تخرجت فى كلية الهندسة عام 2004، وعملت بعد التخرج مباشرة فى شركة مقاولات ذات سمعة طيبة رشحها لى الدكتور المشرف على مشروع التخرج، واستلمت عملى بعد أيام قليلة من مناقشة مشروع التخرج، ورغم أن المرتب الذى تقاضيته فى العام الأول كان زهيدا بالمقارنة بمعدل الرواتب لدفعتى من خريجى كلية الهندسة فى نفس الوقت فى الشركات الأخرى فإنه كان يغلب على الشركة طابع العائلة الواحدة وربما كان هذا هو عامل الجذب الوحيد بالنسبة لى، فالعمل فى فريق هادئ ومتجانس أفضل بكثير حتى وإن كان الراتب أقل.
وفى العام نفسه، انضممت لحركة كفاية، فقد كنت أتتبع كل أخبار أو تصريحات رموز المعارضة فى هذا الوقت منذ تظاهرات التنديد بالحرب على العراق فى 2003 إلى أن انضممت لحركة كفاية وشباب من أجل التغيير وشاركت فى الأنشطة الكثيرة والجريئة فى عام 2005 التى فتحت الباب أمام الثورة وتغيير النظام.
وعلم أصحاب العمل وباقى المهندسين والموظفين باشتراكى فى حركة كفاية وأنشطتها والتظاهرات التى تطالب بسقوط نظام مبارك، ولم يكن هناك اعتراض من أصحاب الشركة على نشاطى مع حركة كفاية خصوصا أنى كنت أقوم بتوزيع منشورات وبيانات الحركة داخل الشركة أو أشترى أكثر من نسخة لجريدة الدستور أو الغد وأقوم بتوزيعها على الزملاء فى العمل، ولم يكن هناك اعتراض من أصحاب العمل، بل كان يقوم نقاش مثمر بشكل شبه يومى بينى وبين الزملاء حول فكرة التغيير والثورة وإسقاط مبارك.
إلى أن بدأت جماعة الإخوان فى تنظيم تظاهرات منفردة فى عام 2005 تطالب بالإصلاح، ووصفت وسائل الإعلام هذه التظاهرات بأنها تظاهرات استعراض للقوة لأنها كانت تتعمد أن تكون بعيدة عن تظاهرات كفاية وكانت أيضا تبتعد عن الشعارات الراديكالية بإسقاط مبارك.
وبدأ النقاش بجرأة أكثر فى مقر العمل الذى أعمل به، وكنت كل يوم أدخل فى جدال ونقاش طويل مع زملائى حول جدلية التغيير أم الإصلاح، وعلمت وقتها أن الشركة التى أعمل بها مملوكة لكوادر وقيادات من جماعة الإخوان المسلمين، بل أن معظم المهندسين والموظفين وعدد من العمال هم أعضاء فى الجماعة.
أتذكر أيضا نقاشا عاصفا وطويلا فى النصف الأول من عام 2005 فى أحد اجتماعات حركة كفاية بين بعض الشباب والقيادات فى الحركة حول التواصل مع الإخوان، فكان قطاع من الشباب مؤيدا لفكرة التعاون مع الإخوان ضد نظام مبارك، وأن مبارك لن يسقط إلا إن اتحدت كل القوى من اليمين لليسار ضده، وأن هذا النظام القمعى الذى يعتمد على جهاز أمن الدولة والبطش وشبكات الفساد لن يسقط إلا باتحاد الجميع أو على الأقل تكوين جبهة قوية.
ورفض قادة حركة كفاية هذا المقترح بشدة لعدة أسباب منها اختلاف مشروع التغيير الذى تطالب به حركة كفاية عن مشروع الإصلاح الذى تطالب به جماعة الإخوان، بجانب تجارب سابقة تعود للسبعينيات والثمانينيات مع جماعة الإخوان كلها باءت بالفشل، وكانت جماعة الإخوان فى غاية الانتهازية وتتحالف مع النظام وتهرب من المعركة فى منتصف الطريق من أجل مكاسب تنظيمية.
ورفض قادة كفاية اقتراح شبابها بالتنسيق مع جماعة الإخوان لأنه لا طائل من وراء ذلك واحتمالية تخلى الإخوان عن القضية فى منتصف الطريق وارد جدا، فقام الشباب وقتها بالتنسيق مع جماعة الإخوان بعيدا عن حركة كفاية، وتم عمل مظاهرات ضخمة بمشاركة الإخوان وحزب العمل الإسلامى وشباب من أجل التغيير والاشتراكيين الثوريين.
وأثناء الفعالية الجامعة أمام نقابة الصحفيين والمحامين حدثت الكثير من المشكلات، فقد كان مسؤولو جماعة الإخوان يقومون بالتشويش على أى هتافات ضد مبارك، وهو ما أثار حفيظة الشباب وتسبب فى مشاكل عديدة أثناء التظاهرة.
وبعد هذه الواقعة بشهور تقابلت مع أحد أصحاب الشركة التى أعمل بها، وهو مهندس كبير ومن كوادر الجماعة، وتحدثت معه بلوم شديد لماذا يرفض الإخوان المطالبة صراحة بالتغيير ولماذا يقومون بالتشويش على أى هتافات ضد مبارك، ولماذا يصر الإخوان على مصطلح الإصلاح وليس مصطلح التغيير الذى تستخدمه القوى الوطنية التى تسعى لإسقاط مبارك.
فكان جوابه لى أنه يقدر وجودى فى حركة كفاية رغم انتمائه لجماعة الإخوان، وأنه يقدر شجاعة حركة كفاية، ولكن الإخوان لا يسعون للتغيير وإنما للإصلاح، وأن الإصلاح لابد أن يكون تدريجيا من داخل المجتمع، وأن الإخوان بإمكانهم الصدام مع النظام ولكنهم لا يريدون الصدام الآن لأن التوقيت قد يكون غير مناسب، بالإضافة لأن الإخوان فى الأساس لا يسعون للسلطة ولا يريدون الحكم، فقط يريدون إصلاح المجتمع وهم بعيدون كل البعد عن السلطة.
ولو نزلنا ودخلنا فى صدام مباشر مع النظام وحصلت ثورة ومات 3000 واحد أو أكثر، ممكن وعدد مش كبير بالنسبة لثورة، وممكن يموت أكثر والبلد كلها تنجر لفوضى، وممكن النظام يقمع الناس والثورة تفشل وكلنا نتحط فى السجن ويتعدم ناس كتير من المعارضة بكل أطيافها، لكن إحنا أصلا مش عايزين سلطة، إحنا هدفنا هو الإصلاح وليس البحث عن سلطة، وكمان هتافات كفاية ضد مبارك عيب وخارجة عن تقاليد المجتمع.
كان هذا رد الكادر الإخوانى على استفسارى واستنكارى لعدم مشاركة الإخوان فى الأنشطة الداعية للتغيير.
أتذكر هذه الذكريات عندما أسمع تصريحات بعض قيادات الإخوان الآن بعد الوصول للسلطة بأن من حقهم فعل ما يريدون طالما هم الأغلبية، ولو مش عاجبكم اللى بنعمله انزلوا الانتخابات والصناديق تحكم.
تذكرت كيف كان هناك من الشباب من النقاء ليدافعوا عن مبدأ أن الإخوان من حقهم التعبير عن رأيهم ومطالبهم ومن حقهم إنشاء حزب سياسى.
أتذكر كلام قيادات الإخوان قبل الثورة بأنهم يسعون للإصلاح وليس التغيير، وأن الإصلاح يجب أن يكون من قواعد المجتمع إلى القمة، وليس العكس وأنه لا يليق كسر هيبة مبارك فى المظاهرات كما نفعل كشباب كفاية.
أتذكر كل هذا وأتساءل هل كنا على صواب أم خطأ عندما دافعنا عن مبدأ، وعندما دافعنا عن حق الآخر فى الوجود والمشاركة، وعندما دافعنا عن فكرة أن عدونا واحد وهو النظام الفاسد والمستبد والقمعى؟
هل كنا على خطأ عندما دافعنا عن الإخوان فى إحدى المراحل قبل الثورة، وساندنا المرشح الإخوانى لمواجهة مرشح العسكر والنظام القديم، ونحن الآن من يتم تخويننا وتشويهنا ووضعنا فى السجون من قبل من دافعنا عنهم فى يوم من الأيام؟
عدد الردود 0
بواسطة:
حسام الدملاوى إيطاليا
هى دى السياسة
السياسة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسين محمود
معظمنا أخطأ
عدد الردود 0
بواسطة:
زيكو
نعم كنت على خطأ
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد سيد
ما تعيش فى الدور
عدد الردود 0
بواسطة:
ميجو
حسبنا الله ونعم الوكيل
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد
راجع نفسك