قال معهد بروكنجز الأمريكى إنه من غير المرجح أن ينهار الاقتصاد المصرى فجأة، إلا أنه حذر من أنه سيستمر فى التدهور تدريجيا فى ظل غياب برنامج جدى لاستقرار الاقتصاد الكلى، واستمرار انخفاض النمو وارتفاع معدلات البطالة والتضخم وحتى الفساد الذى يبدو أنه فى ارتفاع.
ويضيف المركز الأمريكى فى تقرير له عن الوضع الاقتصادى لمصر، أن الشعب المصرى يشعر أيضا بوطأة ارتفاع الأسعار ونقص بعض المواد الضرورية التى يتم استيرادها. ولو استمر هذا، فإن التحول إلى الديمقراطية يمكن أن يتعرض للخطر. ومن ناحية أخرى، فإن السياسة فى مصر مستقطبة للغاية لدرجة أنه من الصعب رؤية أى إصلاحات اقتصادية جادة يمكن أن يتم تطبيقها بدون الوصول إلى حلول وسط حول بعض القضايا السياسية الشائكة، ولعل الاتفاق الأخير بشأن تشكيل حكومة ائتلافية فى إيطالية يمكن أن يكون نموذجا للسياسيين المصريين.
ويرى التقرير أن هناك دلائل على أن التحول الديمقراطى فى مصر فى خطر، وصوت التذمر يمكن سماعه فى جميع أنحاء مصر مرتفعا. وهناك حتى حنين إلى العهد الاستبدادى، والبعض يدعو إلى عودة الجيش. ووفقا لاستطلاع مركز بيو العالمى، فإن أكثر من 70% من المصريين غير راضين عن الطريقة التى يتم تحريك الاقتصاد بها، ويشعر 33% منهم أن هناك حاجة إلى قائد قوى لحل مشكلات البلاد، بينما يعتقد 49% أن الاقتصاد القوى أكثر أهمية من الديمقراطية الرشيدة. ومن المتوقع أن يرتفع عدد من يشعرون بخيبة أمل من الثورة فى ظل ضعف الاقتصاد بشكل متزايد.
وانتقد تقرير المركز الأمريكى سياسات الحكومة المالية والاقتصادية، وقال إن السياسة المالية للحكومة لم تكن مواتية للنمو وخلق فرص العمل. وعرض التقرير رسميا بيانيا يبين ارتفاع العجز الحكومى ليصل إلى حوالى 8% من الناتج المحلى فى عام 2010، ليصل لـ11% فى عام 2011. ويمكن أن يتجاوز 12% فى العام الجارى. وقد تم تمويل زيادة العجز داخليا بأكمله على الأغلب، وارتفع الدين الداخلى من 60% من الناتج المحلى إلى 70% فى عام 2013. وعند نقطة محددة فى عام 2012، كانت الحكومة المصرية تدفع فائدة 16% على ديونها الداخلية قصيرة الأجل.
والمثير للدهشة، يتابع التقرير، فإن الفساد يبدو فى ازدياد منذ الثورة. فقد كان القضاء على الفساد أحد المطالب الرئيسية للثوار، وشهدت البلاد إجراء أكثر من 6 آلاف تحقيق فى قضايا فساد وعدة أحكام قضائية كبرى فى هذا الشأن منذ فبراير 2011. وتبعث التحقيقات وتصرف الشرطة بإشارة سياسية، إلا أنها لا تمثل برامج فعالة لمكافحة الفساد.. ففى عام 2010 احتلت مصر المركز 98 على مؤشر مدركات الفساد الخاص بمنظمة الشفافية الدولية، وتدهور ترتيبها إلى 112 فى عام 2011 ثم إلى 118 فى عام 2012.
وفى ضوء هذا، يقول بروكنجز إن مصر تواجه أزمة اقتصادية وتحتاج إلى تنفيذ إصلاحات ذات مصداقية لتحقيق الاستقرار فى الاقتصاد ومكافحة الفساد وإرساء أسس النمو الشامل.. وتشمل هذه الإصلاحات انخفاض العجز المالى للسيطرة على الدين الداخلى، وتشجيع الصادرات والسياحة. وتتفاوض الحكومة مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض لدعم مثل هذا البرنامج لتحقيق الاستقرار.. ويؤكد التقرير على أن دعم صندوق النقد أمر مطلوب لأن من شأنه أن يفتح الأبواب أمام مزيد من المساعدة من الجهات المانحة الأخرى الثنائية ومتعددة الأطراف، وبالتالى تساعد فى تخفيف آلام الاستقرار.
غير أن تحقيق استقرار الاقتصاد الكلى يتطلب تطبيق تدابير غير شعبية مثل وقف أو تخفيض الدعم وزياد الضرائب. والحكومة فى ظل ما تواجهه من معارضة واضطرابات مترددة فى تبنى تلك التدابير. وظلت حتى الآن قادرة على تأجيل القرارات الصعبة من خلال الحصول على دعم مالى من الحلفاء الإقليميين.. ومع ذلك، فإن هذا ليس كافيا لتحويل اتجاه الاقتصاد.
ويذهب التقرير إلى القول بأن الحكومة المصرية تبدو فى موقف لا فوز فيه. فتطبيق الإصلاحات سيؤدى إلى مزيد من الإضراب وعدم الاستقرار السياسة ويعرض العملية الديمقراطية للخطر. بينما عدم فعل شىء سيؤدى إلى تعميق الأزمة الاقتصادية ومزيد من المتاعب.
ووضع تقرير بروكنجز تصورا لحل المأزق الراهن وكيفية الحفاظ على التحول فى مصر، وقال إنه يجب التوصل إلى التوافق الوطنى وأن تكون الإصلاحات مقبولة على نطاق واسع. والمعارضة سيتعين عليها التعاطى مع برنامج الإصلاح الاقتصادى. وهذا لن يحدث على الأرجح بدون التوصل إلى توافق سياسى. وكل من الحكومة والمعارضة سيضطران إلى تقديم تنازلات، لكن السؤال سيظل حول ما إذا كان يمتلكان المستوى المطلوب من النضج السياسى للقيام بذلك.
معهد بروكنجز الأمريكى: التحول الديمقراطى بمصر فى خطر.. والفساد فى ارتفاع منذ الثورة.. والتوافق الوطنى هو السبيل لحل المشكلات الاقتصادية
الخميس، 02 مايو 2013 12:31 م