منتصر الزيات يكتب: سيناء.. مدينون لكِ باعتذار.. لغة القانون تبقى هى نموذج العدل الذى يطفئ نيران التطرف وأفكار الثأر الاجتماعى.. وحق المقبوض عليهم أن يعاملوا معاملة إنسانية

الخميس، 23 مايو 2013 05:32 م
منتصر الزيات يكتب: سيناء.. مدينون لكِ باعتذار.. لغة القانون تبقى هى نموذج العدل الذى يطفئ نيران التطرف وأفكار الثأر الاجتماعى.. وحق المقبوض عليهم أن يعاملوا معاملة إنسانية منتصر الزيات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عانت سيناء ولم تزل تعانى، مرارة الإهمال والتجاهل، يبقى لها فقط حق الذكرى مع موجة تفجيرات تدوى فى أماكن سياحية على النحو الذى جرى فى قرى دهب وطابا وشرم الشيخ منذ عدة سنوات فى أخريات زمن المخلوع.

نزلت أجهزة الأمن بخيلها ورجالها وقياداتها الخبراء، قامت بتمشيط المناطق الجبلية الوعرة وطاردت عناصر محسوبة على تنظيمات سلفية جهادية وأخرى تكفيرية اكتشفنا فجأة وجودها فى تلك المنطقة، تم القبض على آباء المطاردين وعلى نسائهم أيضا، اتبعت أجهزة الأمن ذات الأساليب التى انتهجتها سابقا فى المدن حيث القبض على الأقارب والنساء واتخاذهم رهائن لحين القبض على ذويهم، تم قتل كثيرين تحت لافتة طالما استخدمتها أجهزة الأمن آنذاك وهى «المواجهات المسلحة»، وتم الزج بأبرياء كثيرين داخل السجون والمعتقلات، انعقدت محاكمات استثنائية للمتهمين الذين تبقوا بعد قتل واغتيال المتهمين الحقيقيين الذين قضوا فى المواجهات المسلحة تلك، وصدرت بحقهم أحكام قاسية لا تمكنهم أو لا يمكنهم النظام القضائى المعمول به آنذاك بالطعن على تلك الأحكام.

فشلت أجهزة الأمن فى انتهاج أساليب تتماشى مع المناطق المحافظة فى الصعيد، التى تعتبر احتجاز النساء واقتيادهن شبه عرايا عارا لا يمحوه غير الثأر، وساقتنا فكرة الثأر الاجتماعى إلى اغتيال عشرات ضباط الأمن فى الصعيد فى فترة التسعينيات، ولست أنسى أبدا ذلكم الشاب ابن الفيوم الذى قتل المقدم أحمد علاء بمباحث أمن الدولة، ثم سلم نفسه بهدوء وهو يتمتم «الآن غسلت عارى» وقرر فى التحقيقات أنه قتل الضابط الذى اقتاد زوجته بملابس النوم!! وهو ما تكرر فى أسيوط مع الضابط «مهران» وغير هؤلاء فى أماكن مختلفة من صعيد مصر فى تلك الفترة أو الحقبة بالغة السواد.

قامت الثورة.. وقدم ذوو هؤلاء المتهمين «مراحم» أو تظلمات من تلك الأحكام القاسية التى لم ترع مواصفات المحاكمات العادلة أو المنصفة، قدمت وعودا لهؤلاء بدراسة موقفهم القانونى.. وحتى يوم الناس هذا لم يفد أحدا هؤلاء الأهالى أو الأقارب أو شيوخ القبائل فى سيناء بنتيجة الفحص، وهم يتابعون قرارات تصدر تترى بالعفو عن محكومين صدرت بحقهم أحكام فى زمن المخلوع من محاكم غير مختصة دستوريًا.

صحونا ذات يوم قريب على مشهد مروع من شهر رمضان، تم ذبح عدد من أبنائنا المجندين فى جيشنا الباسل كما تذبح الخراف، وانقضى عام تقريبا على ذلك المشهد الأليم دون أن نعرف من قتل أبناءنا ومن ذبحهم!! قام الجيش بهجوم واسع النطاق على جيوب الجبال والمغارات فى سيناء، لكنها لم تصل إلى الذين ارتكبوا الحادث، ثم فتر حماسنا كما هى العادة حتى استيقظنا على حادث آخر أو مشهد آخر هو اختطاف عدد من جنودنا المجندين فى قواتنا المسلحة ويخدمون على الحدود، ويعلن الخاطفون مطلبهم الأبرز المتمثل فى ضرورة الإفراج عن المحكومين السياسيين!!

بالتأكيد، لا أقدم تبريرا لما جرى من خطف لجنودنا أو تخفيفا لآثار الحادث، بقدر ما أردت التذكير بحماستنا المتكررة وتحركاتنا العاطفية، وفتورنا السريع.

من الأهمية بمكان أن نستجمع دائما المعطيات بكل موضوعية لنرصدها رصدا نزيها يمكننا من الوصول إلى نتائج صائبة، ليست دائما تفلح صيحات الحرب أو الدق على طبولها، فماذا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها كما قالت ابنة الصديق أسماء لابنها المغوار، ماذا يضير هؤلاء الخاطفين أن يوصموا بالإرهاب والتطرف، ماذا يضيرهم شتمهم بالخسة والنذالة وهم يعرضون أنفسهم لمخاطر شتى، وهم يدركون أنهم يدفعون حياتهم ثمنا لما يعتقدونه صائبا سائغا!!

دائما تبقى مثل هذه الصرخات أسهل شىء فى الموضوع، إطلاق الصيحات العاطفية المحرضة والانتقامية أمر سهل تجد كثيرين يتقنونه، لكن الأصعب أن تسعى لدراسة الموقف دراسة موضوعية من جميع الزوايا.

لم نختلف أبدا فى حق قواتنا النظامية سواء المسلحة أو الداخلية أن تبذل ما فى وسعها من أجل إطلاق جنودنا المختطفين، المهم أن يتم ذلك فى إطار جمعى وليس داخل إطار انتهازى لكل خصوم النظام!! أنا شخصيا لدىّ اعتراضات متكررة على النظام الحالى بات غير مخفىّ على الجميع، لكننا فى مثل هذا الموقف ينبغى أن نتوحد كأمة لمواجهة الأزمة، لا أن نتربص بالرئيس مرسى وإدارته!!

ثانيا: كان من رأيى أن يكون هذا التحرك للإفراج عن الجنود فى إطار القانون، ومن خلال مراعاة إطلاقاته وحسابات المواءمة فى مثل هذه الظروف، فلم نعد دولة طوارئ وما عاد نافذا قانون تلك الحالة التى تستدعى الأحكام العرفية، ومن ثمّ ينبغى أن يكون التحرك مسؤولا يستخدم التدرج الذى استلزمه القانون فى مثل هذه الحالة لتحرير المختطفين وإلقاء القبض على الخاطفين.

«العدل» هو اللغة التى كان ينبغى أن نستخدمها، وهو ما حدث لتحرير جنودنا.
إن لغة القانون تبقى هى نموذج العدل الذى يطفئ نيران التطرف وأفكار الثأر الاجتماعى، العدل الذى يمثل فى محاكمات عادلة أمام قضاء طبيعى، وأن نسمع أبناءنا الخاطفين حتى وهم وراء القضبان.

حق المقبوض عليهم فى معاملة إنسانية، حق المحبوسين فى كفالة حقوقهم القانونية داخل محبسهم، تقديم العلاج للمرضى منهم، تمكين الطلاب من استكمال دراستهم طالما أنهم محبوسون احتياطيا حتى تنتهى محاكمتهم بحكم قضائى نهائى بات.. هكذا تتعامل الأمم المتحضرة مع أبنائها المخطئين.

يا سادة.. قال أسلافنا المعاصرون: السجن تهذيب وتأديب وإصلاح وليس انتقاما، وما صنع التطرف فى نفوس شبابنا إلا الحيف والظلم والتعذيب واللاإنسانية.

لم تفلح أبدا «اللاءات» لا تفاوض ولا حوار ولا تفاهم فى حل أزمة التطرف والعنف فى بلادنا، فقط عندما لجأنا إلى الحوار نجحنا، فهل نحن قادرون على النظر فى مشكلات سيناء الاقتصادية والأمنية والاجتماعية؟





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة