"تنتهى كافة الجهود التى تبذلها الحكومات للتحكّم بالإعلام الاجتماعى إلى الفشل، حيث أدّت التغييرات الدراماتيكية فى عالم من الأخبار والاتصالات إلى تشكيل دوائر جديدة من الرأى العام، تجبر الحكومات على أخذ آراء الأفراد بعين الاعتبار؛ أقر بذلك الخبراء المتحدّثون فى جلسة الإعلام الرقمى ضمن منتدى الدوحة اليوم الأربعاء.
وقالوا أيضا إن فقّاعة الإعلام الاجتماعى تنطوى على تحدّيات لوسائل الإعلام التقليدية وأيضاً لأخلاقيات المهنة، حيث غالباً ما يكون هناك تدفّق فى المعلومات عندما يكون من الصعب حقاً التمييز ما بين الحقيقة والإشاعة والتحريف، وعندما يكون من السهل أن تصل معلومة خاطئة أو مغرضة إلى ملايين الأشخاص فى غمضة عين.
ورأى فيليب سيب، السفير الأمريكى السابق ومدير مركز الدبلوماسية العامة: "أنه عندما نتحدّث عن الإعلام الاجتماعى، ونصل إلى كلمة "تمكين"، لا يمكننا تجاهل أنّ الحراس التقليديين لبوابات المعلومات، أى الحكومات بشكل رئيسى، تمّت إزاحتهم"، مضيفاً: "يتوقّع الناس اليوم تدفّقاً مباشراً للمعلومات، ويتوقعون أيضاً المشاركة فى النقاش. إنها عملية أشبه ما تكون بإعادة كتابة العقد الاجتماعى فيما يتعلّق بالتواصل".
وتابع أنه منذ تأسس فى 2006، استقطب تويتر، أحد أبرز وسائل التواصل الاجتماعى، أكثر من 500 مليون مستخدم مسجل بحلول 2012، يقومون يومياً ببث أكثر من 340 مليون تغريدة؛ فى حين اجتذب فيس بوك، الذى تأسس فى 2004، حوالى 1.1 مليار مستخدم. أما موقع يوتيوب، والذى يسمح للمستخدمين بتحميل ومشاهدة ومشاركة مقاطع الفيديو، فهو لا يتطلب حتى التسجيل من المشاركين.
وأضاف أن الهواتف المحمولة تسرّع مزيداً من ثورة الإعلام؛ فبحسب سيب: "هناك حالياً 7 مليارات شخص فى العالم، و6 مليارات رقم هاتف محمول قيد الاستخدام. معظم هذه الهواتف ليست غالية الثمن، وهى ببساطة للاتصالات الهاتفية والمحادثات النصية، ولكن مع حلول 2020، ستكون جميع الهواتف المحمولة المتوفرة هواتف ذكية". وأضاف: "يمكنكم أن تفكروا ما الذى سيعنيه ذلك من حيث قدرة الأشخاص على الاتصال بالإنترنت فى أى وقت وأى مكان حول العالم".
وتابع السفير الأمريكى السابق: "لقد لعبت هذه الثورة الإعلامية دوراً فى تمكين الأفراد من تنظيم الاحتجاجات خلال الربيع العربى، منذ عامين"،. "جميعنا نعلم أن الإعلام الاجتماعى ساهم فى ثورات 2011. إن المثل الأوضح على هذا هو صفحة "كلنا خالد سعيد" على الفايسبوك" "؛ فى إشارة إلى خالد سعيد، الذى توفى على يد الشرطة المصرية فى 2010 وأثار غضب المصريين ودفعهم لحشد تحرك فى الشارع.
وأوضح أن ذلك يظهر أنه يمكن توسيع نطاق التواصل وبناء شبكات، مع أهمية الإدراك المستمر لأن الإعلام الرقمى هو مجرد أداة. لا توجد "ثورة فايسبوك" – إنها فقط "ثورة مصر" أو "ثورة تونس".
كما أشار سيب إلى الاحتجاجات المناهضة لأمريكا، والتى اندلعت حول العالم العام الماضى بسبب فيلم معادٍ للإسلام قام بإعداده مصرى مقيم فى الولايات المتحدة الأمريكية قائلا: "لقد أظهرت هذه الاحتجاجات القوة الخطيرة للإعلام الجديد. لقد انتشر كالفيروس من خلال اليوتيوب وغيره من الوسائل".
وأضاف: "لقد أظهر قوة انتشار المادة الإعلامية بنشرها على يوتيوب ونشرها من خلال تويتر وفيس بوك. تخيلوا لو أنّ ذلك حصل منذ عشر سنوات مضت، لم تكن هناك هذه الوسائل؛ ربما لم نكن لنسمع عنه وبالطبع لم تكن الأمور لتصل إلى ما وصلت عليه اليوم".
ولفت مشاركون آخرون إلى أن هذه القوة تمثّل تحديات للإعلام التقليدى، فقد ذكر سعود حيدر، وهو أحد كبار المحللين لشبكة الإنترنت فى قسم الإعلام الجديد فى شبكة الجزيرة الإخبارية إن ذلك تحدٍ كبير. فالجمهور شبه استهلك المحتوى الرقمى تماماً، وغالباً ما يكون من الصعب التأكّد من مصداقية المحتوى المنشور على المصادر والمواقع الإلكترونية الإخبارية، وفى طليعتها يوتيوب، مما يفاقم من الصعوبة، خاصة فى حالة النزاع السورى، حيث يستخدم الطرفان مقاطع الفيديو المصوّرة بالهواتف المحمولة لنشر صور الانتهاكات والفظائع الإنسانية، وحيث إن "جودة معظم هذه التسجيلات لا تكون جيدة"، بحسب حيدر.
بدوره تحدّث محمود علم الدين، وكيل كلية الإعلام فى جامعة القاهرة، عن أنّ السلطات المصرية مؤخراً تلقّت إنذاراً حول هجوم إسلاميين على كرسى الكنيسة القبطية فى القاهرة من خلال الفيس بوك. وقال: "يمكن أن تنتشر الطائفية بكلمة على الفيسبوك، وإن المخاوف تتزايد من الإعلام الاجتماعى.
وركّز محمد أحمد فياض، المستشار الإعلامى فى مركز البحرين للدراسات الشرقية، فى حديثه على هذه المخاطر، قائلاً إن استخدام الإعلام الاجتماعى يجب أن يترافق مع المسؤولية: "جميعنا نعلم أن الإعلام هو الوجه الآخر للسياسة فى الحكومة، ولكن اليوم أصبح الإعلام الاجتماعى والرقمى الوجه الآخر للدبلوماسية، وهى دبلوماسية شعبية، كل مواطن أصبح سفيراً لهذه الدولة، حتى وإن لم يكن سفيراً رسمياً"، فى إشارة إلى أن المواطنين اليوم غالباً ما يجدون نفسهم يتحدثون مباشرة مع مسؤولين حكوميين عبر الإنترنت.
وأضاف فياض: وفى البحرين بعد أن لجأت الجماهير المعارضة والمؤيدة للحكومة إلى تويتر بشكل كبير، بعد سحق احتجاجات الربيع العربى فى 2011، انخرط بعض من القياديين المعارضين فى مداعبات علنية مع مسؤولين رسميين من مثل وزير الخارجية البحرينى.
ورأى المستشار الإعلامى أيضاً أن مالكى منصات الإعلام الاجتماعى، من مثل المواقع الإلكترونية والمنتديات، قد تكون لهم دوافع أخرى قائلا: "فى ظل الأرباح الهائلة لمالكى الشبكات الاجتماعية، فإنهم جزء من لعبة خطرة. وهم راغبون بتغيير قواعد اللعبة بحسب من يدفع أكثر. بعض وسائل الإعلام الاجتماعى تستخدم للتعبير عن الآراء وقد تحاول أن تغير قواعد الرأى بحسب اتجاهات مصالحها".
وقد اعترض أحد الحاضرين على هذا الرأى، قائلاً إن هذا يمثّل عقلية تقليدية تشابه عقلية الأنظمة التى أطيح بها فى مصر وتونس.
وقد أقرّ معظم المتحدثين بأنّ الإعلام التقليدى قد يتكيّف مع الإعلام الجديد الرقمى، وأن هناك قيمة مهمة فى التحقّق من مصداقية الأخبار فى المصادر الإخبارية المختلفة، خاصة المعروفة منها والتى لها جماهير كبيرة، وفى الأخبار التى تنتشر بداية عبر وسائل التواصل الاجتماعى. وقد ألغت مجلة نيوزيوك العام الماضى نسختها المطبوعة واعتمدت الرقمية بشكل مطلق.
وقال عاطف السعداوى، بمجلة الديمقراطية الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى القاهرة: "لقد لجأ موقع وول ستريت جورنال إلى الاشتراكات المدفوعة على الشبكة، وقد ارتفع عدد المشتركين فيه لأن المحتوى الذى يقدّمونه عالى المستوى والجودة."
خبراء الإعلام فى منتدى الدوحة: الإعلام الجديد "أعاد كتابة العقد الاجتماعى".. و"الطائفية" يمكن أن تنتشر بكلمة على الفيس بوك".. والحكم على مصداقية المقاطع المنشورة على "يوتيوب" ليس سهلاً
الأربعاء، 22 مايو 2013 06:59 م