هل هناك أزمة فى الخطاب السياسى بعد الثورة؟. أنا اعتقد بوجود هذه الأزمة. والإقرار بوجودها لا ريب أنه يمثل جزءاً من حل المشكلة. ولكى ندرك هذه الأزمة لابد من تحليل
الخطاب إلى عناصره الأولية. والعناصر الأولية للخطاب هى ثلاثة عناصر..
الأول: هو المُخاطِب وهو الشخص الممارس لفعل الخطاب ومصدر الرسالة.
الثانى: المُخَاطَب وهو الشخص المستقبل للخطاب ومتلقيه والمتفاعل معه والمنفعل به.
الثالث: الخطاب وهو الرسالة التى يرغب المُخاطِب فى نقلها إلى المُخاطَب. وأى عطب أو خلل يصيب أى من هذه العناصر الثلاثة لا ريب أنه سيؤثر سلباً على الخطاب. ومن ثم تكون هناك أزمة فى الخطاب السياسى. يترتب على هذه الأزمة خلل فى التواصل المجتمعى بالضرورة لغياب اللغة المشتركة وغياب الرؤية المشتركة، وغياب الهدف المشترك.
ولو أمعنا النظر فى العنصر الأول وهو المُخَاطِب لوجدنا أنه ثلاث فئات، الفئة الأولى وتتمثل فى عناصر الحزب الوطنى المنحل، حيث دخل بعضهم السجون، والبعض الآخر اعتزل الحياة السياسية طوعاً أو كرهاً. الفئة الثانية وتتمثل فى شباب الثورة وبعض القوى المدنية وهى فئة تفتقر إلى المعرفة والخبرة السياسية نتيجة التجريف الذى طال الحياة السياسيـة
قبل الثورة. وتهميش الأحزاب السياسية وتحويلها إلى أحزاب كرتونية تلعـب دور الكومبارس دون أن تتخطاه وإلا تجمدت أو فجِّرت من الداخل أوتم ملاحقة أعضائها أوكل
ذلك دفعة واحدة.
مع الأخذ فى الاعتبار أن الأحزاب هى مدارس تربية الكوادر السياسية التى تنزل بالمعرفة السياسية الأكاديمية من مستواها النظرى إلى مستوى التطبيق والاختبار على محك التجربة الواقعية.
فإذا غابت الأحزاب غابت معها التربية السياسية
بشقيها النظرى والتطبيقى، وتصدر المشهد أصحاب المراهقة السياسية أو أصحاب المعرفة الأكاديمية المترفعة، أما الفئة الثالثة فهى فئة دخلت فى صدام مع مؤسسات الدولة، بالحق أو بالباطل أو بخليط منهما، وخلطت ما بين الخطاب السياسى والخطاب الدينى. هذه الفئة طوردت من مؤسسات الدولة نتيجة تبنيها لخطاب متطرف فى الدين والسياسة معاً من ناحية، وعدم وجود رغبة من النظام فى مزاحمة هذه الفئة له من ناحية
أخرى، وأُدخلت السجون أو أُجبرت على ممالئة النظام. هذه الفئة وكنتيجة منطقية لما تعرض له أفرادها حدثت لهم تشوهات نفسية وفكرية أثرت على سلامة صحتهم النفسية.
ولذا فإنهم فى حاجة إلى مرحلة استشفاء وإعادة تأهيل حتى يسهل عليهم الانخراط فى الحياة بصورة طبيعية. وكما نرى فإن الثلاث فئات التى ينطوى عليها العنصر الأول فيها خلل يحول دون قيامهم بآداء دورهم السياسى على النحو المرغوب فـيه بالكفاءة والفاعلية المطلوبة حتى يتسنى لهم قيادة العـمل السياسى والعمل العام كرجال دولة ورجال سياسة.
ولمعالجة هذا الخلل يتوجب النظر بجدية إلى أن الفئة الأولى والثالثة فى حاجة إلى إعادة تأهيل نفسى، ثم التدريب وإعادة الانخراط فى المجتمع الجديد على أسس جديدة يتبناها المجتمع كخيارات استراتيجية.
أما الفئة الثانية فهى فى حاجة إلى الانخراط
فى النشاط الحزبى لاكتساب المعارف السياسية فى اختبارها على محك التجربة الواقعية المعاشة الحية، حتى يتسنى لهم قيادة لغة الخطاب السياسى الناضج على نحو يتيح قيادة الرأى العام وتوجيهه الوجهة الصحيحة، وتصدر المشهد السياسى وقيادة العمل العام.
وللحديث بقية...
حسن زايد يكتب: أزمة الخطاب السياسى بعد الثورة "1"
الخميس، 23 مايو 2013 08:56 ص