود المختطفين وسط الليل، وعلى أحد الطرق ألقوا بهم، ووجدهم أحد السكان وأخذهم وأطعمهم وأبلغ السلطات، وجاء الخبر الذى أسعد الجميع وهو إطلاق سراح المختطفين، لا أحد عرف هوية الخاطفين حتى ظهر اليوم الأربعاء الذى أكتب فيه هذا المقال، لا هويتهم ولا أسماءهم، ولابد أن ذلك سيعرف، فالذين أداروا المفاوضات يعرفون، وماذا سيحدث بعد ذلك معهم؟ لا أحد يعرف أيضا، وهنا السؤال الكبير هل سيتم التغاضى عما فعلوه؟ الرئيس قال فى خطبته العصماء بين الجنود فى مطار ألماظة إنه لا تسامح مع المجرمين، إذن هو مطالب أمامنا الآن بالقبض على من فعلوا ذلك حتى ينتهى كل حديث عن الصفقة التى تمت والتى بمقتضاها سيتم الإفراج عن المحكومين سابقا الذين أراد المختطفون إطلاق سراحهم، هل يمكن حقا القبض على من فعلوا ذلك؟ هل يمكن أن يتم ذلك منفصلا عن تطهير سيناء من كل خلايا الإرهاب الكامنة فى مغاراتها وبين جبالها. هذه الخلايا الإرهابية التى تتشدق بالجهاد ضد إسرائيل ولا تفعل أى شىء ضد إسرائيل، ولم نر منها إلا كل شىء ضد المصريين. الحقيقة أن إسرائيل هى الشماعة لكل إرهابى، حتى تنظيم القاعدة لم يقم بعملية واحدة ضد إسرائيل، شبعنا من الكلام ضد إسرائيل، كانت تسوقه النظم الديكتاتورية لتستبد بشعوبها ولسنا مستعدين لهضم هذا الكلام مرة أخرى على يد الإرهابيين الذين يسمون أنفسهم بالإسلاميين، إذا كان هذا النظام يريد أن يقنعنا بأى شىء فلتكن الخطوة القادمة هى إنهاء بؤر الإرهاب فى سيناء وسد كل المسالك إليها من الأنفاق وغيره وتحصين منطقة رفح من ذلك كله، فهى البوابة الأكبر للإرهابيين، يجب أن يثبت لنا النظام أنه لا يدخرهم ليوم يستخدمهم فيه بنفسه ضد الشعب، لكن الذى حدث أن الرئيس وجه الحديث إلى المعارضة للحوار، فى كل مناسبة يوجه الرئيس للمعارضة طلبا للحوار، ولا يستجيب الرئيس لأى مطلب للمعارضة، ولم تحدث أى فائدة من حوار سابق معه اللهم إلا التصوير فى القنوات التليفزيونية والصحف، حتى المعارضة فى أرقى أشكالها السلمية، حملة تمرد، يترك الرئيس وزارة داخليته تقبض على الشباب فى كل مكان، الرئيس يطلب من المعارضة الحوار بعد أن أطلق الخاطفون الجنود على الطريق، وكأن المعارضة هى التى كانت قد خطفتهم، المعارضة التى لا تستخدم أساليب الإرهابيين ولا تخطف أحدا، تتحدث وتوزع الأوراق وترسم الجرافيتى وتتجمع فى مظاهرات صغيرة أو كبيرة ترفع شعارات التغيير يطلب الرئيس حوارها كأنه هزمها فى معركته مع الخاطفين الإرهابيين الذين هم أقرب الناس إلى الأهل والعشيرة، وكل ما جرى أن أحدهم أو بعضهم اعتدى عليه فى السجن، أو حتى ظلم، وانتظروا من النظام القريب منهم غير ذلك، لم يدركوا أن النظام مشغول بالمعارضة السلمية وليس بضحاياهم إذا كان هناك ضحايا. الرئيس يطلب من أهل سيناء إلقاء السلاح، باعتبار أنه فتح بلادهم بالمفاوضات واستسلموا له، ويعرف جيدا أن السلاح الذى مع الإرهابيين ليس كما هو الحال فى بقية البلاد، لكن هناك مدافع وراجمات صواريخ وغير ذلك من الأسلحة الثقيلة لن يسلمها أصحابها أبدا إلا تحت حرب لا يقوم بها ولا يستطيع إلا الجيش المصرى، هذه المرة لن يستجيب أحد للمفاوضات إذا جرت لأن أصحاب هذه الأسلحة لديهم عقيدة دينية وقتالية وهم يعملون ليوم يسيطرون فيه على البلاد، من هم فى داخل سيناء ومن هم فى داخل مصر على الإجمال، الفارق أن من هم بداخل سيناء توفرت لهم فرصة الحصول على السلاح الثقيل، بينما لم تتوفر لمن هم فى عموم البلاد، انتهت قصة الجنود السبعة وابتعد الجناة عن المواجهة الآن، لكنهم لن يكفوا عن أعمالهم، وخطب الرئيس خطبته العصماء وبدأ الأهل والعشيرة يروجون لانتصارهم على الدولة الأخرى، دولة الخاطفين، ولا أعرف معنى الانتصار إلا على دولة وفى حرب، فما هو الانتصار والرئيس كان حريصا على الخاطفين والمخطوفين، أصبح الحرص على الخاطفين انتصارا، بينما هم ألقوا بالمخطوفين على الطريق بعد مفاوضات لابد سنعرف نتائجها فى الأيام القادمة، والسؤال الذى يجب ألا يضيع أبدا أبدا هو مادام الإفراج عن المختطفين تم بهذه السهولة، فما هى صعوبة العثور على الضباط الثلاثة وأمين الشرطة؟ وهو الأمر الذى صار لغزا كبيرا تدان فيه الدولة التى لا تستطيع استردادهم أكبر إدانة، أم أن الذ ى خطف هؤلاء أكبر من الذى خطف الجنود السبعة وأقوى وربما أعز؟ ومع هذه أيضا من الذى قتل الجنود الستة عشرة فى رمضان الماضى، ومادامت المفاوضات والتحركات العسكرية تأتى بنتيجة، فلماذا لا نصل إلى نهاية هذين اللغزين؟ من الذى يعطل ذلك؟ نجاح المفاوضات والتحركات العسكرية لا يجب أن ينسينا هذين اللغزين وهما معلقان فى رقبة هذه الدولة التى يقال إنها استردت هيبتها.
إبراهيم عبدالمجيد يكتب: هل خطفت المعارضة الجنود؟
الجمعة، 24 مايو 2013 05:49 ص