ليس عجيبا ولا غريبا أن ننشغل عن هذا الموضوع المهم، فنحن مشغولون "لشوشتنا" ومستغرقون فى ملهاتنا بالرغيف الجديد وسنبلة القمح، ومختلفون فى مظاهرات نملأ بها أوقات فراغنا الطويل، منشقين حول تمرد وتجرد، بينما انشغل غيرنا فى جمع المليارات من خلافاتنا ومعاركنا العربية، التى انشغل حكامنا أيضا بالدفاع عن عروشهم التى يزدادون التصاقا بها عاما بعد عام.
الموضوع باختصار أن القلب الأمريكى الرءوف الحنون بان وانكشف، وظهر أنه قلب مثل كل قلب بنى آدم الشاطر الحدق المدقدق الذى يريد المكسب ولا يريد الخسارة، ويهبط على الصعيدى فيبيع له الترماى، ولكن الحق يقال أن قلب الأمريكى لا يبيع الغش، وإنما يبيع كل ماهو متقن وجديد وحديث ومبتكر، خاصة لو كان سلاحا يدمر ويحرق ويقتل ويفنى، وهذه ليست مشكلته، فهو يبيع لك السلاح ،تستخدمه أو لا تستخدمه هذا ليس من شأنه، ولكن العار هنا هو سر شغف أمريكا باستمرار الحروب، خاصة التى تثيرها بعيدا عن ملعبها، وهذا السر بعيد كل البعد عن مهام الهيومان رايتس وأشعارها عن السلام والوئام بين البشر والصلح والتسامح، لكن السر قريب كل القرب من قول الفنانة الراحلة مارى منيب: "طوبة على طوبة خللى العركة منصوبة".
لم يعد هذا سرا فقد أعلنه صراحة موقع "بوليتس" الفرنسى، وهو أن تكالب الدول الكبرى على بيع السلاح هو السبب الرئيس فى استمرار أزمات إيران وسوريا وكوريا، فهى دول مسيطرة على مبيعات السلاح فى العالم وتريد زيادة مبيعاتها، وتتظاهر بالمفاوضات من أجل إيقاف الحرب بالدبلوماسية بينما هى فى الحقيقة تؤججها وتشعل لهيبها، لأن انتهاء الحرب يعنى إفلاسها وركود بضاعتها، ولا مانع أبدا من موت الآلاف نظير هذا الدخل الهائل من مكاسب بيع السلاح.
فى حرب الخليج الأولى التى تكلفت أربعين بليون دولار أمريكى، من أجل تحرير الكويت.. هذا ما تعتقده عزيزى القارئ وهذا ما كنت أنا وغيرى نعتقده، من محبى السلام والوئام وكارهى الطغيان، لكن الحقيقة الصادمة إنها حرب اصطنعتها الأيادى الماكرة التى همست فى أذن الثور الأحمر أن الثور الأبيض سيلتهمها ويغتصب أرضها، والتقط الثوران الطعم، وفازت بائعة السلاح الأولى فى العالم، فإذا صح أن أمريكا أنفقت هذا المبلغ الهائل لتحرير الكويت فهى عاشقة للعروبة، ولكن الاتفاق، ركز معى قليلا، كان أن تدفع أمريكا الربع ويدفع العرب، السعودية والكويت، الباقى، تمام؟ تمام.. وكان سعر البترول قبل الحرب لا يتعدى خمسة عشر دولارا للبرميل، ارتفع بعد الحرب بجنون فوصل اثنين وأربعين دولارا للبرميل الواحد، فأنتج أرباحا إضافية قدرها ستين بليون دولار، وتقاسمت الأرباح بالطبع الحكومتان السعودية والكويتية مناصفة مع الشركات العاملة بالنفط، وهى شركات أمريكية خاصة (تسعة بليون دولار) وخمس شركات حكومية أمريكية (21بليون دولار)، وقد كلفت الحرب السعودية والكويت 30 بليون دولار أسلحة، وربحوا 30 بليون دولار من الزيت، فالمحصلة صفر، بينما كلفت الحرب أمريكا 10بلايين دولار، وربحت 21 بليونا من البترول، أى أن صافى ربحها من البترول كان 11 بليون دولار. وصافى ربح القطاع الخاص الأمريكى 9 بلايين دولار، حيث لم يتكلف شيئا فى الحرب أى أن دخل أمريكا من الحرب الإجمالى هو 30 بليون دولار..
أضف إلى ذلك ربحها من قيمة أسلحة أمريكية بمبلغ 30 بليون دولار.فتكون النتيجة مكسب ستين بليون دولار داخل الخزانة الأمريكية من حرب الخليج.
وفى ليبيا قاد الناتو لهيب الحرب فى ليبيا التى انتهت بقتل زعيمها، وكانت تكاليفها باهظة جدا، فقد بلغت تكلفة ساعة الطيران وحدها أربعين ألف دولار، بخلاف معدات الطائرة وأسلحتها، لذلك فإن ساعات الطيران وحدها تكلفت جميعها 12 مليار دولار، علاوة على تكلفة الصواريخ والمعدات من قبل البنتاجون وبريطانيا وفرنسا، دفعتها ليبيا "على داير المليم" والباقى بعلاقات تجارية وتعاقدات تجارية كبيرة لمرحلة البناء، وحصص بترول بالطبع.
أما فرنسا فقد تكلفت حربها لمسلمى مالى مائة مليون يورو فى شهرها الأول، ولم يكن حرب الإسلاميين هدفها الوحيد، لكن عجز ميزانيتها جعلها تهدف أيضا إلى ذهب مالى الذى تحتل فيه المركز الثالث عالميا، ومعادنها خاصة اليورانيوم، والرصاص والنحاس والرخام.
ولكن ما مصلحة أمريكا فى حرب سوريا؟
لاشىء.. بل روسيا..
هنا يلعب الدب الروسى دور تاجر السلاح الأمريكى، فقد قامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن عندما نما إلى علم إسرائيل بيع روسيا لسوريا صواريخ إس300 فسافر نتنياهو لموسكو طالبا وقف الصفقة، ثم أوفد رئيس الوزراء البريطانى كاميرون لكن دون جدوى فقد وصلت الصواريخ سوريا.
واشتد خوف إسرائيل لأن هناك خلف الستار طائرات روسية وصينية تباع لإيران، ومنها إلى سوريا، بينما السعودية، التى تهادن سوريا، حصلت على طائرات متطورة من أمريكا نصبتها فى تبوك وتخشى إسرائيل وصولها كذا إلى سوريا.
فهل تحاول أمريكا إيقاف الحرب فى سوريا لعدم وجود مكسب لها أم أن مكاسب بيع السلاح الروسى والصينى ستعمل على مد الحرب لفترة أطول وحتى آخر مليم فى جيب سوريا وإيران؟.
هل تجدى إذن تهيؤات الهيومان رايتس عن الحرية والمساواة بين خلق الله وتنزعج وتملأ الدنيا صراخا عن حرية المرأة فى قيادة سيارة وهى ترى ملايين البشر غارقة فى شرور سلاح دول العالم المتحضر الذى لن يشبع دماء؟ أم أن حقوق الإنسان مجرد وهم تصنعه أمريكا ليعيشه العالم الثالث، ويغرق فى أحلام يقظته وأمانيه الخادعة فى مستقبل بنعم فيه بلقمة عيش وكوب ماء نظيف؟ أم أن الأيادى الأمريكية الإخطابوطية المريضة بالشيزوفرينيا تمتد أحداها فتمسك بوردة بينما تلتف أخرى حول العنق لتقتل، يد تغرس الخنجر وأخرى تطبطب، يد تلعق الدم وأخرى تسيله، يد تبيد وتقبض الثمن وأخرى تتبرع بسنتات لضحاياها وهى تبتسم، هادئة مطمئنة، لخزائنها المليئة؟..
وإذا كانت الحرّة تجوع ولا تأكل بثدييها، فإن أمريكا والغرب كافة لا يجوعون، وإنما يملأون أمعاءهم، سيان عندهما بثدييهما أو بغيرهما، ليملأوها بلحوم قتلى البشر ويثملون بكئوس دمائهم. فهل تقع مصر ضحية لتجار السلاح وتكون زبوناً "سقعا" لدى سوق الطوبة طوبة؟
على رمضان يكتب: استمرار الصراعات بالمنطقة والمستفيد الأكبر
الخميس، 23 مايو 2013 04:07 م