وجوه مختلفة، وأعين لا تجف من البكاء، وصدور لا تشفى من مرارة الزمن وقسوة الآخرين، وأنفس تشتكى من ألم الوحدة القاتلة، هذا هو حال كل من أصابه مرض الجذام وإلى كل من ترك وحيدا فى مستعمرات الجذام، هذا العالم الواقعى الذى لم أكن أعرف عنه من قبل، ولا أعرف من هم، فعرفت عنهم من خلال إحدى العبارات التى طرقت آذانى أثناء مشاهدة التلفاز ولأنى لم أكن أعلم من هم المجذومون؟
فاكتشفت أن المجذومين عالم آخر لا نعرف عنه شيئا ولا يأتى فى اعتقادنا أنهم موجودون، فكما كنا نقول دائما "أن الحقيقة مرة والواقع أقوى" هذا ما حدث لى أثناء مشاهدة صورهم فقد أصابتنى الدهشة، ولم يردد لسانى سوى "الحمد لله الذى عفانا" فقد رأيت وجوها مشوهة وأجسادا لا تستطيع النظر إليها فأردت أن أعرف المزيد عنهم ولأنه كان يوجد بداخلى أعتقد أنه مثلما لم أكن أعرف أنا عنهم من قبل فيوجد آخرون لا يعرفون عنهم.
فبحثت وعرفت أن أصحاب مرض الجذام يعيشون بمكان خاص بهم وهى مستعمرات الجذام وهى تعد مجتمعا خاصا لأصحاب هذا المرض فقد أنشأت هذه المستعمرات عام 1933 ولم يوجد هذا المرض فى مصر فقط بل يوجد فى كثير من دول العالم فقد وصل عدد المرضى على مستوى العالم إلى 228 ألف مريض جذام فقد يصاب الإنسان بهذا المرض نتيجة لوجود الفطريات الجذامية التى قد تصيب الأصابع والجلد ويعزل المصابون بهذا المرض فى أماكن خاصة بهم للعدوى وقد تحدث العدوى نتيجة لدخول الميكروب من خلال الاستنشاق أو الطعام أو من خلال التلامس الجلدى أو من خلال الغشاء المخاطى، وقد تكون الأسباب المؤدية للمرض هى سوء التغذية، والسكن غير المناسب، المستوى المتدنى للحياة والتربية، مخالطة أشخاص مصابين لفترات طويلة، فأن هذا المرض قد يؤدى إلى حدوث تشوهات جلدية لتغير فى ملامح الإنسان حتى يكون أشبه بالأسد وتؤدى إلى الموت.
بالإضافة إلى أن أهل مستعمرات الجذام لا يخرجون إلى العالم الخارجى فهم يفضلون العيش فى عالمهم الخاص بهم وذلك بسبب نظرات الناس وخوفهم منهم، لذلك اختاروا لأنفسهم هذا العالم، وهم من يقومون فيه بقضاء احتياجاتهم اليومية فلا يساعدهم أحد، فكنت كلما بحثت عن هذا العالم عرفت عنه المزيد، ولكن ما صدمنى أن هؤلاء من أفراد مجتمعنا ونحن لا نعرف عنهم شيئا، ولا يجدوا منا سوى نظرات ازدراء وخوف مما ابتلاهم به الله، فهم يحتاجون إلى الرعاية الصحية اللازمة لهم، فقد توجد مستعمرات الجذام فى الخانكة، فبالإضافة إلى أنهم يشعرون بالازدراء من الآخرين فهم أيضا لا يشعرون بالأمان فى مجتمعهم الذى لا يشعر بهم، فمن حق كل إنسان أن يهنئ بعيشة راضية فى مجتمعه، فماذا لو كانت هذه العيشة الذى وفره المجتمع له هى سبب مرضه ؟ فمتى سنشعر بهم ؟ فهم يحتاجوننا فى كل دقيقة ويحتاجون دائما إلى الأمل حتى لا تكون حياتهم بلا أمل وحتى لا تملئ أعينهم الدموع وقلوبهم اليأس.
