المشكلة الآن.. تماما مثلما كان الحال فى زمن مبارك.. ليست فى أشخاص يذهبون ووجوه تتغير.. إنما فى برنامج يحدد اتجاهات خطا ويرسم محاور حركة
مازالت الذاكرة الجمعية، بما فيها ذاكرة الجيل الشاب، تحتفظ بأسماء وزراء مروا فى تاريخ مصر، رغم تراكم السنين والأحداث، محمود رياض وزيرا للخارجية، ثروت عكاشة وزيرا للثقافة، عزيز صدقى وزيرا للصناعة، كمال رمزى ستينو وزيرا للتموين، حكمت أبوزيد وزيرا للشؤون الاجتماعية، وكثيرون غيرهم، مروا على المنصب فمنحوه قيمة وقامة، وتركوا أثرا فى حياة الناس، وطبعوا بصمة فى تاريخ مصر، بينما وزراء حكومات الإخوان فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، «وما أدراك ما العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين»، مازالوا يعيشون بيننا، فى الزمان والمكان، ومازالت أخبارهم وصورهم تملأ مساحات وسائل الإعلام المختلفة، إلا أنه يصعب أن تجد مواطنا يعرف أسماءهم وصورهم، وتكفى فضيحة الاعتداء على موكب رئيس الوزراء فى حادث ثبت أنه إجرامى محض، ليس وراءه أية دوافع سياسية، لأن المتهمين لم يعرفوا من هو صاحب الموكب، ثم تساءل بعضهم «مين هشام قنديل ده»؟.
أمضى هشام قنديل فى منصبه رئيسا للوزراء أكثر من عشرة شهور، تجول خلالها فى الشوارع، اشترى كحك العيد، وركب المترو، وازدحمت شاشات التليفزيون وصفحات الصحف بتصريحاته التى لم يكن لمعظمها علاقة بالسياسة ولا الإدارة، عن ضرورة تجمع أفراد الأسرة فى غرفة واحدة بالملابس القطنية، وغسل الصدر قبل الإرضاع، واغتصاب نساء بنى سويف فى الغيطان، فأثارت من الجدل والغضب ما تجاوز النخب ووصل إلى رجل الشارع العادى، وعندما تجد بعد ذلك من يسأل «مين هشام قنديل ده»؟ فنحن بالقطع أمام عنوان صارخ لمأساة حقيقية وفشل ذريع، وللمأساة أسبابها وللفشل دواعيه.
بعد طول انتظار فاجأ الدكتور محمد مرسى الجميع، ربما باستثناء «الأهل والعشيرة»، بتكليف الدكتور هشام قنديل بتشكيل أول حكومة لأول رئيس منتخب بعد ثورة يناير. وللمفاجأة أسبابها، إن كان بينها أن التكليف جاء مغايرا لكل ما سبق، وتعهد به الدكتور مرسى قبل إعلان فوزه بمنصب الرئيس، فلعل أهمها أن السيرة الذاتية لرئيس الوزراء المكلف تشير إلى خبرة طويلة فى العمل الإدارى، وفقر عميق فى الجانب السياسى، فالرجل ليس له أى دور أو نشاط سياسى سابق، باستثناء تكليفه بمنصب وزير الرى، قادما من مدير مكتب وزير الرى، فى حكومة الدكتور عصام شرف «12 يوليو 2011» واستمراره فى ذات المنصب فى حكومة الدكتور كمال الجنزروى «7 ديسمبر 2011»، إلى أن كلفه الدكتور مرسى بتشكيل أولى حكوماته فى 24 يوليو 2012، فكان أن أول رئيس وزراء بعد الثورة رجل إدارى يفتقد خبرة سياسية ضرورية لمن يشغل منصبا هو بالطبيعة سياسى بالدرجة الأولى.
وبعد عشرة أيام من الاتصالات والمشاورات، ظهرت حكومة الدكتور قنديل «2 أغسطس 2012»، وفيها 26 وزيرا جديدا، وتسعة وزراء مستمرون فى مناصبهم من حكومة الدكتور الجنزورى، هم وزراء: الدفاع، والخارجية، والمالية، والإنتاج الحربى، والثقافة، والبحث العلمى، والشؤون الاجتماعية، والبيئة، والآثار، بين الوزراء الجدد كان هناك مدير مكتب الوزيرة السابقة فايزة أبوالنجا حاملا حقيبة التخطيط، والمدير الإقليمى لشركة مصر للطيران مكلفا بوزارة الطيران، فضلا عن ثلاثة وزراء ظهروا فجأة فى اللحظات الأخيرة، ومعهم حقائب الإعلام والأوقاف والرياضة.
لكن الوزارة لم تستمر طويلا، فما هى إلا ستة شهور حتى طالها التعديل الأول، أو حكومة قنديل الثانية، حيث دخل إليها فى 6 يناير 2013 عشرة وزراء جدد، من أصل 35 وزيرا فى الحكومة الأولى، هم وزراء: الدولة للتنمية المحلية، والدولة لشؤون المجالس النيابية، والكهرباء والطاقة، والطيران المدنى، والداخلية، والمالية، والنقل، والدولة لشؤون البيئة، والتموين، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وحول ذلك التعديل نشرت الزميلة «المصرى اليوم - 7 يناير 2013»، ما قالت إنه نقلا عن «مصادر مسؤولة رفيعة المستوى» بعض تفاصيل ما جرى فى كواليس التعديلات الوزارية، وفيها أن ثمانية وزراء من العشرة الذين شملهم التغيير، اختارهم الرئيس وحزب الحرية والعدالة، ومن ورائهما «الجماعة»، وفيها أيضاً أن قنديل كان يريد الإبقاء على وزيرى المالية والداخلية «ممتاز السعيد، وأحمد جمال الدين» فى منصبيهما، لكن الرئيس أخذ قراره برحيل الاثنين، دون علم رئيس الوزراء، الذى لم يلتق وزير الداخلية إلا بعد الإعلان الرسمى عن اسمه، فى التعديل الوزارى، ولم يلتق وزير المالية الجديد، إلا قبل حلف اليمين بساعتين. ومرت الأيام ولم يصدر نفى لهذه المعلومات من أية جهة، بينما هشام قنديل يصف «حكومته» بتشكيلها الجديد «هى حكومة الشعب المصرى كله، وليست حكومة حزب أو جماعة أو فصيل سياسى معين»، تماما مثلما قال عن حكومته الأولى «3 أغسطس 2102» بأنها «حكومة الشعب، ولم أنظر فيها إلى الجنسية ولا اللون ولا الدين»، وكذلك لا يعود بوسع أحد أن يلوم من يتذكر فى تلك اللحظة المقولة الشهيرة، بتصرف «كم من الجرائم ترتكب باسمك أيها الشعب». وفى 20 إبريل 2013، أعلن الرئيس محمد مرسى فى حواره مع فضائية الجزيرة عن تعديل حكومة قنديل، وفيما يعنى أن الفشل مازال مقيما حتى مع التعديل الثانى الذى لم يمض عليه سوى أقل من ثلاثة شهور ونصف الشهر، وبعد 17 يوما من المشاورات، ظهرت حكومة قنديل الثالثة «7 مايو 2013»، وفيها تسعة وزراء جدد للعدل، والدولة لشؤون المجالس النيابية، والبترول والثروة المعدنية، والدولة لشؤون الآثار، والزراعة واستصلاح الأراضى، والمالية، والتخطيط والتعاون الدولى، والثقافة، والاستثمار.
هذه المرة لم يكن أحد بحاجة إلى «تسريبات صحفية من مصادر رفيعة المستوى» لكشف مدى وحجم تدخلات «الجماعة» فى تشكيل الوزارة، فقد تكفل بذلك رئيس الوزراء شخصيا، حيث أعلن مساء الاثنين 6 مايو أن التعديل سيشمل 11 وزيرا، وصباح 7 مايو تبين أن لدينا تسعة وزراء جدد فقط، وبما يعنى أن الرجل لم يكن يعرف، حتى قبل ساعات من إعلان أسماء الوزراء الجدد ما الذى يدور وأين يدور، وإن كان قد حاول تبرير ذلك بالقول، إن التغيير اقتصر على تسعة وزراء فقط، لأن الوزيرين الآخرين «لم يكشف عن أسمائهما» لديهما ملفات مفتوحة، فى عذر أقبح من الذنب كما يقال، ليس فقط لأن كل الملفات مازالت مفتوحة، وكل المشاكل لم تزل عالقة، وكل الوزراء، من ذهب منهم ومن بقى، لم ينجز شيئا، وليس فقط لأنه كشف من حيث لا يدرى ولا يقصد أنه وهو رئيس الوزراء لم يكن يعرف حتى قبل ساعات من إعلان التعديل، ما هى الملفات المفتوحة وما هى الملفات المغلقة، لكن أيضاً لأن وزير المالية لديه ملفات قرض الصندوق ومشروع الصكوك لم تزل مفتوحة، وجرى تغييره.
منذ أول حكومة للدكتور مرسى، كانت حالة الأمن المنفلت، تتداخل مع الوضع الاقتصادى المتلامس مع كل الخطوط الحمراء، فى دولة أصاب الترهل كل مؤسساتها، ومجتمع يفتقد للمساواة والعدالة الاجتماعية، وبينهما - الدولة والمجتمع - جماهير عطشى للحرية والخبز والكرامة، وبعد تسعة شهور، تغير خلالها %54 من الوزراء، ازداد الوضع سوءا وتعقيدا، وبات العلاج أصعب مما كان عليه من قبل.
مصر تتقدم فقط فى أرقام تعلنها حكومة فاشلة، منها أن محصول القمح ارتفع إلى 10 ملايين طن، ليجرى بعدها استبعاد وزير الزراعة الذى حقق المعجزة، وبما يضعنا أمام احتمالين لا ثالث لهما، إما أن «الجماعة» تكره النجاح وتستبعد الناجحين، وإما أن حكاية العشرة ملايين طن مجرد أكذوبة، ومنها - أيضاً - أن وزارة الداخلية نجحت فى ضبط عشرات الآلاف من المخالفات المرورية، بينما الواقع يقول بفوضى المرور الضاربة وانتشار البلطجة والسرقة بالإكراه، فى عز النهار، وصولا إلى سرقة سيارة نائب وزير الداخلية بالإكراه، فضلا عن اقتحام موكب رئيس الوزراء.
المشكلة الآن، تماما مثلما كان الحال فى زمن مبارك، ليست فى أشخاص يذهبون ووجوه تتغير، إنما فى برنامج يحدد اتجاهات خطا ويرسم محاور حركة، بينما الجماعة ليس لديها سوى «خريطة طريق» للسيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها، والفارق شاسع وعميق بين برنامج حكومة، وتمكين جماعة.