تتهاوى سوريا ومقدراتها يوما بعد يوم حتى كادت أن تضيع ما بين الحرب الأهلية وشبح التقسيم فى الوقت الذى تتصارع فيه الدول الإقليمية والدولية للعب دور فى إدارة الأزمة، لتخرج علينا هذه الدول يوميا بمبادرات تلو الأخرى تنتهى بطرق مسدودة وأطراف متشبثة بآرائها وحلول بعيدة المنال تضيع معها أحلام الشعب السورى العالقة منذ ثلاثه أعوام.
وشهد الأسبوع الماضى تنافسا وتباريا واضحا بين المبادرتين المصرية من جهة والأمريكية الروسية من جهة أخرى، أيهما يستطيع أن يجذب الأطراف لديه ويفتح قنوات اتصال تمكنه من استمرار مبادرته على الأرض تحت شعار "تحقيق تطلعات الشعب السورى".
لم تختلف كلا المبادرتان المصرية والأمريكية الروسية كثيرًا، خاصة بعد أن عمد الرئيس محمد مرسى إلى تعديلها، فمن حيث الأطراف المشاركة تقريبا تشابهت بعد أن وسعت مصر دائرة الانضمام من لجنة رباعية إلى اجتماع موسع يضم أطراف النزاع بما فيهم النظام السورى والمعارضة وانضمام منظمات إقليمية ودولية وهى الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامى والأمم المتحدة، ومن حيث إطار التفاوض فكلتا المبادرتين تقومان على اتفاق جنيف الذى وضع فى نهاية يونيه باتفاق دولى وإقليمى ويضع خارطة طريق لوقف إطلاق النار وبدء عملية سياسية فى سوريا.
ورغم الترحيب الموسع الذى لقيته المبادرتان إلا أن الأيام الماضية شهدت صراعا على البقاء والاستمرار، حيث إن المبادرة "الأمريكية الروسية" تقدمت عن نظيرتها المصرية بما تملكه الأطراف الدولية من آليات واتصال بالنظام السورى وإمكانية الضغط عليه قادرة على تحقيق تقدم فى ملف التسوية السياسية للأزمة بل وستضمن تنفيذه، وهذا وضع مصر فى حالة صراع مع الزمن لتفعيل مبادرتها واستعاده جزء من دورها الإقليمى الذى تبحث عنه.
ولهذا السبب قام عصام حداد مستشار الرئيس للشئون الخارجية بجولات مكوكية بين عواصم مختلفه لإحياء المبادرة، بدأت بطهران نهاية أبريل الماضى ومؤخرا التى حمل خلالها رسالة من الرئيس إلى المسئولين الأتراك بضرورة تفعيل الدور التركى فى المبادرة المصرية لحل الأزمة السورية.
وقال مصدر دبلوماسى عربى بالقاهرة لـ"اليوم السابع" إن مصر تسعى بكل جهدها لعقد اجتماع وزارى قبل أى تحرك دولى لعقد المؤتمر المزمع لحل الأزمة السورية بناء على الاتفاق الأمريكى الروسى، وأوضح المصدر أن مصر تضغط على وتر الحل الإقليمى وعدم تدويل القضية لما سيسببه ذلك من أثار سلبية على سوريا لأنه سيدخل به توازنات وحسابات المصالح، أما الجوار الإقليمى من وجهة النظر المصرية فهو الطريق الأمثل لحل القضية لأنه لا يبغى سوى مصلحة المنطقة والأمن القومى لبلاده دون اعتبارات أخرى.
كما تروج مصر إلى أن الخطورة حاليا فى الأزمة السورية ليست فى إسقاط الأسد من عدمه وإنما فى خطورة الفراغ الذى سيسببه تقسيم سوريا وتفتيتها، ولابد من حل سياسى توافقى يحقق مطالب الشعب ويحافظ على وحدة سوريا من التفكيك والحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار خاصة الجيش والمخابرات، حتى لا تلاقى سوريا مصير العراق.
وبدأت الخلافات التى من شأنها إعاقة عقد المؤتمر الدولى تلوح فى الأفق، حيث مازال هناك تباين خلال الترتيبات للمؤتمر المقرر له نهاية الشهر الجارى من حيث جدول الأعمال، وعدد المشاركين، ومستوى الحضور وتمثيل كل من المعارضة والنظام السورى ومن هو الممثل الشرعى وغير الشرعى، ورفض دمشق لما وصفته بالشروط التعجيزية والإملاءات كالحديث عن عدم حضور الرئيس بشار الأسد للمؤتمر أو اشتراط رحيله للحل السياسى للأزمة.
وأشار المصدر إلى أن مصر تستغل الشروط التى وضعتها المعارضة لحضور المؤتمر الدولى لجذبهم تجاه مبادرتها، ولهذا السبب بادر الحداد بإعلان أن المبادرة الرباعية المصرية للأزمة السورية تم تطويرها لإضافة آلية تضمن الخروج السلمى لسوريا، حيث لابد أن يكون هناك أحد يمثل النظام السورى ولكن ممن لم تلوث أيديهم بالدماء وترضى عنه المعارضة ليجلسوا معا على طاولة واحدة، واعتبر المصدر أن تصريحات حداد تعتبر مغازلة مصرية للمعارضة حتى تنصاع للمفاوضات بالقاهرة.
إلا أن المعضلة أمام مبادرة مصر ليست فى جذب المعارضة بقدر ما هى إقناع النظام السورى بأن تكون القاهرة مقرا للمفاوضات والمشاركة فيها، خاصة أن روسيا أبلغت الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربى بأنها عبر اتصالاتها بالنظام السورى هناك شخصية شبه متفق عليها لحضور الاجتماع الدولى ولكنه لم يفصح عنها، وهو ما لا تملكه مصر.
وفى السياق ذاته، أكد محمود مرعى رئيس مجلس إدارة المنظمة العربية لحقوق الإنسان المقيم فى دمشق لـ"اليوم السابع" أن مصر انحازت لطرف على حساب الآخر، وأصبحت طرفاً فى الصراع وليست وسيطاً، وذلك بعد أن دعمت الائتلاف الوطنى السورى رغم أن هناك أطيافا كثيرة من المعارضة السورية لا تنضم للائتلاف، وكذلك أكد أن الجامعة العربية لا يمكن أن تكون وسيطا هى الأخرى لأنها حسمت موقفها وانضمت إلى أحد أطراف الصراع بتسليمها مقعد سوريا بالجامعة العربية للائتلاف.
وقال مرعى "أعتقد أنه من الصعب على مصر فى وضعها الحالى إحداث اختراق فى تلك المفاوضات ولكننا نتمنى أن تنجح فى هذا فهى مازالت فى قلب السوريين الأقرب والداعم لهم"، وأكد دعمه للمبادرة المصرية على اساس بيان جنيف.
واتخذت مصر بعض الإجراءات فسرها الخبراء بأنها إثبات لحسن النوايا لحمل النظام السورى للتجاوب معها، حيث أعلنت قبل تجديد مبادرتها إعادة بعثتها الدبلوماسية برئاسة السفير علاء عبد العزيز إلى دمشق بعد أربعة شهور من قرار سحبها احتجاجا على جرائم الأسد، وهو رغبة منها فى التواصل مع أطراف الأزمة السورية وصولاً لتسوية تحقن الدماء السورية.
ولكن التعديلات التى أدخلتها مصر على مبادرتها لم تروق لبعض الأطراف خاصة السعودية والتى جمدت مشاركتها فى المبادرة الرباعية سابقا اعتراضا على موقف إيران، إلا أن التحفظ الآن تزايد بعد توجه القاهرة لضم نظام بشار الأسد إلى المبادرة، وتوقع المصدر العربى أن يقوم بعض المسئولين بزيارة عاجلة للرياض الفتره المقبلة لمحاولة التفاوض على الحصول على دعم السعودية.
وستشهد الأيام المقبلة مزيداً من التصارع بين القائمين على المبادرتين والتحرك الدولى والإقليمى لإمكانية التسريع بعقد أى منهما، وربما التوصل إلى قرار بدمج المبادرتين اتساقا مع ما قاله وزير الخارجية كامل عمرو بأن المقترح الأمريكى الروسى يتماشى مع المبادرة المصرية وما تقوم به مصر من تحرك على الصعيدين الدولى والإقليمى للتوصل إلى حل يحقق تطلعات الشعب السورى فى الديمقراطية والحرية والكرامة، معربا عن استعداد مصر للعمل مع قيادات المعارضة السورية وجميع الأطراف المعنية لضمان تحقيق المؤتمر لأهدافه بما فى ذلك الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية تتمتع بصلاحيات كاملة تتولى إدارة المرحلة الانتقالية فى سوريا.
وفى النهاية يبقى الشعب السورى يشاهد المباراة بين الأطراف جميعها على أمل أن يتوصل أى منهما لحل ينهى أزمتهم المستمرة منذ ثلاث سنوات نتج عنها 70 ألف شهيد وأكثر من مليونى لاجئ فى الدول العربية ينتظرون يوم العوده للوطن.
سوريا تحتضر بين صراع مبادرات حل الأزمة..مصدر دبلوماسى: القاهرة تريد الحفاظ على المؤسسات السورية خشية تحولها لـ"عراق ثان"..رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان:وضع مصر الحالى لا يمكنها من القيام بالوساطة
السبت، 18 مايو 2013 01:00 م