هانى عياد

«تمرد»... جرس إنذار وضوء أخضر

الثلاثاء، 21 مايو 2013 11:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعدما هدأ غبار الحرب العالمية الأولى توجه بعض «رموز الأمة المصرية» إلى حكومة التاج البريطانى للتفاوض معها بشأن استقلال مصر، لكن حكومة «الإمبراطورية التى لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها» تعاملت معهم بعنجهية واستعلاء، واستخفت بهم لأنهم - حسب قولها - ليست لهم صفة رسمية، ولا شأن لهم بموضوع التفاوض، فكان أن انتفض المصريون، وراحوا يجمعون توقيعات لتوكيل «الوفد المصرى» متحدثا باسم مصر، وكذلك حصل سعد زغلول ورفاقه على «توكيل الأمة»، وأصبح لهم حق التحدث باسم مصر، شعبا ودولة.
وبعد قرن من الزمان «95 سنة» تبين للمصريين أن ثورتهم التى وقف العالم أمامها مشدوها قد عادت بهم إلى المربع رقم واحد، وأن شيئا لم يتغير، اللهم إلا الوجوه، التى اتسمت سياستها بالاستعلاء والعنجهية، وأقصت الجميع، واستولت على ثورة سرعان ما تحولت من طريق لتحقيق أحلام الناس فى «عيش - حرية - كرامة إنسانية - عدالة اجتماعية»، إلى وسيلة لتمكين الجماعة وفرض سيطرتها على مفاصل الدولة، متحصنة وراء ما تسميه «شرعية صندوق الانتخاب»، وكأن لسان حالها يقول للجميع: «ليست لكم صفة رسمية»، فكان أن رفع المصريون راية «تمرد»، وراحوا - من جديد - يجمعون توقيعات لسحب الثقة من «أول رئيس منتحب».
التاريخ لا يعيد نفسه، حتى وإن تشابهت بعض أحداثه، لكنه يبقى دائما نبعا لدروس لا تنضب، وملهما لشعوب قد تتراجع حركتها أحيانا، وربما تخفت فى أحيان أخرى، لكنها أبدا لا تتوقف.
عندما أعلنت حركة «تمرد» عن نفسها فى إبريل 2013 تباينت ردود الفعل تجاهها، لتعكس حالة الانقسام القائمة فى مصر.
فى معسكر القوى الإسلامية بدا وكأن الإخوان يحصدون بعض ثمار سياسة الإقصاء التى طالت غيرهم من الإسلاميين، يقفون وحدهم، تقريبا، فى مواجهة «تمرد»، فاستخفوا بها وقللوا من شأنها، ثم تجاهلوها باعتبارها زوبعة فى فنجان لن تلبث أن تهدأ وتتلاشى، بينما تباينت ردود فعل معسكر القوى غير الإسلامية «أو «المدنية» تجاوزا»، من المؤيدين الذين يرون أنها وسيلة سلمية مشروعة لإثبات أن «شرعية الصندوق» التى جاءت بالإخوان إلى السلطة قد سقطت، إلى المعارضين الذين يعتقدون أن مجرد التوقيع على «استمارة سحب الثقة» سوف يسهم فى تفريغ طاقة الغضب المتولدة فى النفوس تجاه الإخوان وسياساتهم، وبما يعنى إجهاض الحالة الثورية فى الشارع، وبينهما قطاع غير قليل بدا متحفظا يتحسس الخطى ويتعامل بحذر مع الفكرة، ولعلهم كانوا يسترجعون تجربة «توكيلات استدعاء الجيش» التى سبقت حركة تمرد بأسابيع قليلة، وكان مصيرها الفشل.
لكن ما حدث على الأرض أن «تمرد» خالفت معظم التوقعات، وراحت تنتشر بين الناس بسرعة لافتة، وتلاقى منهم إقبالا متزايدا، واتسعت دوائرها وصولا إلى الجاليات المصرية فى الخارج، أمريكا وسويسرا وفرنسا والكويت، حتى الآن، وبما أسفر عن إعادة تحريك سريع للمواقف على الجانبين، الإسلامى والمدنى.
على جانب المعسكر الإسلامى، أو للدقة الإخوانى، ظهرت واضحة حالة من الفزع بعدما أيقظها إقبال الناس على استمارة «تمرد»، من وهم «زوبعة فى فنجان»، فبدت ردود أفعالهم متخبطة بين «تجرد» و«مؤيد»، مصحوبة بهجوم إعلامى كاسح، يعكس من الهلع أكثر مما يقدم من بدائل.
وعلى الجانب الآخر «المدنى» ظهر سؤال «هل هذا يكفى؟» وبما يعنى اعترافا - ضمنيا لكنه واضح - أننا ربما نكون بالفعل أمام عمل إيجابى مؤثر، لكنه لا يكفى وحده، ويستدعى بالضرورة فعلا نضاليا مواكبا لعملية جمع التوقيعات، يدعمها ويزيد من تأثيرها، وصولا إلى القدرة على ترجمة الرفض الشعبى لسلطة الإخوان، واقعا على الأرض يجنبنا السقوط فى هاوية مجهول الخطوة التالية، أو غموض سؤال «وماذا بعد؟».
وكذلك أفرزت حركة «تمرد» بكل ما لها وما عليها حالة حراك ثورى جديدة، بقيادات شابة جديدة، وكأننا أمام الجيل الثانى من قيادات ثورة 25 يناير، بعدما تراجع زخم الجيل الأول، وتفرق رموزه بين الإحباط، أو الاكتفاء بما حققوه، أو التشتت فى مجموعة من الكيانات، خصم كل منها من رصيد الآخر، بدلا من أن يحدث العكس. وأيا كان مصير «تمرد»، وما يمكن أن تفرزه الأيام القادمة من أحداث، فإنها تؤكد فى ذاتها أن الناس لا يمكن أن تتوقف عن ابتكار وسائل نضالية جديدة من أجل تحقيق الحلم، فالأحلام لا تموت، حتى لو كان بعض هذه الوسائل باهتا أو غير مؤثر، أو حتى سلبيا «توكيلات استدعاء الجيش نموذجا»، فالشعوب تتعلم من تجاربها، والتجارب تشكل فى مجموعها تراكمات كمية لغضب مكبوت، سرعان ما تسفر عن تحول نوعى لغضب يتفجر. ولعلنا نشير هنا إلى الوقفات الاحتجاجية، وسلسلة الاعتصامات والإضرابات التى سادت فى سنوات مبارك الأخيرة، وكيف أن أيا منها بدا - فى حينه - وكأنه غير مؤثر، بينما أسفرت فى مجموعها عن تحول نوعى تجلت معالمه فى 25 يناير 2011.
وفى استدعاء التاريخ، بين «توكيلات الأمة» لسعد زغلول ورفاقه عام 1918، و«سحب ثقة الشعب» من مرسى وجماعته عام 2013، تتبدى لنا فوارق تفضح عيوبا وتكشف أمراضا، فيها - أولا - أنه فى عام 1918 اجتمعت الأمة على موقف إيجابى «نعم» لسعد زغلول ورفاقه ممثلين للأمة المصرية، بينما فى عام 2013 يبدو المصريون وقد اجتمعوا على موقف سلبى «لا» لمحمد مرسى وجماعته، وفيها - ثانيا - أن الثورة مازالت حتى الآن بلا قائد، ولئن كان ثمة من رأى أن غياب القيادة كان من بين ميزات ثورة يناير، فإن استمرار الغياب - حتى لو اتفقنا جدلا مع هذه الرؤية - لا يمكن أن يبقى دائما سمة إيجابية.
ولئن كان الاجتماع على «موقف سلبى» هو النتاج الطبيعى لغياب القائد، فردا أو تنظيما، فإنه قد يفرز - بدوره - تداعيات أخرى أكثر سلبية، من بينها ذلك الامتحان العسير الذى وجدت حركة تمرد نفسها فى مواجهته عندما وقع على استماراتها الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء فى عهد مبارك، والمرشح الرئاسى المنافس للدكتور محمد مرسى فى جولة الإعادة، حيث كان عليها أن تجيب عن سؤال هل تقبل توقيع واحد من أبرز رموز سلطة مبارك؟ أم ترفضه؟ ولا شك أن الإجابة صعبة. فالحملة - من جانب - تستهدف سحب ثقة المصريين من سلطة الإخوان، وبين المصريين - بالضرورة - بعض رموز النظام السابق «بعضهم الآخر رحب به الإخوان فى النظام الجديد»، ومن الطبيعى أن يعبروا عن رفضهم، لكن هذا - على الجانب الآخر - قد يكون كافيا لتشويه الحملة ووصمها بأنها تتبع «الفلول» وتمهد لعودة نظام مبارك.
وظنى أن سؤال سحب الثقة يختلف نوعيا عن سؤال البديل، أحمد شفيق يلتقى مع كل المصريين عند نقطة سحب الثقة من محمد مرسى، بينما عند سؤال البديل سوف تتفرق الدروب حتما، وهذا الوضع الاستثنائى الذى تعيشه ثورة بلا قائد، تواجه أسوأ السيناريوهات وأكثرها استفزازا، قد يفرض القبول بما لا يجب ولا يمكن قبوله فى الظروف العادية، وقد حدث فى جولة إعادة الانتخابات الرئاسية «أسوأ سيناريوهات الإعادة على الإطلاق»، أن منح حوالى 15 مليون مصرى صوتهم لأحد الطرفين، ليس حبا فيه ولا اقتناعا به، إنما رفضا للآخر. ثم وجد المصريون جميعا أنفسهم فى مواجهة مشروع التمكين بدلا من حلم العدالة الاجتماعية.
لكن يبقى المؤكد أن حملة «تمرد» أعادت كشف وتأكيد حجم ما حصده الإخوان من كراهية الشارع ورفضه لهم، مثلما كشفت على - الجانب الآخر- مدى عجز قوى نصبت نفسها فى مواقع المعارضة دون أن ترقى لمستوى حلم الناس وتطلعاتهم، وراحت تتخبط فى مواقفها من النظام متأرجحة بين «نظام ديكتاتورى فاقد للشرعية»، وبين قبول «مشروط» بالمشاركة فى الانتخابات البرلمانية، رغم أن «المشاركة» فى ذاتها تعيد الشرعية إلى النظام، «والشروط» تنزع عن النظام سمات ديكتاتوريته، وتكفى للإيحاء بإمكانية إصلاحه من داخله.
وكذاك تأتى حركة «تمرد»، أيا كانت قدرتها على تحقيق نتائج، بمثابة جرس إنذار للطرفين معا، للسلطة أنها لم تعد مقبولة، ولم يعد أمامها إلا التنحى عن المشهد، وللمعارضة أن الشارع يتجاوزها ويفرز قياداته القادرة على تحقيق أحلامه وطموحاته.






مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

سامح

تمرد على ايه

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة