فى الطريق إلى مسرح الجامعة قابلته تلك الفتاة التى سبق أن حيته بالأمس على أدائه الرائع، وعلى قصيدته التى أشعلت المسرح تصفيقا وصراخا وبكائاً، حتى ساد الصمت لكى تكتمل المسرحية.
نادته باسمه وألقت عليه تحية الصباح بابتسامة جميلة تحوى براءة حقيقية لا يصعب عليه اكتشافها، فقد أصبح _بحكم تجاربه_ خبيرا فى البراءة الحقيقية التى لا تصادفها كثيرا فى تلك الحياة.
رد عليها التحية باسما وتعجب فى نفسه من جمالها الذى لم يلحظه بالأمس، ومن صدق ابتسامتها!!!
فقد ظن أنه لن يستطع يوما أن يصادف شخصا يبتسم بصدق فى عالم سيطرت عليه أحزانه وأكاذيبه.
سألها عن سبب تواجدها، فقد انتهى بالأمس آخر العروض المسرحية التى تأتى لتتابعها فأخبرته بتلقائية سريعة أنها آتية من أجله.
حارب كثيرا من أجل إخفاء علامات السعادة الشديدة الممزوجة بالاندهاش والحيرة ولكنه لم يكن بالأمر اليسير إخفائها من ملامح وجهه.
تصارعت الأفكار بداخله ولكن على عكس ما اعتاد منها فقد عصته الكلمات فى أن تأتى بجملة مفيدة يبادرها بها، فلم تجد منه إلا ابتسامة صامته تحمل فى تكوينها كل شىء يجب أن يقال.
بدأت فى الحديث مرة أخرى ولكنه كان متأملا أكثر منه مستمعا، وبالرغم من كونه بطل تلك المحادثة إلا أن موقعه منها كان مشاهدا شاردا ينظر إلى مرآته على خشبة المسرح.
يذكر أنها قالت شيئا عن قصيدته، أو تحدثت عن أدائه، وتقريبا هى أثنت على حضوره الرائع أو شخصيته المتفردة، شيئا من هذا القبيل.
فلقد كان فى عالم آخر أثناء حديثها له إلى أن أتت تلك اللحظة التى سألته رقم هاتفه لكى تستطيع التواصل معه إن أذن لها بذلك.
مرة أخرى عصته الكلمات، وابتسم بصمت، وأخذ هاتفها من يدها ليسجل لها رقمه.
وعند تسجيله لرقمها عانده هاتفه أيضا ليخبره بأن الذاكرة ممتلئة ولا تسع أرقاما جديدة، وعليه بالتخلص من أحد الأسماء القديمة إن أراد أن يضيف اسما جديدا فتملكت منه الحيرة فهناك أسماء عديدة لديه وجودها شكلى، لا يدرك لماذا يحتفظ بها، وما السبب الذى يمنعه دائما من التخلص منها كلما حاول ذلك، وسأل نفسه ما مصير هذا الرقم الجديد؟
ويا ترى كيف حظه مع هذا الاسم الوافد حديثا إلى عالمه الحزين.
فتلك الذاكرة الممتلئة تحوى أسماء للعديد من الصديقات، كم كان ساحرا لقائه الأول بهم، وكم بنى من الآمال معهم، وكم كانت بينهم صداقة كان يظن بأنها ستدوم أبدا، وها هم الآن مجرد أسماء فى ذاكرة لم تعد تتحمل أسماء جديدة، نعم فتلك الذاكرة هى مرآة لسنوات عصيبة قد مضت ولن تعود.
ولكن بأمر منه للهاتف تصبح تلك الذاكرة بيضاء، وتتناسى كل ما مضى من أسماء مؤلمة، فماذا عن ذاكرته التى فى قلبه، وماذا عن ذكرياته القاتلة التى لا تمحى ولا تغيب ولا سبيل لأن تعود بيضاء.
وتبقى الحقيقة الثابتة بأنه لولا تلك الذكريات لما استطاع أن يرسم قصائده المبهرة، ولا أن يصدق دوره على المسرح، فلولا تلك الذاكرة ما أتت تلك الفتاة الساحرة إليه الآن لترسم معه أحداث جديدة، ولتلعب دور البطولة فى مسرحية مكررة لا يمل مشاهديها من تكرارها.
وها هو يتذكر ذلك اللقاء وتلك الفتاة بعد ثلاثة شهور من العرض الأخير للمسرحية، وما أضافت تلك الفتاة إليه إلا أن أوحت له بهذا المقال، فقد ذهبت سريعا كغيرها لتصبح رقما مجهولا فى ذاكرة لا تئن.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سحـــــــــــ كاجو ــــــــــــس
ذكرياتنا التى نضعها فى الارشيف