استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية على مدار قرنين من الزمان أن تصبح قوة عظمى، بل وتنفرد بزعامة العالم وتسيطر على زمام الأمور، وأن تتسيد الجميع بفضل التقدم الهائل فى شتى المجالات العلمية والاقتصادية والعسكرية، كما أن المدنية والرفاهية التى ينعم بها الشعب الأمريكى لم تأت من فراغ أو عن طريق المصادفة، وإنما عن طريق الاجتهاد والجد فى العلم والعمل وعن طريق النظام واحترام القوانين.
ومن أجل ذلك، وصفت بأنها "أرض الأحلام" وأصبحت بمثابة حلم وأمل يراود كل متطلع وطموح سواء كان من المشرق أو من المغرب للحصول على فرصة العيش هناك كإجازة مرور إلى العالمية والتمتع بالمزايا التى تمنحها الدولة لكل من يحمل هذه الجنسية، وحتى ينال احترام وتقدير والجميع.
إلا أننا لاحظنا فى الآونة الأخيرة أن أمريكا بدت مستهدفة، وأن دائرة العداء لها قد اتسعت وقد تملك الجميع إحساس بأن هناك أيد خفية تتحرك من خلف الكواليس وتلعب فى الظلام ذات خبرة وحنكة فى التخريب والإرهاب موجهة ضد المجتمع الأمريكى بكل فصائله إدارة وشعبا" وسيطر الخوف والهلع على الإمبراطورية الحديثة من هاجس الإرهاب بجميع أشكاله وألوانه، فضلا عن حالة الكراهية العامة التى ترعرعت فى صدور معظم شعوب العالم القاصى منها والدانى، نتيجة الممارسات التى تتبعها الإدارة الأمريكية وازدواجية المعايير فى التعاطى مع القضايا المطروحة على الساحة الدولية والكيل بمكيالين فى بعض الأحيان لا سيما عندما تكون إسرائيل طرفا" فى إحدى هذه القضايا وبأسلوب فج ومشين، بعيدا عن نهج الموائمة شارخا روح العدالة والمساواة بين الشعوب فى السياسات الخارجية.
وعلى الرغم من أن أمريكا ليست عاجزة عن خوض حرب ضروس ضد التنظيمات والحركات الإرهابية أينما كانت ووجدت، إلا أن الإدارة الأمريكية لا تبرح مجلسًا أو مؤتمرًا إلا وتنادى بكل إصرار وإلحاح تارة بالترغيب، وتارة أخرى بالترهيب بضرورة التحالف ضد الإرهاب، وقد تضمنت الخطابات والنداءات الصادرة عنها لغة التهديد والوعيد لمن يرفض الاشتراك معها فى خوض هذه الحرب ضد الإرهاب، بداية من "إما معنا وإما ضدنا" وانتهاء إلى "لا حياد فى الحرب ضد الإرهاب".
إذا كان الهدف المعلن من وراء التحالف هو الحرب ضد الإرهاب وتطهير العالم من الأشرار، فإن الأهداف الخفية وغير المعلنة هى التى تكمن وراء هذا الإصرار وذلك الإلحاح، ويمكن استنباطها بسهولة ويسر حيث إنها تتبلور فى شقين هما "توزيع الخصومة" "وتقسيم التكاليف" لأن فاتورة الحساب فى الحرب دائما" ما تكون
باهظة التكاليف لا تريد أمريكا تحملها بمفردها، ولأن ذلك سيؤثر على الاقتصاد الأمريكى ويضر بالحالة المعيشية للمواطن فى نهاية المطاف.
