فى يوم 24 يوليو 1920، وقف الجنرال هنرى جورو أمام قبر صلاح الدين الأيوبى فى دمشق، شمخ بأنفه وقال بصلافة: «ها قد عدنا يا صلاح الدين»، وكأنها صيحة انتقام متأخرة تتشفى فى القائد المسلم الذى هزم الصليبيين قبل ذلك التاريخ بما يزيد على سبعة قرون، وفى 30 يوليو 1956 وقف الشاب جمال عبدالناصر شامخاً سامقاً كى يعلن تأميم قناة السويس، حينها استقرت أرواح آلاف الشهداء من المصريين الذين حفروا بأظافرهم ذلك المجرى الملاحى الإستراتيجى، وتكهربت أوصال رئيس الوزراء البريطانى الكهل «إيدن»، وصرخ أنه سيجعل عبدالناصر يتقيأ القناة، وسارع مع حليفه الفرنسى جى موليه، وذيلهم بن جوريون كى يعدوا مؤامرتهم لإعادة اختطاف القناة من المصريين، والقضاء على الشاب الوطنى الأسمر الذى يزعجهم على ضفاف النيل.
خاضت مصر معركة العدوان الثلاثى، وانتصرت رغم كل الظروف، ورغم تلك الأكاذيب الباطلة التى لا يزال البعض يرددها حتى اليوم.. انتصرت مصر، أصبحت المالك الوحيد لهذا المجرى المهم، ومنذ ذلك الحين أسهم إيراد القناة فى خطط التنمية، وأهمها ملحمة بناء السد العالى، وما زلنا حتى اليوم ننعم بخيرات هذا القرار الجرىء الذى اتخذه شاب مصرى رضع عزة وكبرياء، وسرت فى شرايينه دماء حضارة أبيّة ترفض الانحناء، بعد سنوات من عمليات النهب المنظم لمكتسبات وممتلكات الشعب المصرى التى حصل عليها المصريون بالجهد والعرق والدم، حيث تمت هذه العمليات من خلال الخصخصة التى نقلت أموال هذا الشعب إلى جيوب قلة مستغلة امتصت دماء هذا الشعب، وباعت أغلى ممتلكاته بأرخص الأسعار، لدرجة أن البعض كان يرى أنه لم يبق سوى بيع الأهرامات وباقى آثار مصر.
إن ما تم الإعلان عنه حتى الآن من مشروع القانون الخاص لإقليم قناة السويس يعنى باختصار زوال السيادة المصرية على هذه المنطقة الإستراتيجية، وعودة للسيطرة الأجنبية على هذا القطاع المهم، ولعل هذا ما دعا المستشار الجليل طارق البشرى إلى دق أجراس الإنذار كى يحذر وينذر، بأن هذا المشروع يخرج محور قناة السويس من السيادة المصرية القانونية. إن مياه القناة لم تصطبغ فقط بدماء أجدادنا من المصريين الذين حفروها، إنما بدماء آلاف من المصريين الذين خاضوا معارك مصر التى لن تكون معركة العبور آخرها. لقد كنت فى خندقى على حافة قناة السويس أغزل قصائد الحب والأمل فى غد أفضل، وعشت بين مئات الآلاف من شباب مصر نتحين الفرصة التى سنعبر فيها كى نحرر سيناء، فهل يمكن أن أقبل اليوم من ينتزع ولو بوصة واحدة من سيادتنا على هذه الأرض التى ما زالت تحمل رفات أغلى الرجال؟!
أكاد أرى أرواح الشهداء تنظر إلينا من عل فى غضب وازدراء، وأتذكر الشهيد الملازم أول مصطفى عبدالله وجسده يتمزق بقذيفة مباشرة فوق مياه القناة، لقد تحول إلى ذرات متناثرة تبارك تلك المياه، وتنشر قدسيتها فى كل محيط الوادى المقدس طوى. إن ما يثير الشك هو أن موضوع تأجير أو بيع قناة السويس كان مثاراً منذ مدة طويلة، ورغم التكذيب المستمر ظل الموضوع يطل برأسه من حين لآخر، حتى قفز مرة واحدة ليحتل رأس القائمة، ثم تتأكد الشكوك حين تتسرب نصوص مشروع القانون التى أفصحت بشكل جلى عن كل المخاوف، على الأقل فى الحدود التى تحدث عنها المستشار طارق البشرى الذى لا يمكن لأحد أن يتهمه بالعداء للإخوان. اليوم وبعد 57 عاماً من تلك الوقفة الشامخة التى أعلن فيها عبدالناصر تأميم القناة، تتسلل الثعالب التى اختفت زمناً فى الشقوق كى تضع أصابعها المشوهة على واحدة من أغلى ثمار نضال الشعب المصرى، حتى يعود أحفاد «إيدن» كى يقفوا أمام ضفاف قناة السويس ليقول أحدهم بغرور: «ها قد عدنا يا عبدالناصر».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
عبد الناصر هو الضمير العربى
الله يرحمه
ولا للخرفان
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد الله
قناة السويس خط أحمر
عدد الردود 0
بواسطة:
ثروت
الشهامة والمرجلة التي اختفت في عهد الاخوان
عدد الردود 0
بواسطة:
زيكو
الفرق بين الأسياد و العبيد
عدد الردود 0
بواسطة:
وليد
هل يستيقظ المصريون لينقذوا الوطن من تلك الشراذم الضالة و أتباعهم من مغيبين و منتفعين
.
عدد الردود 0
بواسطة:
مشروع اقليم القناة الذى هو المشروع الاعظم لمصر فى الوقت الحاضر
مشروع اقليم القناة الذى هو المشروع الاعظم لمصر فى الوقت الحاضر
عدد الردود 0
بواسطة:
آدم عبد ربــه آدم
وهل تسليم خليج العقبه للصهاينه عام 1957من الاكاذيب والاوهام يا كاتب المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
صلاح العربي
الاخ رقم 6 .. أليس لديك اسم ام انك مثل باقي الجماعة .... روف
عدد الردود 0
بواسطة:
أيــــــــــــــــــوب
اللهم خلصنا من الاخوان والقتله المجرمين كما خلصتنا من ناصر والناصريين والشيوعيين
عدد الردود 0
بواسطة:
الزعيم عبد الناصر
وانا على ابواب الستين على اتم استعداد لحمل السلاح والدفاع عن ذره من ترابك يا وطن