شاهد المصريون والعرب والمسلمون والعالم أجمع فيديو الجنود السبعة المختطفين فى سيناء الذى تم رفعه على الشبكة العنكبوتية "الإنترنت". وأنا شاهدت هذا الفيديو عدة مرات لا لشىء سوى لتعذيب النفس وجلد الذات، لا لأننى أعانى مرضاً نفسياً ولكن لأننى أرغب فى استعادة الكرامة المفقودة على أعتاب إرهابيين وقتلة يتشدقون باسم الدين الإسلامى الذى يأبى هذا السلوك فى ترويع الآمنين وتقويض أركان هيبة دولة مسلمة المفترض أنهم ينتمون إليها. ويبدو أن هؤلاء لا يعرفون عن دينهم سوى اسمه، لأنهم لو أدركوا فداحة فعلتهم لما أقدموا عليها. ففى عهد النبوة بايع الصحابة رسول الله على الموت لمجرد احتجاز عثمان بن عفان وإشاعة أنه قتل. إنها مسألة كرامة وهيبة. وذلك الرجل الذى بعث إلى حاكم الروم برسالة مؤداها: "إن لم تطلق سراح المرأة المسلمة لأبعثن إليك بجيش أوله عندك وآخره عندى". أيضاً مسألة كرامة وهيبة. وذلك الرجل الفذ أنور السادات عندما أصدر أوامره إلى مدير المخابرات العامة بإحضار الجاسوسة المصرية هبه سليم حية إلى مصر. مسألة كرامة وهيبة. هو هو نفس الرجل الذى أرسل طائرات حربية إلى مطار لارنكا بقبرص محملة بقوات خاصة للقبض على الفلسطينيين الذين قاموا بقتل المرحوم يوسف السباعى أثناء حضوره المؤتمر الأفرواسيوى فى قبرص. كرامة وطن وهيبة دولة. إذاعة الفيديو تبجح واستهتار بقدر مصر وهيبتها. إنه صفعة على وجه مصر. إظهار هؤلاء الجنود معصوبى الأعين مهانة.
وإجبارهم على الحديث تحت تهديد السلاح مهانة. ولغة الاستنجاد بالرئيس باعتباره المُخلِّص أمر ذا دلالة. ومهاجمة الفريق السيسى إشارة ذات دلالة. المهم أن يلتقط الشعب المصرى هذه الإشارة، ويربط بينها وبين مذبحة رفح وما ترتب عليها من نتائج. ولابد من إعادة قراءة المشهد على ضوء أحداث الأيام القليلة الماضية. حيث إقرار مبدأ التفاوض مع الإرهابيين والقتلة من جانب الدولة، وما التفاوض سوى تبريد السطح الساخن الملتهب دون الوصول إلى نتائج محددة. ولا أدرى كم تبقى من كرامة وهيبة دولة أقرت مثل هذا المبدأ حفاظاً على دماء الخاطفين والمختطفين على قدم المساواة. إن اسرائيل لم تجرؤ على إعلان ما قامت به مع الأسرى المصريين بعد هزيمة 1967 م إلا تسريباً بعد سنوات طويلة امتدت لعقود. فكيف تسنى لهؤلاء التجرؤ على مصر إلى هذا الحد ؟. أنا أدرك أن يد الجيش مغلولة عن التصرف حيال مثل هذه المواقف لأنها فى النهاية متعلقة بالإرادة السياسية. والإرادة السياسية مرتعشة فى التعامل مع الجماعات الإسلامية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. إذا كانت الإرادة العسكرية مرهونة بالإرادة السياسية، وهذا حـق، والإرادة السياسية مرتهنة بإرادة جماعات متطرفة فى سيناء أو غيرها، فلا مفر من استنفار الإرادة الشعبية لوضع الأمور فى نصابها، وتلقين من لا يعرف أن هناك خطا أحمر فى حياة الدول لا يمكن تجاوزه ودونه تراق الدماء عن طيب خاطر، وأن الصفعة التى تلقتها مصر هذه
المرة ــ وهى أول مرة ــ صفحة قد انطوت ولن تعود. وتحيا مصر حرة.
الجنود المختطفون فى سيناء
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة