هى ماكينة خلق التنوير، ومنصة إطلاق الوعى، وهى أكبر دار نشر فى مصر والعالم العربى، من خلالها أصبح للوعى المصرى مكان بارز على مر العقود، وفى أرجائها تربى العديد من المبدعين الذين أصبحوا فيما بعد ملء السمع والبصر، خاصة بعدما تبنت كل عام إقامة معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى أصبح أهم الأعياد الثقافية فى الشرق الأوسط لأكثر من أربعين عاما، توافد على رئاستها العديد من الأسماء المجلجلة التى ما أن يتبادر إليك اسم واحد منهم حتى تشعر بقيمة مصر وعظمتها، منهم الراحل الكبير محمود أمين العالم، ومنهم أم المثقفين المصريين سهير القلماوى، ومنهم الناقد الكبير عزالدين إسماعيل صاحب أشهر الكتب الأدبية والنقدية وأهمها، ومنهم شاعر العربية الأكبر صلاح عبدالصبور الذى خطا بالشعر العربى خطوات واسعة وأضاف إلى العلوم والآداب العربية ما لم تكن قادرة قبله على استيعابه، ومن هنا تكمن أهمية «الهيئة المصرية العامة للكتاب» وتكمن خطورة ما فعله وزير الثقافة الجديد فى تلك الهيئة مستفتحا عهده بإنهاء ندب تعسفى للدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة الشرعى.
شرعية أحمد مجاهد لا تأتى من كونه أحد أساتذة الأدب العربى البارزين فى جامعة عين شمس فقط، ولا تأتى لتاريخه الثقافى الناجح فى المؤسسات الثقافية المتعددة التى تولى أمرها، ولا تأتى أيضا من إسهامه المتميز فى رفع مكانة الهيئة وإحياء دورها الذى فقدته على مدار سنين مضت، لكنها تأتى من أنه لم يكمل فترة ندبه التى من المفترض أن تنتهى مع نهاية هذا الشهر، لكن يشاء الله أن يعمى عيون الجماعة ومندوبها الجديد فى وزارة الثقافة عن الصبر لأيام على «مجاهد» ليخرج بشكل طبيعى، فقد كان من الممكن أن يتجاهل الوزير الجديد طلب الدكتور صابر عرب وزير الثقافة السابق الذى أرسله لجامعة عين شمس لطلب مد ندب الدكتور أحمد مجاهد عاما إضافيا، ليقيله نهاية هذا الشهر تلقائيا، لكن نفاد صبر الجماعة على الدور التنويرى للهيئة مد الغشاوة على عينها لتصبح إقالة مجاهد عنوانا جديدا لسيناريو أخونة الدولة المقيت.
تحمل إقالة مجاهد من هيئة الكتاب العديد من الإشارات المهمة التى تكشف عقلية الجماعة فى إدارة الدولة، ولعل أهم ما تكشفه هذه الإقالة المريبة هو أن الجماعة لا تقدم الولاء على الكفاءة فحسب وإنما لا تضع عنصر الكفاءة أو الخبرة فى حسبانها من الأساس، والدليل على هذا أن هيئة الكتاب فى فترة الدكتور أحمد مجاهد حققت أرباحا تاريخية لأول مرة فى مسيرتها الطويلة، وأصبحت الهيئة تورد لوزارة المالية أكثر مما تطلبه الوزارة، وهو ما انعكس إيجابيا على موازنة الدولة، وبدلا من أن تصبح ميزانية «الثقافة» عبئا على الموازنة أصبحت موردا من مواردها، لكن ليس المهم هو أن الهيئة حققت أرباحا فى عهد مجاهد وإنما فى كيفية تحقيق هذه الأرباح، فقد كان من الممكن أن يحقق رئيس الهيئة السابق أرباحا على حساب العاملين بالهيئة أو على حساب جودة الكتب أو نوعياتها، لكن هذا ما لم يحدث، فقد كان هذا الفائض بعدما اكتفت الهيئة ذاتيا، وثبتت جميع عامليها المؤقتين، ورفعت من مستوى الإنتاج كما وكيفا، وفتحت مجالات واسعة لتسويق الكتاب داخليا وخارجيا.
ولم تقتصر نجاحات الهيئة على مستوى المضمون الثقافى فحسب، وإنما امتدت إلى النواحى الإدارية بشكل لافت، وكان من آثار هذا النجاح إعادة اكتشاف أرض الهيئة بشارع فيصل بعد أن كادت أن تضيع، فأصبحت قبلة ثقافية يؤمها المثقفون كل عام محتفلين بشهر رمضان الكريم فى معرض فيصل، لتستطيع الهيئة أن تمد خدماتها إلى محافظة الجيزة ونواحيها، لكن الجماعة ومندوبها فى وزارة الثقافة لم تر فى كل هذه النجاحات ما يجعلها تصبر على رئيس هيئة الكتاب الشرعى «أحمد مجاهد» بعد أن أزال عن الهيئة ترابها وأعادها إلى أمجادها، فأزاحته وأتت مكانه بشخصية تنحصر مؤهلاتها فى أنها أيدت الإعلان الديكتاتورى الباطل الذى سفكت دماء المصريين بسببه.






















