إسماعيل عبد الهادى يكتب: ما هكذا يكون استقبالنا لشهر الله الحرام

الأحد، 19 مايو 2013 12:13 ص
إسماعيل عبد الهادى يكتب: ما هكذا يكون استقبالنا لشهر الله الحرام صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقول المولى عز وجل: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أن اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ التوبة/36.

والأشهر الحُرُم المذكورة فى كتاب الله على الترتيب هى "ذوالقعدة وذوالحجة ومحرم، ثم رجب"، وهذه الأشهر كانت معظمة منذ شريعة سيدنا إبراهيم – عليه السلام – واستمر ذلك التعظيم عند العرب إلى ما قبل الإسلام، فكانوا يعظمون هذه الأشهر ويحرمون فيها القتال.

ثم جاءت السنة النبوية وبينت عظمة تلك الأشهر الحرم فيما روى عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مُضَر الذى بين جمادى وشعبان" صحيح البخارى.

وكان العرب قبل الإسلام يحرمون القتال فى هذه الأشهر الأربع الحرم، حتى أن الرجل كان يلقى قاتل أبيه وجهاً لوجه فلا يمسه بسوء ولا يعتدى عليه تعظيماً لها وإكراماً وإجلالاً، وقيل فى تفسير قوله تعالى فى الآية سالفة البيان: "فلا تظلموا فيهن أنفسكم" أى أن الظلم فى الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيمن سواها – وإن كان الظلم على كل حال عظيماً – إلا أن الله يعظم من أمره ما يشاء، وقال قتادة فى ذلك: "إن الله اصطفى صفايا من خلقه: اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً واصطفى من الكلام ذكره واصطفى من الأرض المساجد واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم واصطفى من الأيام الجمعة واصطفى من الليالى ليلة القدر فعظموا ما عظم الله".

هذا هو حال العرب قبل الإسلام منذ عهد سيدنا إبراهيم إلى بعثة رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ثم استمر الحال فى صدر الإسلام وزمن الصحابة الكرام.
أما مسلمو هذا الزمان فلم يأخذوا من الدين إلا الاسم والمظهر، وتركوا الجوهر والمخبر، وأطلقوا اللحى وقصروا الجلباب، وحرموا أشياء باجتهادات ممن هم لا يصلحون أصلاً لهذا الاجتهاد، وأوصدوا أبواباً للرحمة فعم الفساد والضلال، واقتتل المسلمون بعضهم بعضاً دون وجه حق طوال أشهر العام، ولم يراعوا حرمة الله فيما حرم وحظر ولم ينتهوا فيما نهى وزجر، ثم يدعون الإسلام ويطلبون من الله النصرة، وهم أظلم مما كان عليه المشركون قبل الإسلام، فأولئك عظموا حرمة الله فى أشهره الحرم عملاً بشريعة سيدنا إبراهيم عليه السلام وجئنا نحن فانتهكنا حرمة الله علانية بيننا وبين بعضنا البعض لا بيننا وبين عدونا، رغم تحريم الله للقتال، إلا حالة واحدة وهى درء الاعتداء فى حالة ما إذا كان جائراً من عدو يتربص بنا الدوائر.
إلا أن المسلمين استقبلوا غرة رجب لعام1434هـ يوم السبت الموافق 11/5/2013م بتفجير بلدة ريحانلى، أو ريحانية على الحدود بين تركيا وسوريا، والتى يقيم فيها بعض من اللاجئين السوريين ثم بعدها بيومين فقط يوم الاثنين 13/5/2013م يتم تفجير سيارة مفخخة بمنطقة مزدحمة خارج مستشفى الجلاء بمدينة بنغازى الليبية ليُقتل من يُقتل، ويُجرح من يُجرح دون ذنب جنوه وتهرق دماء ذكية محرمة طوال العام، وأشد حرمة فى شهر رجب فنستقبل ذلك الشهر العظيم بهذه التفجيرات اللعينة، ومن المؤكد أنها ليست من جانب الكفرة من اليهود والأمريكان أو بطائرات بدون طيار للغرب الكافر- كما نزعم فى كثير من الأحيان – إنما هى بيقين جاءت من مسلمين ضد مسلمين يشهدون بالوحدانية وبنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا ما بحثنا عن الهدف منها نجده لا شئ سوى خلافات مذهبية عقائدية ما أنزل الله بها من سلطان، أو من أجل اعتلاء كراسى والحلول محل آخرين لا رغبة فى إرساء مبادئ أو قيم دين أو إعلاء شأن مواطنين.

فهل هذا هو منهج وسلوك الإسلام أيها المسلمون الذين تدعون الانتساب إلى هذا الدين العظيم؟، وما هى إلا أياماً ويحل علينا شهر رمضان المبارك ورغم أنه ليس من الأشهر الحرم إلا أنه شهر له من التقدير والتعظيم ماهو للأشهر الحرم بل يفوق فهو شهر القرآن كما ذكره المولى عز وجل، فى محكم التنزيل: "شَهرُ رَمَضَانَ الذى أُنزِلَ فيهَ القُرآنُ هُدىً لِلنَاسِ وَبيِناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَهرَ فَليصُمهُ" البقرة/ 185.

وفيه ليلة القدر وهى خير من ألف شهرعظم الله شأنها وأعلى من قدرها، فهل سيظل المسلمون فى سوريا وفى العراق وفى ليبيا وفى غيرها من الدول العربية الإسلامية المتناحرة– وهى للأسف دول إسلامية خالصة– سيظلون يفجرون ويقتلون ويعصفون بالمبادئ والقيم الدينية الراسخة، وينتهكون الحرمات بينما الدول الأخرى التى نصمُها بأنها ليست لها دين تنعم بالأمن والأمان والرفاهية لشعوبها، ومع ذلك نقوم بسبها ولعنها ونصدَر التفجيرات إليها، وأصبحت شرورنا متعدية ولا تقتصر علينا بل تعدينا بها إلى غيرنا، ثم ندعى الإسلام والغيرة عليه، وهو الذى أمرنا بحسن الجوار وعدم إيذاء ممن هم لا يدينون بديننا طالما أنهم لا يؤذوننا، لأن ديننا دين الرحمة والرأفة حتى بالحيوان فمبالنا بالإنسان الذى تجمعنا معه الأخوة فى الإنسانية أياً ما كان دينه، وأمرنا بأن نكون أشد وأرحم وأكثر حنواً بأخوة الدين، كما قال المولى عز وجل: "مُحَمَدُ رَسُولُ اللهِ والذِينَ مَعَهُ أشِداءُ عَلَى الكُفارِ رُحَمَاءُ بَيَنهُم تَرَاهُم رُكَعاً سُجداً يَبتَغون فَضلاً مِنَ اللهِ ورِضوَاناً سِمَاهُم فىِ وُجُوهِهِم من أثرِ السُجُود" الفتح/29.

هذه هى صفات المؤمنين حقاً "التراحم والتواد والتعاطف والحنو والرأفة" لا القتل والبغض والكره والحقد والدسائس والتمثيل بالجثث وقتل الأطفال الأبرياء والنساء وكبار السن، وتغريب من لا يقتل منهم عن أوطانهم قسراً دون وجه حق، وهم لا ناقة لهم ولا جمل فى هذه الصراعات البغيضة، ثم نطلب بعد ذلك من العالم أن يحترمنا ويقدر ديننا، ونحن قد أصبحنا سفراء للشر أساءنا لكل ما هو جميل من قيم الدين الإسلامى العظيم، ولم نحترم حدوده ونقدس حرماته لا فى أشهره المحرمة نصاً ولا فى الاعتداء على الآمنين المسالمين جسداً ومالاً ونفساً، وهم الذين ستتعلق دمائهم برقابنا إلى يوم الدين.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة