تحرير الجنود السبعة ليس نهاية المطاف، فالمؤكد أن هناك إشكاليتين رئيسيتين تواجه الأمن القومى المصرى على الحدود الشرقية، إشكالية أولى قديمة جدا وكثر الحديث فيها إلى درجة أننا مللنا من ترديدها، والثانية أمر جديد طرأ علينا بعد الثورة.
أما الإشكالية الأولى القديمة، فتتعلق بعملية إعمار وتنمية قطاع سيناء بشكل كامل، فلا يعقل أن هذه المساحة الكبيرة من مصر يتم إهمالها بهذا الشكل لدرجة أن الفترة الماضية بدأت تشهد مجموعة من الشائعات التى تذهب فى اتجاه استغناء مصر عن سيناء للإخوة الفلسطينيين، وهى حتى الآن شائعات راج لها فى ظل الأجواء السياسية الملبدة بين المعارضة ومن يحكمون البلد الآن.
إن عملية إعمار وتنمية سيناء كانت ولا تزال الحلم الذى يراود الجميع، وإذا ما عدنا إلى كل الوعود الانتخابية سواء قبل أو بعد الثورة سنجد أنها كانت القاسم المشترك بين الجميع، فى محاولة لاستمالة أهالى سيناء، لكن فى النهاية نصل إلى لا شىء.. وهذا اللا شىء هو الذى أوقعنا فى مأساة اختطاف جنودنا فى سيناء، ومن قبلها استشهاد 16 جنديا فى نهار شهر رمضان الكريم.. وسيوقعنا فى مآس أخرى ربما تكون أشد وطأة إذا لم نكف عن الكلام ونبدأ بالعمل الفعلى فى تعمير سيناء وتنفيذ خطة قومية ووطنية لتعمير هذا الجزء الهام من مصر، بإنشاء مدن سكنية تستوعب الملايين فضلا عن مناطق صناعية يتم ربطها بمحور تنمية قناة السويس.
الإشكالية الثانية والتى لا تقل خطورة عن الأولى كونها لا ترتبط بسيناء فقط، وإنما بمصر عامة، فتتعلق بالعقيدة الأمنية لوزارة الداخلية، فمنذ ثورة 25 يناير تواجه الشرطة المصرية أزمة داخلية مظهرها الأساسى أنها حتى الآن لم تستطع تحديد عقيدتها الأمنية، فقبل الثورة كانت عقيدة الأجهزة الأمنية فى مصر واضحة، فالولاء للسلطة، والعداء للجماعات الإسلامية سواء المتطرفة أو التى اختارت الطريق السياسى مثل جماعة الإخوان المسلمين، لكن بعد الثورة وفور وصول الإخوان المسلمين للحكم، وصعود أسهم السلفيين وإفساح الطريق أمام شخصيات كانت توصف فى الماضى بالإرهابية لكى تتبوأ مقاعد برلمانية أو حزبية، كل هذه الأمور أربكت الأمن المصرى وجعلته غير قادر على ضبط إيقاعه، فهو لا يعلم إذا كانت ملاحقته لمجموعات إرهابية فى سيناء أو محافظات أخرى، سترضى الإخوان والسلفيين أم ستغضبهم، لأنه لا يعرف درجة الارتباط بين الجهتين، كما أن جهاز الأمن الوطنى الذى حل مكان أمن الدولة يبدو أنه يعتمد على ضباط قليلى الكفاءة، كما أنه محروم حتى الآن من قاعدة البيانات التى كانت متوفرة عن التنظيمات الإسلامية فى الماضى، مما جعلهم مثل التائهين وسط مسرح كبير يحاولون الوقوف فى وسط المسرح حتى لا تنالهم النار المنتشرة على جنباته.
تلك هما الإشكاليتان التى يمكن تلخيصهما من أزمة اختطاف الجنود المصريين التى لن تكون الأزمة الأخيرة إذا لم نبدأ عمليا فى إعمار سيناء، فضلا عن تحديد الداخلية لعقيدتها الأمنية وأن تفرق بين الجماعات الإرهابية التى تهدد أمن مصر وبالتالى يجب استئصالها وبين من يحكمون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة