من المعروف أن استمرار أى نظام سياسى واستقراره على نحو شرعى يتوقف على مدى المشاركة السياسية للمواطنين فى هذا النظام، ومن بين صور المشاركة وجود منافذ للتعبير تتيح للراغبين ممارسة دورهم فى الشئون العامة، وسد هذه المنافذ بالتضييق عليها، أو عدم الاكتراث بها والسخرية منها، يحول دون هذه المشاركة، ومن ثم تتولد مشاعر السخط على النظام وتتمدد وتنتشر، ومع انتشارها وتمددها تتآكل شرعية النظـام.
وتتقلص مما قد يدفع بطوائف من المجتمع إلى إعلان التمرد على هذا النظام، ولما كان الشباب هم أكثر الشرائح تأثراً بهذه المتغيرات بحكم طبيعة المرحلة السنية، فإنهم إمــا أن ينسحبوا نفسياً وفكرياً من المجتمع وينعزلوا عنه وينكفئوا على أنفسهم اغتراباً عـــن هذا المجتمع ورفضاً له، أو يقودوا الدعوة للتغيير داخل مجتمعاتهم، والدعوة للتغــيـــير تعنى فى أبسط صورها رفض الوضع القائم والسعى إلى تغييره، وهو ليس مجــرد رفض للرفض، وإنما لأسباب موضوعية منها غياب المشاركة السياسية بسد منافــذها، وتردى الأوضاع الاقتصادية، وجمود النظام السياسى وعجزه عن تلبية الاحتياجات المجتمعية، ووجود العديد من الاختلالات الهيكلية فى بنية المجتمع ككل ....إلخ.
ومن هنا تتولدالرغبة فى التغيير، ولا نغفل أن حركة التغيير قد تبدأ كثورة، ثم تنتهى إلى مجرد حـركــة
تمرد عندما يتغافل القائمون عليها مطالب التغيير التى قامت الثورة من أجلها، وهذا مـا حدث بالفعل مع ثورة يناير لأن نتائجها ببساطة قد اقتصرت على تغيير المجموعة الحاكمة بمجموعة أخرى على ذات النهج وهى بذلك أقرب إلى مفهوم الانقلاب، وبذا تكون الثورة.
قد انتكست وإزاء ذلك وفى مواجهته قامت المظاهرات السلمية التى واجهها النظام بالقمع البوليسى إلى حد التصفية الجسدية، لبعض الخصوم السياسيين، والزج بالبعض الآخـــــر إلى غياهب السجون، هؤلاء الخصوم هم أصحاب الثورة الحقيقية، ثم جاءت حركة التمرد كمرحلة تالية، وكنتاج طبيعى لانسداد الأفق السياسى.
وقد اتخذت الحركة الصورة السلمية للتمرد متمثلة فى جمع توقيعات لسحب الثقة من رئيس الجمهورية، وقد تعاملت السلــطـة ـ كشأن كافة السلطات المستبدة أو التى تسعى إلى الاستبداد ـ معها باستخـفاف فى بادئ الأمر، حتى تخطت التوقيعات حاجز المليون، فبدأت الاتهامات والملاحقات الأمنية، ثــــم إطلاق حركات عبثية منافسة، منها حركة تجرد، وحركة مؤيد، والفارق بين حركة تـمرد والحركات السلطوية أن الأولى تعتمد فى الأساس على حالة سخط شعبى متنامى تـنــــدفع تلقائيا فى اتجاه رفض وجود السلطة القائمة لأسباب موضوعية.
أما الثانية فتعتمد عـلـى الولاء الذاتى وارتباطات المصالح الحقيقية أو المتوهمة بينها وبين السلطة، ومن ثم فإنها ضمن الدائرة المتمرد عليها، والسر وراء الرعب من هذه الحركة أنها قد تتحول فى مرحلة ما إلى ثورة إذا توفرت الشروط الموضوعية التى تؤدى إلى تحرك الكتلة الحرجة ســـاعية إلى إحداث تغييرات بنيوية فى المجتمع، وقد تكون السلطة القائمة قد اعتلت كرسى الحــكــم بأساليب قانونية إلا أن هذه الأساليب تعطى المشروعية، أما شرعية الوجود فهى تقتـضـى القبول الشعبى، فإذا انتفى هذا القبول انتفت معه الشرعية بالضرورة، حينذاك لن تنـفـــــع المشروعية القانونية فى مواجهة زحف الجماهير.
مظاهرات
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة