* النبى "موسى" ترعرع داخل البلاط المصرى و"سليمان" تزوج من ابنة الفرعون
*الأساطير المصرية أثرت على التفسيرات والمعتقدات العبرانية
*علماء اللاهوت والمختصون فى علوم المصريات تغافلوا عن كشف التأثيرات المصرية القديمة فى رواية التوراة
يكشف جارى جرينبرج، والذى يعمل كمحام فى مدينة نيويورك وكرئيس لمجتمع علوم الآثار الإنجيلية فى نيويورك، فى كتابه "101 أسطورة توراتية" كيف ابتدع الكتبة القدماء التاريخ التوراتى، ويعرض للجوانب العديدة لتطور التاريخ التوراتى، من هيئته الأولى وحتى شكله الحالى، وكيف حدوث ذلك، ويتناول الكتاب والذى قامت المترجمة دينا إمام بنقله للغة العربية، والصادر عن دار العين للنشر، قصص العهد القديم بالفحص والتمحيص، لإظهار الطابع الأسطورى لهذه الروايات، ويحاول الكتاب أن يبسط العديد من الفرضيات التى يتفق على صحتها معظم علماء اللاهوت، إلا أنه يعرض فى العديد من الحالات الأخرى وجهات نظر جديدة تجاه بعض الأمور المحيرة التى لم يبحثها المجتمع الأكاديمى بشكل جيد بعد، لينصب اهتمام البحث بشكلٍ خاص على إظهار التأثير العظيم للأساطير والكتابات المصرية القديمة على التاريخ المبكر للعهد القديم وهو الأمر الذى تك تجاهله.
ويقول الباحث: يلجأ البشر لقراءة الكتاب المقدس "the Bible" لأسباب شتى، فبعضهم يبحث عن الهدى والرشاد فى حكمه المبطنة، وبعضهم يسعى لتذوق فنه الأدبى الذى يعد من أجمل ما كتب فى السرد والشعر المرسل، ولم يزل البعض الآخر يرى فيه صورة من صور التاريخ المكتوب عن أصل جذورنا الحضارية، فيما يرنو له الكثيرون لتبصر أحوال حضارات غابرة ومطالعة حياة شعوبها، لكنه يظل بالنسبة للملايين، كلمة الرب المعصومة من الخطأ، التى يجب إطاعة وصاياها بكل تقوى، والتى لابد لتعاليمها أن ترشدنا لتنظيم مجتمعنا، مع ذلك فهناك من يدرسون علوم الكتاب المقدس لأهداف بحثية ترمى لتحديد شخصيات كتبته، وعصور كتابته وما فيه من وقائع حقيقية وكيفية تحولها للشكل الحالى، بالنسبة لهؤلاء تبدو تلك المهمة كأنها مجموعة معقدة من الأحاجى التى يبقى معظمها مستغلق على الحل.
ويوضح الباحث أنه لكى يقوم بإظهار الطابع الأسطورى لهذه الروايات، فقد قام بتقسيم القصص لثلاث فئات، أولها وهى عبارة عن عدد من الروايات المتناقضة التى جمعها من التوراة، ولم يكتف فقط بإظهار التباينات الظاهرة، وإنا قام بشرح كيفية نشوء هذه التباينات، وما القصة من وراء هذا التباين؟ تلك التى عكست فى العديد من المرات الشقاقات والحروب السياسية التى نمت بين مملكتى "يهوذا" و"إسرائيل"، وفى مرات أخرى جاءت نتيجة لإحلال قصة جديدة مكان قصة أقدم، ويظهر هذا بوضوح فى قصتى "الخلق" و"الطوفان"، حيث تتعارض الروايات المصرية المنشأ مع الروايات البابلية والتى ظهرت فى وقت لاحق للروايات المصرية.
أما الفئة الثالثة، فكانت لتلك القصص وثيقة الصلة بروايات مبكرة، وقد بحث عنها بين الأساطير والخرافات الواسعة الانتشار فى الحضارات المجاورة، وإن كانت هذه التأثيرات قد أظهرت بجلاء أحيانًا، كما هو الحال فى أسطورة "الطوفان البابلي"، فهى صعبة التبيان فى أحيان أخرى، وذلك بسبب تشدد كتبة التوراة فى منظورهم التوحيدى للديانة اليهودية، إذ محوا كل الرموز الملازمة للآلهة غير العبرانية من تلك القصص، كذلك حولوا الآلهة الوثنية إلى شخصيات بشرية، وفى أحيان أخرى قاموا باستبدال الأماكن الجغرافية للأساطير الأصلية. ويوضح "جرينبرج" أن هذا الأسلوب نجح فى إخفاء حقيقة أصل القصة التوراتية، مما صعب عملية اكتشاف الأصل الأسطورى لها، إلا أن كتبة التوراة غالبًا ما ارتبكوا أخطاء فى الرواية أظهرت بعض الدلائل على هذا الأصل الأسطوري، فبقيت إمكانية تجريدها من هذا الغموض.
أما الفئة الثالثة، فهى تلك القصص المستحلية الحدوث، وفى هذه الحالة فقد انصب تركيز الباحث على المعلومات المستقاة من الأبحاث الأثرية، التى تشير لوقوع هذه الأحداث المذكورة فى "العهد القديم"، بصفتها أحداثًا حقيقة جرت فى زمنٍ بعينه، تضمنت العديد من هذه القصص وصفًا لتدمير مدن من تلك المعادية لـ"إسرائيل" فى خضم الحملات العسكرية الإسرائيلية فى منطقتى الأردن وكنعنان، وأشارت الدلائل الأثرية إلى عدم وجود هذه الأماكن فى عصر موسى ويوشع، وفى هذه الفئة، فقد قرر الباحث تجنب القصص الإعجازية الطابع، إذ أن الطرح الإعجازى خرق واضح لقوانين الطبيعة، فكما يقول "جرينبرج": فإذا قلت لى إن قصة الخلق فى سبعة أيام ضرب من الإعجاز الذى أرفضه على هذا الأساس، سأكون محقًا فى رفضي. إلا أن إدراج مثل هذه القصص ومناقشة منطقيتها من عدمه لن يكون بذى جدوى، فبالنسبة للمؤمنين ستكون هذه النقاشات بلا طائل يذكر، على حين أن الوعظ المتضمن واضح بما فيه الكفاية لغير المؤمنين بمنحاها الإعجازي، مما يسلب عملية تفنيدها أى قدر من الإثارة والتشويق.
ويوضح "جرينبرج" أنه لمن سوء الحظ أن تغافل علماء اللاهوت والمختصون فى علوم المصريات عن التأثيرات المصرية القديمة فى رواية التوراة، بحيث يظهر لنا وجود جهد واعٍ ومتعمد فى الفصل بين الدائرتين، إذ أمضى بنو إسرائيل سنوات نشأتهم وتكوينهم فى مصر حيث تقمصوا أسلوب الحياة المصرية وأفكارها لعدة قرون قبل الخروج. ويشير الباحث إلى أن "العهد القديم" يذكر أن يوسف عمل كرئيس وزراء مصر، كما تزوج من ابنة كبير كهنة هليوبوليس (مدينة أون كما جاء فى التوراة) ولقد كانت هليوبوليس أحد أهم المراكز الدينية فى مصر ومن أكثرها تأثيرًا، أما ابنا يوسف فكانا إفرايم ومنسه، وبطبعية الحال كان نسبهما نصف مصري، وكان تعليمهما مصريًا، ولقد صار "إفرايم" خليفة لـ"يوسف" ومؤسس مملكة إسرائيل، فى حين أصبح سبط "منسه" صاحب أوسع الحدود السياسية بين أسباط "إسرائيل".
ويذكر أيضًا أن "مرسي" ترعرع داخل البلاط المصرى وحمل من أفراط سبطه المدعو "لاوي" أسماء مصرية، وتزوج "سليمان" من ابنة فرعون وشيد لها معبدًا فى "القدس" حوى كما هو بديهى فيضًا من الكهنة وخدام المعبد من المصريين، وعندما فر "يربعام" من "إسرائيل" هربًا من غضب "سليمان" لجأ إلى مصر قبل أن يقود إسرائيل للانفصال عن "يهوذا".
ويشير "جرينبرج" إلى أنه تاريخيًا كان لـ"مصر" تأثير قوى على "كعنان" من قبل زمن "الخروج" وحتى أواخر الألفية الأولى قبل الميلاد، ولقد عثر سبيل المثال على ختم من القرن الثامن قبل الميلاد يعود لأحد المسئولين العبرانيين من داخل بلاط الملك "هوشياع" الإسرائيلى عام 730 ق . م يظهره مرتديًا المئزرة المصرية وفوقه الأيقونة المصرية المجنحة التى تحمل دلالة واضحة على قوة التأثير المصرى على البلاط فى مملكة إسرائيل، وفيما نتصفح قصص "الخلق" و"آباء إسرائيل" المؤسسين نرى أيضًا كيف هيمنت الأساطير المصرية على التفسيرات والمعتقدات العبرانية فى تاريخها المبكر، تلك التأثيرات تعود بنا للتساؤل عن أصول المعتقدات التوحيدية لدى العبرانيين. فكيف ومتى وأين نشأت تلك المعتقدات؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة